دق الجوع في غزة ناقوس الخطر، فمع وصول مستوياته إلى 96 في المئة وفق «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» (IPC) ومع ما شهده القطاع من ارتفاع ملحوظ في عدد الوفيات -خاصة بين الأطفال والحوامل وكبار السن- الناجمة عن الجوع وسوء التغذية تم تصنيف الوضع من قبل منظمة الصحة الدولية بالكارثي مع وصف الأمم المتحدة له بالمجاعة التي تهدد نحو 2.2 مليون شخص.

واستجابة لهذا الوضع أطلق «وقف ثريد» الخيري الأردني الذي يُسهم بمكافحة الجوع ونقص التغذية حملته الثالثة تحت عنوان «غزة لنا فيها إخوة» بهدف توفير مليوني وجبة غذائية، وهذه الحملة هي الثالثة من نوعها هذا العام ليرتفع عدد الوجبات الغذائية المقدمة إلى نحو 4.5 مليون وجبة.

إطعام غزة.. حاجات تفوق المساعدات

وقال رئيس مجلس التولية في الوقف والرئيس التنفيذي للمجموعة المتكاملة للتكنولوجيا، وليد تحبسم لـCNN الاقتصادية «إن الحاجات لا تزال أكبر بكثير مما نقدمه، كون مليوني وجبة تكفي -وفقاً لعدد سكان غزة- لإطعام شخص واحد ووجبة واحدة يومياً، فمهما نقم به نشعر دائماً بالتقصير».

لذلك قام الوقف منذ بداية العام بالترويج لحملات متعاقبة بهدف إطعام أهل غزة وكشف أن حملة غزة 1 ارتفع عدد وجباتها من 1000 وجبة في اليوم إلى 1000 وجبة يومياً لمدة 100 يوم، أما غزة 2 تحت مسمى «فطوركم علينا» فأطلقت خلال شهر رمضان الماضي ووفرت مليوناً ونصف المليون وجبة خلال شهر.

وكشف تحبسم أن الحملة الثالثة «غزة لنا فيها إخوة» استطاعت خلال ثلاثة أيام تجميع نحو 125 ألف دينار متفائلاً بأن الحملة ستعود بثمارها، كونها ليست فقط مجرد مساعدة بل واجب أخلاقي وإنساني أمام ما يعانيه الناس من ظروف معيشية صعبة في قطاع غزة.

ويمثل وقف ثريد مثالاً حقيقياً على كيفية تحقيق العمل الخيري تأثيراً إيجابياً واسعاً ومستداماً، وذلك من خلال تقديم الدعم الغذائي بطرق تحترم كرامة الإنسان، وتعزز روح التكاتف الاجتماعي بهدف تحسين حياة الأفراد والمجتمعات.

تمويل خيري مستدام

كانت فكرة الوقف تشاركية بين المساهمين المؤسسين الذين أجمعوا على أن هدف إطعام الناس هو الوسيلة الأولى لمحاربة الجوع ومكافحة نقص التغذية.

فمن موقعه الكائن في قلب عمان يوفر الوقف نحو 1000 وجبة غذاء يومية للأكثر حاجة دون مقابل، وكشف تحبسم ـCNN الاقتصادية عن خطط للوقف لافتتاح مركزين جديدين والتوسع خارج حدود الأردن، وحيثما تدعو الحاجة للعمل الخيري.

ويُعتبر وقف ثريد مبادرة إنسانية مبتكرة تهدف إلى تقديم الدعم الغذائي للمحتاجين بطرق مستدامة، إذ يختلف عن غيره من المبادرات الخيرية التقليدية باعتماده على هيكل تمويلي متين يشمل مساهمات من الأفراد والشركات على حد سواء.

وقال تحبسم إنه دون القطاع الخاص لم يكن بإمكاننا تجميع هذه المبالغ من الأموال حيث يشارك العديد من الشركات -نحو 30 شركة- في تقديم التمويل أو المساهمة المستمرة في توفير موارد ثابتة تضمن استمرارية هذه الجهود الخيرية.

وتتنوع المساهمات المالية لصندوق الوقف بين أسهم خاصة (500 ألف دينار أردني) والسهم الأول والثاني والثالث (من 100 إلى 25 ألف دينار أردني).

وأوضح تحبسم أن الوقف لا يعتمد فقط على التبرعات الفردية، بل يحقق عوائد مالية من استثماراته الخاصة بضمان البنوك الإسلامية حيث كانت نسبة العوائد منها 6.5 في المئة في السنة الأولى.

وأضاف أن هناك لجنة خاصة في الوقف تتطلع دائماً إلى توسيع استثماراتها لضمان رأس المال وتحقيق الحد الأدنى من العائد لتغطية التكاليف المطلوبة فيما يبقى المال الموقوف «موقوفاً ولا يمس بتاتاً»، ويساعد ذلك برأيه على التوسع وتحقيق الإمداد والنمو المستدام مع مرور الوقت.

وتقوم غالبية مصادر تمويل الوجبات الغذائية اليومية من عائدات هذه الاستثمارات بنسبة 75 في المئة فيما تأتي الـ25 في المئة من التبرعات الفردية.

ابتكار في الغذاء

وبهدف تحقيق الإفادة القصوى قال تحبسم إن الوقف يبتعد عن المواد الغذائية الأولية ويركز على تقديم الوجبات الجاهزة والكاملة من حيث عدد السعرات الحرارية خاصة إذا ما كان المستفيدون مقيمين في منطقة نزاع أو حرب.

واستطاعت منهجية الوقف التي تعتمد على الشفافية والحوكمة والشراكات الاستراتيجية من تقليص تكلفة الوجبة من خمسة دنانير إلى 1.75 دينار، وقال إن «التكاليف المحسوبة في سعر الوجبة هي تكاليف الوجبة نفسها وكل ما يدور في فلك وقف ثريد هو من تبرع المحسنين، بدءاً من المبنى بقرب الجامع الحسيني وانتهاء بالموظفين الموجودين الذين يتبرعون بأوقاتهم باستثناء وظيفتين أو ثلاثة يتقاضون أجراً»

ولفت إلى أن أعمال الوقف تقوم على العمل التطوعي وتحت إشراف الشيف الملكي الأردني، لضمان أعلى معايير الطهي والنظافة في الوجبات «لأن الإنسان هو قيمة لدينا ونريده أن يشعر هو أيضاً بذلك» على حد قوله.