لأول مرة في تاريخ مؤتمرات المناخ، اختتمت قمة كوب 28 فعالياتها يوم الأربعاء باتفاق تاريخي يدعو الدول للتخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري لتجنب السيناريو الأسوأ لتداعيات تغير المناخ، وهو الاتفاق الذي لاقى ترحيباً عالمياً واسع النطاق.

ووصف رئيس المؤتمر، سلطان الجابر، هذه النتيجة بالاتفاق التاريخي، لكنه أشار إلى أن نجاحه الحقيقي يرتبط بمدى الالتزام بتنفيذه.

وقال «نحن نتاج ما نفعله، وليس ما نقوله» مضيفاً «علينا أن نتخذ الخطوات اللازمة لتحويل هذا الاتفاق إلى إجراءات ملموسة».

تنحية المصالح الفردية وتغليب الصالح العام

وتعليقاً على الاتفاق، قال المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري «هذه لحظة يتلاقى فيها العمل الجماعي، وتتخلى فيها الأطراف عن مصالحها الفردية لأجل الصالح العام».

ويشجّع اتفاق الإمارات الأطراف على تقديم مساهمات وطنية محددة تشمل قطاعات الاقتصاد كافة، ويستهدف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة المعدل السنوي لتحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، والدفع نحو تأسيس هيكل جديد للتمويل المناخي.

من جهته، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن الاتفاق لم ينصَّ على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري بل على «عملية تحول».

وأضاف «يجب النظر بطريقة شاملة للنصوص الواردة في اتفاق (كوب 28)، حيث أعطى لكل دولة الحق في اختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها».

أما رئيس الوفد السعودي لمؤتمر المناخ والمتحدث باسم المجموعة العربية، البراء توفيق، فرحب بالاتفاق قائلاً إنه سيساعد العالم على الحد من ارتفاع حرارة الأرض حتى لا تتجاوز المستوى المستهدف -1.5 درجة مئوية- والمنصوص عليه في اتفاق باريس لعام 2015.

وقال «علينا أن نستغل كل فرصة لخفض الانبعاثات بغض النظر عن مصدرها».

ومارست أكثر من 100 دولة ضغوطاً هائلة من أجل إدراج صياغة قوية في اتفاق (كوب 28) تتعلق (بالتخلص التدريجي) من استخدام النفط والغاز والفحم، لكنها واجهت مقاومة قوية في المقابل من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية، الذين يرون أنه على العالم العمل على خفض الانبعاثات وليس الاستغناء عن مصادر وقود معينة.

ودعت عدة دول منتجة للنفط، مثل الإمارات المضيفة للقمة، إلى الإشارة لدور أكبر لتقنيات احتجاز الكربون في الاتفاق، على الرغم من أن تلك التقنيات لا تزال مرتفعة التكلفة ولم تثبت فاعليتها على نطاق واسع حتى الآن.

إنجاز طال انتظاره.. والخطوات التالية تحدد المصداقية

وقال نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل جور «إن القرار الذي اتخذ في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بالاعتراف أخيراً بأن الوقود الأحفوري هو السبب الرئيسي في أزمة المناخ هو إنجاز مهم، لكنه يمثل الحد الأدنى الذي نطمح إليه وطال انتظاره؛ ولا يزال تأثير الدول النفطية واضحاً في أنصاف الحلول والثغرات الواردة في الاتفاق النهائي».

ورداً عما إذا كان هذا القرار يمثل نقطة تحول حقيقية تشير لبداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، قال آل جور إن هذا «يعتمد على الإجراءات التي ستأتي بعد ذلك وتعبئة التمويل اللازم لتحقيقها».

وأضاف «علينا أن نسأل أنفسنا: كم من الوقت سينتظر العالم قبل أن تستجمع جميع الدول الإرادة السياسية للتغلب على هذه المصالح الخاصة المحدودة والتصرف لصالح مستقبل البشرية؟ والأمر متروك لنا جميعاً لمحاسبة قادتنا على وعودهم بالتحول عن الوقود الأحفوري إلى الأبد».

.

وقال وزير المناخ والطاقة الدنماركي دان يورجنسن «نحن نقف هنا في بلد نفطي، ومحاط بالدول النفطية، واتخذنا القرار بأن نبتعد عن النفط والغاز».

وأضاف «تتحمل الدول المتقدمة مسؤوليات تاريخية لا يمكن التنصل منها فيما يتعلق بتغير المناخ».

الاتفاق يبرز أهمية التعددية ويفتقر للدعم المالي المطلوب

من جهتها، قالت رئيسة أيرلندا السابقة ماري روبنسون، رئيسة منظمة الحكماء، يجب علينا التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري بسرعة لرسم مسار نحو مستقبل صالح للعيش.

وأضافت أن الفشل في إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى أقل من 1.5 درجة مئوية له عواقب كارثية على المجتمعات والبلدان الأكثر ضعفاً.

وأشارت إلى أن التقدم المحرز في مجال الخسائر والأضرار ومضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات يظهر الدور الحيوي الذي تلعبه التعددية في معالجة أزمة المناخ، لكنها أكدت أن الاتفاق النهائي يفتقر إلى العنصر المالي المطلوب لتوفير تريليونات الدولارات اللازمة لتحقيق التحول العادل.

وحذَّرت «بدون توفير الوسائل اللازمة للتنفيذ، فإننا نحكم على تلك البلدان التي تقف على الخطوط الأمامية لحالة الطوارئ المناخية بالفشل».

.

نتيجة إيجابية بعد 31 عاماً من المناقشات

من جانبها، قالت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا «لقد عملنا بجدية كبيرة من أجل التوصل إلى هذه النتائج؛ وبعد 31 عاماً من المناقشات، وللمرة الأولى، لدينا نتيجة تؤخذ في الاعتبار، وهي مسار التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري».

جدير بالذكر أن الاتفاق النهائي الذي توصل إليه (كوب 28) يدعو إلى التحول عن استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، لتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 بما يتماشى مع الإرشادات العلمية.

كما يدعو إلى زيادة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم بثلاثة أمثال بحلول عام 2030، وتسريع الجهود المبذولة للحد من استهلاك الفحم، وتسريع استخدام التقنيات الحديثة، مثل احتجاز وتخزين الكربون، والتي من شأنها مساعدة قطاعات يصعب إزالة الكربون منها على التحول إلى قطاعات نظيفة.