تناول المشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أزمة البحر الأحمر وانعكاسها على التجارة العالمية والإمدادات وخاصة على أسعار النفط، فمع تعزيز دور البحر الأحمر وقناة السويس بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تكثر التساؤلات عن مدى تأثير الأزمة على الممر الملاحي الحيوي في منطقة الشرق الأوسط.
ويقول وزير الاقتصاد الإماراتي، عبدالله بن طوق المري، من منبر المنتدى الاقتصادي العالمي، «أزمة البحر الأحمر سوف تنعكس على اقتصاد العالم»، كون الاقتصاد يعتمد بشكل مباشر على العرض والطلب، فإذا قلّ العرض للمنتجات وتوفرها للأسواق فسترتفع أسعارها والفائدة أيضاً.
وأكّد المرّي أنه على الرغم من التحديات المتتالية التي تشهدها المنطقة، يبقى اقتصاد الإمارات مرناً وأكثر انفتاحاً بوجه هذه التحديات.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، مر في النصف الأول من عام 2023 نحو تسعة ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات المكررة عبر قناة السويس وخط الأنابيب سوميد، وفي الوقت نفسه مر 8.8 مليون برميل في اليوم عبر مضيق باب المندب، وهو نقطة الاختناق بين اليمن وجيبوتي والتي يستهدف الحوثيون في اليمن السفن المارة بها.
وبالنسبة لأسواق السلع الأساسية، «يشكل التوتر المتزايد مخاطر على العرض، حيث تكون أسواق الطاقة أكثر عرضة للخطر» بحسب الإدارة.
ومع ذلك، وبالنسبة للنفط والغاز الطبيعي المسال، لا يرى العالم أي تأثير أساسي على العرض حتى الآن؛ قد تواجه المصافي والمستهلكون في البداية بعض الضيق مع تكيف سلاسل التوريد مع المسار الأطول، وتقول الإدارة إنه رغم حالة عدم اليقين والمخاطر المحيطة، فمن المرجح أن تظل أسعار النفط مدعومة بشكل جيد نسبياً.
ليس من المستغرب أن تكون شحنات النفط عبر البحر الأحمر كبيرة بالنظر إلى مستوى إنتاج النفط في المنطقة، إذ يمر نحو 12 في المئة من إجمالي تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً عبر البحر الأحمر، إلى جانب شحنات كبيرة من النفط الخام والمنتجات المكررة، وهذا ينطبق على الشحنات المتجهة شمالاً نحو البحر المتوسط وأوروبا، وكذلك التدفقات المتجهة جنوباً والتي تتجه في النهاية نحو آسيا.
ومع استمرار الصراع في غزة، لا توجد بوادر حتى الآن على أن التوترات ستنحسر، خاصة مع تصعيد الولايات المتحدة وبريطانيا الغارات الجوية على الحوثيين في اليمن، كما ليس معروفاً كيف سيرد الحوثيون على تلك الهجمات، ولكن من الواضح أن التصعيد يزيد من خطر حدوث اضطرابات في التدفقات ومن المحتمل أن يزيد التصعيد من خطر تعطل التدفقات واحتمال قيام المزيد من الشاحنين بتغيير مسارهم حول الجنوب الإفريقي.
الحرب الروسية الأوكرانية أنعشت التجارة عبر قناة السويس
مع اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا، حدثت زيادة في تدفقات النفط جنوباً نحو آسيا، جاء هذا نتيجة للحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسي، ما أدى إلى تحويل روسيا شحناتها إلى وجهات بديلة، خاصة الهند والصين، كما استحوذت بعض دول الشرق الأوسط على كميات أكبر من المنتجات المكررة الروسية، وخاصة السعودية.
وتسحب أوروبا المزيد من نواتج التقطير المتوسطة من آسيا والشرق الأوسط عبر هذا الطريق منذ الحرب الروسية الأوكرانية، وفقاً لبيانات الشحن على رفينيتيف.
وفي عام 2021، بلغ متوسط تدفقات نواتج التقطير الوسيطة (زيت الغاز ووقود الطائرات) من الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا ما يزيد قليلاً على 490 ألف برميل في اليوم، بينما في عام 2023 بلغ متوسط هذه الشحنات نحو 860 ألف برميل يومياً، منها جزء كبير عبر البحر الأحمر.
وقال أندريه كوفاتاريو، المؤسس المشارك في ECERA في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن «التأثير على أسعار الطاقة يعتمد على فترة امتداد الصراع»، وتابع قائلاً إنه في حال طالت فترة الأزمة فستؤدي إلى تعطيل شحنات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز.
التأثير على مسارات وأسعار الغاز الطبيعي
في الشرق الأوسط، تعد قطر أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وتشكل في المنطقة نحو 16 في المئة من إجمالي واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية.
وتشير أحدث أرقام 2023 إلى أن قطر صدَّرت ما يزيد على 20 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى أوروبا ومرّت جميع هذه التدفقات عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
انعكاسات سلبية على الأسعار في حال استمرار الأزمة
وتابع كوفاتاريو قائلاً إنه في حال تدهور الوضع، قد يؤدي ذلك إلى بعض الاضطرابات بالإضافة إلى زيادة مدة الشحن على المدى القصير ومن المتوقع أن نرى تحولات في التدفقات التجارية، وأكّد أن ذلك يمكن أن يشمل إعادة توجيه الغاز المسال الأميركي الذي كان يتجه إلى آسيا ليتحول صوب أوروبا، وانتقال الغاز المسال في الشرق الأوسط إلى آسيا بدلاً من أوروبا.
وبحسب الإدارة، فسوف تتجنب هذه الشحنات البحر الأحمر ولن تضطر إلى اتخاذ الطريق الأطول حول جنوب إفريقيا.
وتؤكد الإدارة أنه في حال انتقال الأزمة إلى مضيق هرمز فسينعكس ذلك على شحنات الغاز المسال القطرية، مشيرة إلى أن قطر شحنت ما يقدر بنحو 108 مليارات متر مكعب من الغاز المسال في عام 2023، ما يجعلها ثالث أكبر مورد ونحو 20 في المئة من إمدادات الغاز المسال العالمية.
التأثير على أوبك وأوبك+
ويؤكد كوفاتاريو أن أوبك+ ستواجه مناقشات «معقدة» نتيجة الأزمة في البحر الأحمر كونها تخسر اليوم الحصص السوقية، ما سيزيد التوترات داخل المنظمة التي شهدناها خلال الأسابيع الماضية، وتابع كوفاتاريو قائلاً إن أوبك وأوبك+ لديهما خيارات محدودة اليوم، وإن سياسة تخفيض الإنتاج النفطي ستؤدي إلى خسارة أكبر في الحصص السوقية.