يشهد الشرق الأوسط توترات جيوسياسية متصاعدة، خاصةً في البحر الأحمر، ومع ذلك، تحركت أسعار النفط الخام بشكل متواضع حتى الآن، بينما تراجعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي إلى أدنى مستوياتها في ثلاث سنوات، فلماذا لا تستجيب الأسواق للتوترات المشهودة؟
أسعار النفط.. هل تتأثر بتوترات البحر الأحمر؟
قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة في آي ماركتس (VI Markets) في مصر، في تصريحات خاصة لـ«CNN الاقتصادية»، إن هناك عدة أسباب أهمها أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط عالمياً بعدما تجاوز إنتاجها رقماً قياسياً بأكثر من 13 مليون برميل يومياً، وفي الوقت ذاته انخفض الطلب.
وأضاف، «نحن أمام سيناريو ارتفاع في الإنتاج مع تراجع في الطلب، بالإضافة إلى حالة ركود تضرب أكبر الاقتصادات في العالم، إذ نرى ركوداً تقنياً يحدث في بريطانيا واليابان، فضلاً عن تباطؤ كبير جداً يشهده الاقتصاد الصيني بسبب أزمة العقارات».
يتماشى هذا الرأي مع ما أشارت إليه وكالة الطاقة العالمية في تقريرها الأخير بشأن تراجع توقعات نمو الطلب على النفط الخام في 2024، مقارنة بالعام السابق، بما يخالف التوقعات التي أشارت إليها منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
وترى وكالة الطاقة الدولية أن التباطؤ المتوقع في نمو الطلب في عام 2024 هو نتيجة لاكتمال تعافي الاقتصادات من جائحة كورونا، فضلاً عن النمو الاقتصادي الباهت في الاقتصادات الكبرى، والاتجاه المتزايد إلى مصادر الطاقة النظيفة عالمية.
في الوقت نفسه، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع إمدادات النفط العالمية بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً إلى مستوى قياسي جديد، عند 103.5 مليون برميل يومياً في عام 2024، مدعوماً بالإنتاج القياسي من الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا وكندا.
إنتاج النفط القوي من الولايات المتحدة
تكشف لنا البيانات الأخيرة أن الولايات المتحدة أصبحت تضخ النفط بوتيرة مذهلة في الأسواق العالمية، وهي في طريقها لإنتاج كميات من النفط أكبر مما أنتجته أي دولة في التاريخ.
تصدر الولايات المتحدة في الوقت الحالي الكمية نفسها من النفط الخام والمنتجات المكررة وسوائل الغاز الطبيعي التي تنتجها المملكة العربية السعودية أو روسيا، بحسب تقرير نشرته شركة (إس آند بي غلوبال كوميديتي إنسايتس).
وأظهرت البيانات الأخيرة لإدارة معلومات الطاقة الأميركية عن الأسبوع المنتهي في 23 فبراير شباط، ارتفاع مخزون النفط الأميركي بمقدار 4.2 مليون برميل عن الأسبوع السابق، باستثناء احتياطي البترول الاستراتيجي، وهو ما عزز الضغوط الهبوطية على الأسعار مع اقتراب نهاية الشهر الجاري.
كما قالت إدارة معلومات الطاقة في توقعاتها مطلع فبراير شباط الجاري، إن إنتاج النفط الخام الأميركي سيرتفع إلى 13.21 مليون برميل يومياً هذا العام، الأمر الذي من شأنه موازنة المخاوف المتعلقة بنقص الإمدادات في الشرق الأوسط نتيجة للتوترات الجيوسياسية.
نهاية قريبة لأزمة الغاز في أوروبا
انخفض سعر الغاز الأوروبي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2021، قبل أن تبدأ روسيا في تقليص الإمدادات، ما عزز آمال السوق في أن أزمة الطاقة التي اجتاحت المنطقة على مدى السنوات الثلاث الماضية قد تقترب من نهايتها.
ويرى أحمد معطي، أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت تتعافى من الاعتماد على الغاز الروسي، ووجدت أسواقاً أخرى تحصل منها على حاجتها من الغاز، من بينها الولايات المتحدة وقطر، الأمر الذي هدأ المخاوف المتعلقة بنقص الإمدادات الروسية.
وساعدت الواردات القوية من الغاز الطبيعي المسال والطقس الدافئ وانخفاض الطلب نتيجة لارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، في الحفاظ على الغاز المخزن في مرافق التخزين تحت الأرض في الاتحاد الأوروبي عند مستويات مرتفعة تاريخياً خلال هذا الشتاء، ما أدى إلى الضغط على الأسعار.
وهبطت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في هولندا -المقياس الرئيسي في أوروبا- إلى مستوى منخفض بلغ 22.53 يورو لكل ميغاواط ساعة في وقت سابق من الشهر الجاري، وهو أدنى مستوى منذ مايو أيار 2021، قبل أن تتعافى قليلاً مع عودة اشتعال التوترات في البحر الأحمر واستمرار الهجمات الحوثية.
توقعات 2024 في ظل التوترات الجيوسياسية
ترى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، بما في ذلك اضطرابات الشحن الأخيرة، ستحافظ على ارتفاع أسعار النفط.
لكنها أشارت إلى أنه بدون حدوث اضطرابات جوهرية في إنتاج النفط الفعلي، أو تصعيد أوسع نطاقاً للهجمات على طرق نقل النفط الأكثر حيوية في المنطقة، فإنها لا تتوقع ارتفاعاً قوياً لسعر خام برنت أعلى من 80 دولاراً للبرميل على مدار عام 2024، بفضل الاحتياطي الذي تمتلكه منظمة أوبك+.
وفي هذا الصدد، توقع أحمد معطي، خبير الأسواق العالمية ألا تتأثر الأسعار بشكل كبير بالتوترات الراهنة، بسبب تركيز الولايات المتحدة الأميركية على خفض معدل التضخم، ما قد يدفعها لمزيد من ضخ النفط في الأسواق، وهو ما يضغط بدوره على أسعار النفط.
وعليه، توقع معطي أن يتحرك سعر النفط الخام في نطاق عرضي بين 70 و90 دولاراً للبرميل، مستبعداً حدوث ارتفاعات قوية أعلى من 100 دولار للبرميل هذا العام، ما لم تتفاقم التوترات الجيوسياسية بشكل أكبر.