انخفض معدل الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 12 في المئة في عام 2022، ليصل إلى 1.3 تريليون دولار، بعد انتعاش قوي في عام 2021 في أعقاب الانخفاض الحاد الناجم عن جائحة كورونا في عام 2020، وفقاً لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 الصادر يوم الأربعاء من برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد».
انخفاض تدفقات الاستثمار العالمية بسبب الأزمات العالمية المتداخلة
ويعكس تراجع عام 2022 في الاقتصادات المتقدمة عدم اليقين في الأسواق المالية وإنهاء حزم التحفيز، ولكن الطبيعة المتقلبة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الأسواق المتقدمة استمرت في التأثير على القيم الإجمالية.
وشكلت البلدان النامية أكثر من ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في 2022، ارتفاعاً من 60 في المئة في عام 2021.
ولكنَّ آثار الأزمات المتداخلة، خاصة في الغذاء والطاقة، والضيق المالي والديون وحرب أوكرانيا، ضربت تدفقات الاستثمار إلى أفقر البلدان بشكل غير متناسب.. وانخفضت التدفقات إلى أقل البلدان نمواً بنسبة 16 في المئة؛ فهي لا تزال تمثل 2 في المئة فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي.
وكان أعلى نمو في جنوب آسيا، إذ بلغ في الهند أكثر من الضعف، كما زاد عدد المشاريع المعلنة بمقدار الثلثين في غرب آسيا، ويرجع ذلك إلى الارتفاع الكبير في النشاط الاستثماري في الإمارات، ما جعلها رابع أكبر متلقٍ لمشاريع الحقول الخضراء في العالم، وفقاً للتقرير.
وفي ضوء التقرير، أجرت «CNN الاقتصادية» مقابلة مع ثاني الزيودي وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، الذي قال إن «البنية الاقتصادية المتكاملة والسياسات التي تتبعها الإمارات في ظل العوامل الجيوسياسية ساعدت الإمارات على استقطاب الاستثمارات المباشرة».
وأضاف الزيودي أن «الاستثمارات السابقة كانت تتوجه فقط في الأسواق التي تستقطب الأموال، والتي ما زالت مجدية، ولكن اليوم الدول النامية تشهد نمواً، والإمارات تعزز استثماراتها في هذه البلدان أيضاً».
ويُعزى الانخفاض في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في معظمه إلى المعاملات المالية للشركات متعددة الجنسيات في الاقتصادات المتقدمة، إذ انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 37 في المئة إلى 378 مليار دولار.
ويتوقع «الأونكتاد» أن يستمر الضغط على الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في عام 2023.
وفي هذا الإطار، قال رئيس أبحاث الاستثمار في شعبة الاستثمار والمشاريع في «الأونكتاد» ريتشارد بولوين في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن من المرجح أن يؤثر الانقسام الجيوسياسي على تدفقات الاستثمار العالمية وسيتيح ذلك فرصاً لبعض البلدان لجذب استثمارات جديدة ودخول سلاسل الإمداد العالمية والمشاركة في إطارات مختلفة من سلسلة التوريد.
وأضاف بولوين أن هناك بلداناً ستشهد تراجعاً في معدلات الاستثمار وفي قطاع التجارة.
وذكر أنه حتى الآن نشهد تحولاً في الإنتاج داخل شبكات الإنتاج الدولية الحالية، والأمر يتعلق بتحويل تدفقات الاستثمار أكثر من كونه يتعلق بسحب الاستثمارات نفسها، كما أكّد بولوين أن التحول يحدث نحو دول جنوب شرق آسيا التي كانت مركزاً للنمو للاستثمار الدولي بالفعل لبعض الوقت وخصوصاً في التصنيع، وقد يستمر الأمر كذلك.
فجوة استثمارات الطاقة المتجددة
قدر «الأونكتاد» احتياجات مشروعات الطاقة المتجددة في البلدان النامية إلى استثمارات بنحو 1.7 تريليون دولار سنوياً.
