تعددت الحكومات وأزمة الكهرباء لا تزال تعصف بالعراقيين الذين يواجهون انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، ولم تفلح جهود الحكومات العراقية المتعاقبة في إيجاد مخرج من هذه الأزمة رغم الوعود المستمرة بحلها في القريب العاجل.

الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، قال خلال مقابلة حصرية مع «CNN الاقتصادية» إن هناك اتفاقات مع «الصينيين والفرنسيين والألمان، لذلك إن شاء الله خلال فترة سنة أو سنتين سنحل مشكلة الكهرباء».

وأضاف «مع الأسف الشديد دخل الفساد في الكهرباء، هذا السبب الرئيسي للأزمة وأنا لا أخفيه»، مشدداً على حاجة شبكة الكهرباء في البلاد إلى عملية تطوير شاملة.

وتابع الرئيس العراقي «أولاً تحسين الشبكة ضروري جداً لأن الشبكة قديمة وقسم منها مقصوص أو مقطوع، وكذلك معظم المحطات قُصفت في السابق ونحتاج لتوفير الوقود للمحطات الكهربائية وتأهيل محطات التوزيع»، معقباً «لكننا بدأنا، والآن الوضع في الكهرباء أحسن بكثير عنه قبل سنوات».

أزمة الكهرباء في العراق

الأزمات التي يعيشها قطاع الكهرباء في العراق ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات لسنوات من غياب التخطيط لهذا القطاع الحيوي، والآن تشكل الأزمة ضغطاً على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خاصة في فصل الصيف عندما يزداد السخط الشعبي مع طول ساعات الانقطاع.

ينتج العراق نحو 26 ألف ميغاواط من الكهرباء في حين تبلغ احتياجات البلاد نحو 35 ألف ميغاواط، وبلغت التكاليف التشغيلية لشبكة الكهرباء العراقية في عام 2019 نحو 9.3 مليار دولار، بينما كانت إيرادات الوزارة أقل من مليار دولار.

وكان وزير المالية العراقي السابق علي علاوي قد صرح في ديسمبر كانون الأول من عام 2021 «إذا لم يُصلح هذا القطاع -يقصد الكهرباء- نفسه خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، فهناك احتمال أن يؤدي ذلك إلى تدمير ميزانية الحكومة».

وفي يوليو تموز 2023 أعلنت وزارة الكهرباء العراقية أن شبكتها فقدت خمسة آلاف ميغاواط من قدرتها على التوليد بسبب انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي من إيران وتعطل بعض المحطات.

قبل هذا بشهر قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن العراق يحرق 1200 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز، بينما يستورد مليار قدم مكعبة يومياً من إيران، ما يكلف الحكومة ما لا يقل عن أربعة مليارات دولار سنوياً.

وبحسب بيانات البنك الدولي يحتل العراق المرتبة الثانية بين أكثر الدول في العالم هدراً للغاز الطبيعي عبر حرقه خلال إنتاج النفط، ما يضيع على بغداد ثروات هائلة.

جهود عراقية لحل أزمة الكهرباء

يحتاج العراق إلى زيادة إنتاج الكهرباء بنحو 33 في المئة للإيفاء باحتياجات سكانه، وفي يوليو تموز 2023 كشف وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل عن خطة تستهدف إنتاج 11 ألفاً و500 ميغاواط خلال المرحلة المقبلة، منها أربعة آلاف ميغاواط من الطاقة الشمسية.

كذلك أعلنت بغداد عن مشروعات للربط الكهربائي مع مصر عبر الأردن، ما يفتح الباب أمام تحسين الوضع حتى يجري تنفيذ التحسين اللازم للشبكة، كما توصل العراق إلى اتفاقات مع عدد من الدول مثل الصين وألمانيا وفرنسا لإنشاء وتجديد عدد من محطات الكهرباء.

ووقعت الحكومة العراقية عدة اتفاقات مع شركات عالمية مثل سيمنز وجنرال إلكتريك لتطوير منظومة الكهرباء وزيادة كفاءة الشبكة، ويقدر الخبراء حجم الإنفاق على قطاع الكهرباء في العراق منذ عام 2003 حتى الآن بأكثر من 80 مليار دولار.

المولدات الأهلية في العراق

وبسبب النقص في الطاقة الكهربائية ظهر مورد ثانٍ للخدمة هو «المولدات الأهلية»، إذ أقدم عدد من السكان على شراء مولدات كهربائية كبيرة تعمل بالغاز، وأصبحوا يوفرون التيار الكهربائي للمواطنين عند انقطاع الخدمة الحكومية مقابل مبلغ مالي.

وقالت أم عباس -سيدة عراقية في السبعين من عمرها- إن سعر الأمبير من المولدات الأهلية يختلف حسب الفصل، فبينما تدفع سبعة آلاف دينار مقابل الأمبير في الشتاء يصل سعره في الصيف إلى نحو 13 ألف دينار.

وفي أبريل نيسان 2019 قال الأمين العام لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول خلال مؤتمر مشترك مع وزير النفط العراقي آنذاك ثامر الغضبان، إن «ما تقاضاه أصحاب المولدات الأهلية في العراق خلال عام 2018 بلغ أربعة مليارات دولار»، مضيفاً أن سعر الأمبير لدى أصحاب المولدات يفوق بأربع مرات ما يدفعه المواطن الألماني نظير الكهرباء.

وخلال وجودنا في بغداد التقينا بمحمد سامي العامل بغرفة مولدات، الذي قال إنه منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عام 2003 وهناك أزمة في قطاع الكهرباء.

وأضاف أن الحكومة لا توفر ما يكفي من الغاز حتى تعمل المولدات بالشكل المطلوب، في الوقت نفسه تطالبهم بتحديد السعر وتضع عدادات للوقوف على حجم الخدمة المقدمة.

وأكد استعداده لتثبيت السعر حال توفير الحكومة الغاز له بسعر محدد، معقباً أن الكمية التي تقدمها الحكومة لا تكفي سوى ليومين ثم يضطر لشراء الغاز من السوق السوداء لضمان استمرار عمل مولده وإلا سيخسر عملاء.

وأشار إلى أن الحكومة عندما تتعامل معهم تغفل عن حساب إيجار المكان والعمالة والأعطال والأسلاك المستخدمة وتضع تسعيرة غير قابلة للتحقيق قائمة على سعر الغاز الرسمي.