تواصل الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى التعامل مع حالات عدم اليقين والضعف المتزايدة وسط الصراعات والمشهد الجيواقتصادي العالمي المجزأ بشكل متزايد، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي «الآفاق الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الذي يتم الإعلان عنه في مدينة دبي اليوم.
ويؤكد التقرير أن الأضرار الناجمة عن الصراعات في المنطقة ستترك آثاراً على اقتصاداتها لن تمحوها عقود من الزمن.
وفي مقابلة مع CNN الاقتصادية على هامش إطلاق التقرير، يؤكد جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أن العنصرين الأساسيين اللذين أثرا على الاقتصاد في عام 2024 هما الوضع الأمني في غزة ولبنان الذي خلق حالة ترقب كبيرة، وتمديد اتفاق أوبك+ الذي كان له تأثير كبير على القطاع النفطي في دول الخليج، كما يشير أزعور إلى أن الصورة الإيجابية هي تراجع التضخم كمعدل وسطي بنسبة 3 في المئة باستثناء مصر والسودان وإيران.
وتابع أزعور قائلاً إن عام 2025 قد يحمل توقعات أفضل ونمواً بنسبة 5 في المئة كمعدل وسطي، ولكن ذلك انطلاقاً من أن يكون هناك تحسن في الوضع العام وعدم الاستمرار في تمديد اتفاق أوبك+، ومن المتوقع بحسب التقرير أن يظل النمو في عام 2024 عند 2.1% (-0.6 نقطة مئوية عن أبريل)، ويرجع ذلك في الغالب إلى تأثير الصراعات المستمرة والتخفيضات الطوعية المطولة في إنتاج النفط، عدم اليقين بشأن متى ستخف هذه العوامل مرتفع، وبقدر ما ينحسر تدريجياً، من المتوقع أن يتعافى النمو في عام 2025 ويصل إلى 4% (-0.2 نقطة مئوية عن أبريل)، ومع ذلك من المتوقع بحسب التقرير أن يتراجع النمو على المدى المتوسط، حيث ستستغرق إصلاحات التنويع الاقتصادي بعض الوقت حتى تسفر عن نتائج، فالتضخم منخفض في معظم الاقتصادات.
وفي حديث عن اقتصادات دول الخليج، يؤكد أزعور أن القطاع غير النفطي في الخليج هو القاطرة الاقتصادية والسبب الأساسي للنمو فيها، ويتابع أزعور قائلاً إن القطاع النفطي تأثر بسبب تمديد اتفاق أوبك+ الذي أسهم من ناحية أخرى في استقرار أسعار النفط.
تمديد اتفاق أوبك+ ينعكس على النمو الاقتصادي
ويؤكد التقرير أن تخفيضات إنتاج النفط تسهم في تباطؤ النمو على المدى القريب في العديد من الاقتصادات، حتى لو تضاءلت بعض هذه العوامل السلبية تدريجياً، فإن توقعات النمو في الأمد المتوسط أصبحت خافتة على نحو متزايد، وبالتالي فإن التنفيذ الحاسم للإصلاح ضروري لزيادة إمكانات النمو، ولن يساعد النمو الأقوى والأكثر مرونة في خلق فرص العمل وتعزيز الاحتواء فحسب، بل سيدعم أيضاً خفض نسب الدين المرتفعة وفتح المجال لتحقيق تطلعات التنمية والإنفاق الاجتماعي.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مواطن الضعف لا تزال مرتفعة، حيث تراجع التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تماشياً مع الاتجاهات العالمية، لكنه لا يزال مرتفعاً في بعض الاقتصادات (مصر والسودان وإيران) بسبب التحديات الخاصة بكل بلد، وباستثناء هذه الاقتصادات، من المتوقع أن يتراجع التضخم إلى 3.3% في عام 2024 و3% في عام 2025، ويؤكد التقرير أن البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان لا تزال تعاني من الصراعات (غزة والسودان)، وعدم اليقين، وارتفاع إجمالي احتياجات التمويل، ومع انحسار هذه المعدلات تدريجياً وتراجع أسعار النفط، سيتعافى النمو على المدى القريب من 1.5% في عام 2024 إلى 3.9% في عام 2025، ومع ذلك فإن الفجوات الهيكلية ستعرقل نمو الإنتاجية في بعض الاقتصادات خلال أفق التنبؤ.
المطلوب من مصر
ويؤكد أزعور أن البرنامج الذي وضعه صندوق النقد لمصر وبدأ في تنفيذه أسهم في حماية مصر من الصدمات الكبيرة، خاصة من خسارة التجارة عبر قناة السويس 70 في المئة من إيراداتها، ويؤكد أزعور أن الاقتصاد المصري يشهد تحسناً تدريجياً، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل نمواً اقتصادياً، ويؤكد أزعور أن الزخم في الاقتصاد المصري بحاجة إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، مشيراً إلى أن المطلوب من الدولة الحفاظ على الاستقرار العام في المالية العام ومعالجة مشكلة العجز الاقتصادي من خلال الاستمرار في سياسات تكبح جماح التضخم، والعمل على إعادة هيكلة القطاع العام.
حدة شروط منح قرض للبنان
وفي حديث عما إذا كان الصندوق جاهزاً لتخفيف الشروط لمنح قرض للبنان في ظل الحرب التي يعانيها، يؤكد أزعور أن الصندوق جاهز دائماً للمساعدة، ومنح في السنوات الأربعة الماضية ما يقارب 47 مليار دولار، إضافة إلى عملية الإعفاء على الديون التي حصلت عليها دول مثل السودان، ويتابع أزعور أن المساعدات الكبرى والأساسية اليوم تحل على شكل هبات للشرائح المتضررة بسبب الحرب القائمة، خاصة مع التدمير الذي أصاب بنية زراعية بأكملها.
ويؤكد الصندوق أن التمويلات المطلوبة للقطاع العام لا تزال ضيقة، وأن 268.2 مليار دولار إجمالي احتياجات التمويل المتوقعة للقطاع العام لعام 2025 في الأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان (ما يقرب من 100% من إيرادات المالية العامة)، ارتفاعاً من 260.6 مليار دولار في عام 2024 تمويل جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 47.7 مليار دولار لبلدان الشرق الأوسط وإفريقيا منذ عام 2020.