وشددت الأمم المتحدة على أن البلدان النامية تواجه فجوة استثمارية تبلغ 2.2 تريليون دولار سنوياً لانتقال الطاقة، من أصل فجوة تمويل سنوية تبلغ 4 تريليونات دولار لأهداف التنمية المستدامة.
جذبت البلدان النامية استثمارات أجنبية مباشرة في الطاقة النظيفة بقيمة 544 مليار دولار فقط في عام 2022، وفقاً للتقرير، لكن مجموع احتياجات التمويل اللازمة لتحول الطاقة في البلدان النامية أكبر بكثير، ويشمل الاستثمار في شبكات الكهرباء، وخطوط النقل، والتخزين، وكفاءة الطاقة.
ولهذا، دعا المؤتمر إلى تقديم دعم عاجل للبلدان النامية لتمكينها من جذب المزيد من الاستثمارات لانتقالها إلى الطاقة النظيفة.
قالت الأمينة العامة لـ«لأونكتاد» ريبيكا غرينسبان «إن الزيادة الكبيرة في الاستثمار في أنظمة الطاقة المستدامة في البلدان النامية أمر بالغ الأهمية للعالم لتحقيق الأهداف المناخية بحلول عام 2030».
«منذ عام 2015 واعتماد اتفاق باريس شهدنا نمواً استثمارات في الطاقة المتجددة يقدر بثلاثة أضعاف في جميع أنحاء العالم ولكن في الواقع ذهب الكثير منها إلى البلدان الأكثر ثراءً في الأسواق النامية» عَقّب بولوبن في مقابلته مع CNN الاقتصادية.
فجوة استثمارية سنوية بقيمة 4 تريليونات دولار للأهداف العالمية
زادت فجوة الاستثمار في جميع قطاعات أهداف التنمية المستدامة إلى أكثر من 4 تريليونات دولار سنوياً من 2.5 تريليون دولار في عام 2015، وفقاً للتقرير.
وتوجد أكبر الفجوات في البنية التحتية للطاقة والمياه والنقل.. وتعزى الزيادة إلى نقص الاستثمار والاحتياجات الإضافية على حد سواء.
وتتناقض فجوة الاستثمار المتنامية في أهداف التنمية المستدامة في البلدان النامية مع اتجاهات الاستدامة الإيجابية في أسواق رأس المال العالمية.. إذ بلغت قيمة سوق التمويل المستدام 5.8 تريليون دولار في عام 2022.
تباطؤ نمو الاستثمار في الطاقة المتجددة
يظهر التقرير أن نمو الاستثمار في الطاقة المتجددة تباطأ في عام 2022، إذ انخفضت صفقات تمويل المشروعات الدولية.
وعلى الرغم من أن إجمالي الاستثمار العالمي في مصادر الطاقة المتجددة تضاعف ثلاث مرات تقريباً منذ عام 2015، فإن معدل النمو في البلدان النامية لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي إلا بشكل هامشي.
ويجد التقرير أن شركات الطاقة من بين أكبر مئة شركة متعددة الجنسيات تقوم بتصفية أصول الوقود الأحفوري بمعدل نحو 15 مليار دولار سنوياً.
لكن مصدر القلق الرئيسي هو أن المشترين من القطاع الخاص «غير المدرجين»، الذين يشملون في الغالب صناديق الأسهم الخاصة، غالباً ما تكون لديهم أهداف أقل أو معدومة لخفض الانبعاثات ومعايير أضعف للإبلاغ عن المناخ.
وهذا يستدعي نموذجاً جديداً لعقد الصفقات المتوافقة مع المناخ، بحسب التقرير.
وختم بولوين بالقول إن العالم يشهد نمواً بالكاد يزيد على نمو الناتج المحلي الإجمالي، لذلك لا تزال هناك حاجة إلى جهد كبير لتوجيه الاستثمار الدولي نحو الطاقة المتجددة ونحو قطاعات تحول الطاقة في العالم النامي في دول جنوب العالم.