الصراعات في منطقة الشرق الأوسط قد تبدأ فيه، مثل الصراع الحالي في إسرائيل وقطاع غزة، لكن الترددات الأمنية والاقتصادية -خصوصاً على سلاسل التوريد والطاقة والنفط- غالباً ما تتسلل عبر الحدود، وهذه المرة سيصل مداها لقاعات نقاشات توليد الطاقة النظيفة في مؤتمر دول الأطراف للتغير المناخي (كوب 28) في دبي الشهر المقبل.

هذه التردّدات تهدّد بضرب قطاعات حيوية وتدفع العالم للتفكير بطرق جديدة لمقاربة الصراعات للحد من خسائرها في حال تطورها أو طول أمدها.

ومع اقتراب الحرب من أسبوعها الثالث، حذر الخبراء من تأثر العرض وأسعار منتجات الطاقة المختلفة بانعدام الاستقرار والاضطرابات.

وينتج الشرق الأوسط وحده ثلث صادرات النفط على مستوى العالم، وبالتالي فإن أي تصعيد للحرب سيؤثر على ممرات عالمية استراتيجية كمضيق هرمز، وبالتالي يعرقل الإمدادات، ويدفع أسعار طاقة لتكون أعلى وأكثر تقلباً.

مسار تدفق النفط المعرض للخطر

النفط والغاز سلع مهدّدة؟

وفي هذا السياق حذّرت منظمة الطاقة الدولية من أن النزاع في قطاع غزة -الذي يهدد بالتمدد ويزداد خطورة بمرور كل يوم- سيسرع في الغالب مسيرة انتقال العالم إلى مصادر الطاقة النظيفة.

وقال فاتح بيرول المدير التنفيذي للوكالة في حديث لموقع ( نيكي آسيا) إنّه «في خلال وقت قصير جداً صادفنا أحداثاً جيوسياسية كان لها تأثير على توفر النفط والغاز الطبيعي وأسعارهما».

«عندما ننظر إلى عالم الطاقة اليوم والغد سيكون من الصعب للغاية التصديق أن النفط والغاز يمثلان -كمصدرين للطاقة- خيارين آمنين ومؤمّنين للمستهلكين في جميع أنحاء العالم».

وشدّد بيرول على أن مشهد الطاقة في العالم سيكون مختلفاً للغاية بعد سبع سنوات من الآن مع دور مطور لتقنيات الطاقة النظيفة.

وقال: «إذا اختبر العالم من جديد وبشكل مباشر كيف أن مصادر النفط هشّة ومعرضة لعدم الأمان أعتقد أن هذا الأمر سيسرع تنبيه الحكومات والمستهلكين إلى خيارات الطاقة النظيفة».

وكانت العقود الآجلة للنفط مستقرة عند 84.07 دولاراً لخام برنت و82.30 دولاراً لخام غرب تكساس الوسيط وقبل بدء الاشتباكات بين إسرائيل وحماس. لكن ارتفعت الأسعار إلى 90.13 دولار لخام برنت و85.39 دولار لخام غرب تكساس الوسيط بعد بدءها.

مؤشرات النفط الرئيسية خلال حرب غزة

أزمة النفط بالسبعينيات هل تتكرر؟

أجبرت أزمة النفط في السبعينيات، إثر قطع إمدادات البترول جراء حرب 1973 وفي أعقاب الثورة الإيرانية، الحكومات في العالم على التوجه نحو بناء المفاعلات النووية واختراع سيارات ومركبات وآلات أكثر توفيراً للطاقة.

وقال كبير مستشاري وزير النفط السعودي سابقاً، د. محمد سرور الصبان في تصريحات لمنصة «CNN الاقتصادية» إنّه في حال توسع الحرب مع غزة وإدراج الدول الإقليمية مثل إيران فيها فهذا سيؤثر بشكل مباشر في أمن الطاقة.

«إذا وصل الاشتعال والحرب إلى كامل المنطقة في الشرق الأوسط بما فيها الدول المنتجة والمصدرة للنفط سيؤثر هذا على أمن الطاقة خصوصاً إذا وجدت بعض الدول أنها في وضع صعب ووضع يمكنها من استخدام النفط كسلاح في هذه الحرب وليس لديها بديل آخر فهي ستقوم بذلك، على الغرب أن يعوا هذه المشكلة وأن حرباً إقليمية ليست في صالح أحد على الإطلاق».

