أطاحت الحرب الأخيرة في غزة وعنصر المفاجأة فيها بجهود إسرائيل الحثيثة على مدار عقود لطمأنة المجتمع الدولي وكبار المستثمرين لمقومات الاستقرار الحيوية لأي مشاريع ضخمة متعددة الجنسيات وخصوصاً الغاز الطبيعي.
وتسعى إسرائيل منذ بداية وجودها وخصوصا بعد عام 1967، وفق الخبراء، لتكون قوة إقليمية اقتصادية ومركزاً إقليمياً لإنتاج وتصدير الطاقة على أنواعها..
واكتسبت هذه الجهود زخماً في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا والأزمة التي يواجهها العالم وأوروبا على وجه الخصوص لتأمين الغاز اللازم لقطاعاتها الصناعية والإنتاجية فضلاً عن محطات توليد الكهرباء والطاقة.
وقال الخبير الاقتصادي جلال قناص في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إنه حال وقوع أي حرب أو اشتباكات في أي مكان في العالم وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط يعتبر المستثمرون أن هناك نوعاً من «المخاطرة العالية الجيوسياسية وهذا ينعكس على قراراتهم إذ إن أهم عامل للمستثمر هو الاستقرار».
وأشار قناص إلى أن عدم الاستقرار في قطاع غزة على وجه الخصوص يضع إسرائيل في موقع صعب وفي حالة دائمة من انعدام الأمان، ما يرفع نسبة المخاطر ويؤدي لهروب المستثمرين بشكل عام أو عدم قدومهم للمنطقة بالإضافة إلى عدم وجود علاقة نوعاً ما طبيعية مع دول الجوار ما يؤخر ما تحاول إسرائيل أن تحققه من تقدم على الصعيد الاقتصادي.
سباق تطوير الغاز الطبيعي في شرق المتوسط
بعد حرب روسيا على أوكرانيا، بدأت العديد من دول شرق البحر الأبيض المتوسط استغلال مواردها الطبيعية بعد أن حققت اكتشافات كبيرة في السنوات الأخيرة، في محاولة لتحل محل روسيا كمورد الغاز الرئيسي لأوروبا.
وكانت إسرائيل في طليعة الدول التي تبنت هذا التطور.
وتشير التقديرات إلى أن حقلي ليفياثان وتمار الإسرائيليين يحتويان على أكثر من 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وبدأت البلاد بالفعل في تصدير الغاز إلى مصر والأردن المجاورتين كما تخطط لبناء خط أنابيب جديد إلى أوروبا.
لكن يعرض الصراع المستمر بين إسرائيل وغزة استثمارات الطاقة للخطر، وفقاً لما قاله محلل الطاقة نيل أتكينسون في حديث لـ«CNN الاقتصادية»، وبالتالي يطيح بأي محاولات لتحقيق تقدم في مجال تحقيق السلام الاقتصادي.
وأضاف «المشكلة في الأساس هي أنه سيكون هناك افتراض لنوع من السلام ونوع من الأمن للسماح بإجراء الاستثمارات التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إنشاء شبكة الغاز الإقليمية التي نتحدث عنها».
كما أدت الاشتباكات إلى خنق قدرة السلطة الفلسطينية على جذب الاستثمارات لتطوير حقل الغاز الفلسطيني «غزة مارين» والذي يقدر بأنه يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى انعدام القدرة المادية للأطراف المعنية، مثل مصر، على القيام بذلك.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق أسامة كمال في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن إسرائيل تقوم بتوقيف الأشغال في منطقة حقل غزة للغاز ما يعرقل قرار السلطة الفلسطينية ببدء العمل فيها كمشروعات بما في ذلك عمليات البحث والاستكشاف، «فبالتالي كل تأخر ليس في صالح الاقتصاد الفلسطيني».
ووصف كمال هذا الأمر كـ«شيء من العقوبات الانتقامية التي تطبقها السلطة الإسرائيلية على الفلسطينيين مع حدوث اشتباكات».
وقف التطوير
ويعتبر تطوير موارد الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط أحد أهم العوامل في إحداث تحول في مشهد الطاقة والاقتصاد في المنطقة إذ يحسن أمن الطاقة في هذه البلدان ويخفض تكاليفها من خلال تقليل اعتمادها على الطاقة المستوردة.
وكان من المفترض أن يبدأ التحالف المصري -المؤلف من الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» وبعض شركات القطاع الخاص- في عمليات تطوير حقل «غزة مارين» بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية، لتبدأ أكتوبر تشرين الأول الحالي بدلاً من الربع الأول من العام القادم، وفق ما قال مصدر مطلع لـ«CNN الاقتصادية».
ويمتلك التحالف المصري حق تشغيل وإدارة حقل «غزة مارين» بنسبة 45 في المئة، بواقع 4.5 في المئة لشركة «إيجاس» و40.5 في المئة لبقية شركات التحالف.
اكتُشف حقل «غزة مارين» للغاز في أواخر عام 1999، وأظهرت البيانات الأولية أنه يحتوي على أكثر من 1.1 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ومنحت السلطة الفلسطينية حينها حق عمليات التنقيب لتحالف مكون من شركة «بي جي» البريطانية، التي استحوذت عليها لاحقاً شركة «شل»، وصندوق الاستثمار الفلسطيني، وشركة اتحاد المقاولين بعقد مدته 25 عاماً
وفي 2015، استحوذت «شل» على «بي جي» البريطانية، لتحوز بالتبعية حق تطوير الحقل، لكنها تركت المشروع لاحقاً مع اكتشافها صعوبة الاستفادة من تطويره.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت في يونيو حزيران الماضي موافقتها المبدئية على تطوير حقل «غزة مارين» الواقع قبالة قطاع غزة، لكنها قالت إن الأمر سيتطلب تنسيقاً أمنياً مع السلطة الفلسطينية والحكومة المصرية.
وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن التقدم في ملف الحقل سيتوقف على «تحقيق المتطلبات الأمنية والدبلوماسية لدولة إسرائيل».