تسيطر على سوق النفط حالة من عدم اليقين والضبابية بشأن مستقبل الأسعار في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة، خاصة مع تصاعد الصراع بين إسرائيل وغزة الذي يتزامن مع اقتراب فصل الشتاء.
وقال رئيس أبحاث أسواق النفط والطاقة والتنقل لدى (إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس)، جيم بوركهارد، إن «بيئة سوق النفط مختلفة تماماً اليوم مقارنة بالسبعينيات عندما كانت هناك حرب أخرى شملت إسرائيل وسوريا وكان لها تأثير كبير على سوق النفط»، موضحاً أن إسرائيل تستهلك كمية متواضعة جداً من النفط، بينما لا توجد دولة غير إيران تدعو إلى فرض حظر نفطي على إسرائيل أو غيرها.
ومع ذلك أضاف بوركهارد، أنه على الرغم من أن الحرب بين إسرائيل وحماس لم تؤثر على أساسيات سوق النفط بعد، فإنها أثارت حالة من عدم اليقين واحتمالية انقطاع الإمدادات، لذا فإن حالة القلق والخوف مما يمكن أن يحدث، أكبر الآن مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
وتنقسم التوقعات بين نظرة هبوطية للأسعار تعتمد على هدوء التوترات الجيوسياسية؛ وبالتالي استقرار وانخفاض أسعار النفط، بينما لا تزال هناك بعض السيناريوهات الأكثر تشاؤماً التي تشير إلى احتمالية ارتفاع الأسعار لمستويات قياسية.
توقعات البنك الدولي لأسعار النفط
قدم أحدث تقرير لآفاق أسواق السلع الأساسية الصادر عن البنك الدولي، تقييماً أولياً للآثار المحتملة للصراع الجيوسياسي الراهن على أسواق السلع الأساسية على المدى القريب، ويرى أن التأثيرات يجب أن تكون محدودة إذا لم يتسع الصراع.
وبموجب توقعات البنك الأساسية، من المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولاراً للبرميل في الربع الحالي قبل أن ينخفض إلى متوسط 81 دولاراً للبرميل العام المقبل مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أنه في حالة اتساع الصراع، فإن توقعات أسعار النفط تمر بثلاثة سيناريوهات رئيسية اعتماداً على الأحداث الجارية ومدى تصاعد الصراعات الجيوسياسية.
ويتضمن السيناريو الأول احتمالية حدوث اضطراب بسيط، يسفر عنه انخفاض إمدادات النفط بما يتراوح بين 500 ألف إلى مليوني برميل يومياً، ومن ثم ارتفاع أسعار النفط بين 93 و102 دولار للبرميل.
أما السيناريو الثاني، فيُشير إلى احتمالية حدوث اضطراب متوسط، يؤدي بدوره إلى تراجع إمدادات النفط بما يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين برميل يومياً، ومن ثم ارتفاع أسعار النفط بين 109 و121 دولاراً للبرميل.
وفيما يخص السيناريو الثالث، والأكثر تشاؤماً، فهذا يشير إلى تداعيات الاضطرابات الكبيرة، والتي من شأنها الهبوط بإمدادات النفط بما يتراوح بين 6 إلى 8 ملايين برميل يومياً، مع ارتفاع أسعار النفط بين 140 و157 دولاراً للبرميل.
انخفاض الطلب العالمي على النفط يلوح في الأفق
ولفت بوركهارد إلى أنه باستثناء الحرب في الشرق الأوسط، فهناك الكثير من النفط المعروض مقارنة بالطلب، قائلاً «لا يوجد نقص في القدرة الإنتاجية للنفط، وينمو الإنتاج خارج منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وبالتحديد في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيانا».
فضلاً عن ذلك، تقترب الأسواق من انخفاض موسمي في الطلب العالمي، إذ إنه عادةً يشهد العالم تباطؤاً في الطلب على النفط في بداية كل عام، بحسب بوركهارد.
وأوضح بوركهارد أن ذلك يرجع إلى انخفاض استهلاك النفط العالمي في الربع الأول من العام مع تراجع معدل التنقل إلى حد كبير في نصف الكرة الشمالي، مرجحاً احتمالية أن يكون هناك فائض عالمي في النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة، في حالة عدم توسع الحرب في غزة.
وقال بوركهارد «إذا لم تتوسع الحرب لتشمل تدفقات النفط الإيراني، إذاً من المرجح أن تظل أسعار خام برنت، وهي مقياس النفط العالمي، أقل من 90 دولاراً، ومع دخول عام 2024 يمكن أن نصل إلى مستويات أدنى لبعض الوقت عند مستويات الـ80 دولاراً».
وذكر بوركهارد «لكن مرة أخرى، الافتراض الرئيسي أن تظل الحرب محصورة بين إسرائيل وحماس، لا تمتد إلى حيث تتأثر تدفقات النفط الإيراني أو تدفقات النفط الأخرى من الشرق الأوسط».