وأكّد الخبير النفطي المستقل نيل أتكنسون بدوره في حديث لـ«CNN الاقتصادية« أنّ «المسألة تتعلق بالكامل ما إذا كانت إيران ستتورط بشكل مباشر وواضح».

وأضاف أتكنسون، المدير السابق لوحدة النفط والأسواق في وكالة الطاقة الدولية، «أعتقد أن هذا الأمر (مشاركة إيران) سيحدد ما إذا كانت هذه الأزمة ستتصاعد إلى الحد الذي يؤثر بشكل ملموس على سوق النفط العالمي»، موضحاً أنّ هذه الفرضية فقط قد تؤدي إلى صعوبات في الحفاظ على صادرات النفط من منطقة الخليج في الشرق الأوسط.

وأشار إلى أنه على المدى القصير حتى الآن لم يسبب الصراع أي أثر يُذكر على أسواق النفط العالمية، خصوصاً في مجال تراجع العرض.

وقال الخبراء في ندوة دولية أقيمت في ذكرى الأزمة، وفق د. شهاب الدين، إن مثل هذه الخطوات ربما تحقق نجاحاً على مستوى الرأي العام وكسب تعاطفه وتأييده لكنها لم تنجح على المستوى الاقتصادي إلا في حال شارك في الإجراء عدد كبير من الدول وخفّضت بالفعل من كميات النفط في السوق.

هل انتقال الطاقة سهل؟

يرى د. الصبان أنه حتى في حال قررت الدول الصناعية تسريع مسيرة الانتقال للطاقة النظيفة فهذا الأمر لن يكون بالسرعة واليسر المنشودين، فهذه العملية تتطلب عقوداً طويلة مهما كانت الحاجة إليها ملحّة.

أمن الطاقة سيزداد أولوية، وفق النقاشات التي بدأت تتردد في التجمعات والندوات العلمية والفكرية الغربية.

وقال د. عدنان شهاب الدين، زميل باحث أول زائر في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن ما يحصل في حرب غزة هو زلزال على كل المستويات سيكون أثره المباشر كما شهدنا على مدى الأيام السابقة عدم استقرار في الأسواق وفي الأسعار.

كما سيزيد من مخاطر تأمين الطاقة، خصوصاً للدول المستوردة من منطقة الخليج والشرق الأوسط وسيتحوط أكثر مستوردي الطاقة لتأمين هذه الموارد وتأمين بدائل عنها؛ لأن الزلزال لن يهدأ بسرعة وستكون له توابع.

الترددات تصل إلى «كوب 28»

أما على المستوى المتوسط والبعيد، سيكون تأثير الحرب قوياً وسيمنح عملية تحول الطاقة زخماً ومسوغات جديدة.

وقال شهاب الدين إن «النزاع سيدفع لمزيد من التسارع في مجال تحول الطاقة بعيداً عن النفط الذي يدعو له الجميع، خصوصاً وكالة الطاقة الدولية، وسيعدّل من إعادة الطاقة النووية واستخداماتها السلمية في الدول الغربية ودول العالم النامي».

وأشار إلى أن أثر مثل هذا النوع من الأزمات الكبرى سيكون مدار بحث ساخن ومادة للنقاشات بين المعسكرين الرئيسيين في مؤتمر المناخ في دبي الشهر المقبل.

وقال شهاب الدين إن «هناك المعسكر الأخضر، لو صحّت التسمية، سيكون الدول التي تدعو إلى الاستغناء بالكامل عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة البديلة والنظيفة، في حين أن المعسكر الثاني سيكون الدول التي تنادي وتدعم الحفاظ على أمن الطاقة العالمي عبر الاستمرار في إنتاج واستخدام الوقود الأحفوري مع التخفيف من الانبعاثات الناتجة عنه».

ومع توقعات الخبراء استمرار التبعات لما بعد كوب 28، خلص أتكنسون إلى «أن أسواق الطاقة عالمية والمشكلات في جزء من العالم ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار للجميع».

وختم بالقول «علينا أن نأمل في احتواء الصراع».