استحقاقان بارزان ينتظرهما قطاع صناعة الأدوية الحيوية واللقاحات في أميركا بداية العام المقبل؛ يتمثل الأول بموافقة الكونغرس على ترشيح روبيرت كيندي جونيور لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية، ويتجلى الاستحقاق الثاني في استكمال مسار قانون الأمن البيولوجي الأميركي المتوقع دخوله حيز التنفيذ في عام 2032.
وأقرَّ الكونغرس في سبتمبر الماضي قانون الأمن البيولوجي (بأغلبية تصويت بلغت 306 مقابل 81 صوتاً) بهدف حماية قدرات التكنولوجيا الحيوية الأميركية وضمان حماية المعلومات الحساسة من خلال منع الوكالات الفيدرالية من التعاقد مع شركات التكنولوجيا الحيوية المرتبطة بدول «معادية».
ويهدف القانون إلى تقليل الاعتماد على شركات التكنولوجيا الحيوية الأجنبية المرتبطة بدول معادية وتعزيز الأمن القومي من خلال حماية البيانات البيولوجية الحساسة وتوفير فترة انتقالية للشركات الأميركية لإعادة هيكلة علاقاتها مع الشركات الصينية، وكان من المنتظر تصديق هذا القانون وتوحيد نُسَخِه من قِبَل مجلسِ الشيوخِ الأميركيِّ أواخر هذا العام، إنما تشير التقارير إلى إمكانية تمرير القانون عبر إلحاقه بتشريعات أوسع مثل قانون تفويض الدفاع الوطني NDAA.
مخاوف الصناعة
أثار ترشيح كيندي المعروف بشكوكه بسلامة اللقاحات مخاوف من تغيرات محتملة في سياسات تطوير وتوزيع اللقاحات، حيث أعرب في تصريحات سابقة له عن رغبته في إعادة هيكلة وكالة الغذاء والدواء FDA، الأمر الذي خلق نوعاً من عدم اليقين حول العمليات التنظيمية المستقبلية وتأثيرها على موافقات الدواء وسلامة اللقاحات ما أدى إلى تقلبات في أسعار أسهم كبريات شركات الأدوية مثل فايزر ومودرنا ونوفافاكس.
وقال سريني فارما، رئيس منطقة الأميركتين نيو هورايزن فارما، إن التأثيرات على أسهم الشركات هو مؤقت وجاء نتيجة تفاعل الشركات مع الترقب لما ستؤول إليه السياسات التنظيمية لقطاع الرعاية الصحية في أميركا التي تقود اليوم سوقَ الأدويةِ واللقاحاتِ العالمية.
لافتاً إلى أن الإنفاق على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة تجاوز 4.5 تريليون دولار بحلول عام 2023 وأن إيرادات شركات الأدوية من الشركات ذات العلامات التجارية وشركات الأدوية الحيوية العامة والمجمعة تتراوح بين 615 مليار دولار و700 مليار دولار.
وكانت تقارير إنفاق الرعاية الصحية في الولايات المتحدة قد أشارت إلى وصول نفقات الرعاية الصحية إلى 19.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2032.
ونفى سريني أن يكون هناك تأثير عميق لسياسات كيندي المرتقبة على سوق اللقاحات كون الإنفاق وصل لذروته خلال جائحة كورونا وأن اللقاحات هي من الأساسيات لاستمرار البشرية، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في قانون الأمن البيولوجي لتأثيره العميق على التمويل وسلاسل الإمداد.
القوانين الحمائية
تعتمد السوق الأميركية في تطوير الأدوية وإنتاج المكونات الصيدلانية الفعالة API’s والتطوير البحثي على شراكاتها مع الصين والهند التي تستحوذ على 80 في المئة من امدادات السوق الأميركية، ولكن مؤخراً شهدت بيئة الاستثمارات المغامِرة الأميركية تراجعاً في التمويل، وفق بيانات بيتش بوك Pitch Book، من 6.5 مليار دولار لقطاع التكنولوجيا الحيوية في الصين عام 2021 إلى 102 مليون دولار عام 2022.
رغم هذا الانخفاض في الاستثمار المباشر وصلت قيمة الصفقات المعقودة بين الشركات الغربية، من ضمنها الأميركية مع الصين، إلى 44.1 مليار دولار في عام 2023 وفق ما نقلته فايننشال تايمز وذلك بهدف تعزيز خطوط الإنتاج.
كما قدرت صناعة تطوير وتصنيع العقود في الهند بنحو 15.6 مليار دولار لعام 2023 مع توقعات بنمو سنوي يناهز 11 في المئة خلال خمس سنوات تبدأ من 2023، بحسب مانيز يو أس نيوز، الأمر الذي يدل على اهتمام متزايد من قبل الشركات الأميركية للبحث عن بدائل للمصنعين الصينيين.
وقال سريني الذي أبدى قلقاً من تأثيرات تلك القوانين على المناخ التمويلي والقدرة على توفير وتوزيع الدواء عالمياً إلى جانب التأثيرات على التكنولوجيات الحيوية الناشئة وانعكاسات ذلك على عمليات البحث والتطوير.
وقال إن هذه الإجراءات الحمائية أعطت أفضلية لدول أخرى صديقة مثل الهند لدعم قطاع الدواء الأميركي حيث «تعتبر شركاتنا اليوم المزود الأول للأدوية التي تصرف من دون وصفة طبية Over the counter وهذه بدائل خلقناها بأنفسنا في (منطقة الصراع) مع الصين التي تعرضت منتجاتها إلى سياسات الإغلاق».
وأضاف «إن الهند توفر حلولاً مهمة لجهة تقليص التكاليف وسرعة إنتاج الدواء وتوزيعه في السوق، فالتصنيع داخل السوق الأميركية سيتعرض لتكلفة العمالة وتكاليف البحث والتطوير وتكاليف إيصاله إلى السوق».
وتشير تقارير نشرتها وول ستريت جورنال ومجلة كيمياء وهندسة C&EN وتحليل سلسلة الإمداد لتكنولوجيا الأدوية إلى انعكاسات مقلقة في حال تطبيق القانون عام 2032، يتمثل أبرزها في انكماش الاستثمار العالمي بنحو 8 مليارات دولار وزيادة تكاليف تصنيع الأدويةِ بنسبة تتراوح بين 15 و20% مع معدل تأخير في تطوير الأدويةِ بنسبة 30% وانخفاض توفر اللقاحات عالمياً بنسبة 20%.