دخل الصراع في الشرق الأوسط مرحلة جديدة بعد انخراط إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وهو السيناريو الأخطر الذي طالما حذّر منه المراقبون منذ اندلاع الصراع في غزة بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر تشرين الأول 2023.

ترددت أصداء التصعيد الأخير في الأسواق العالمية خاصة في سوق النفط، وسط مخاوف من تباطؤ الإمدادات العالمية للخام الأسود، إذ تنتج إيران أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً، كما أن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام تضم عدداً من أكبر مصدري النفط في العالم.

وقفزت أسعار الخام الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر تشرين الثاني مع ترقب الأسواق ردّ إيران على استهداف إسرائيل قنصليتها في دمشق مطلع إبريل نيسان الجاري.

لكن الأسعار شهدت انخفاضاً مع بداية التعاملات الأسبوعية يوم الاثنين بعد أن جاء رد طهران العسكري أقل من المتوقع، إذ لم تسفر الضربات الإيرانية عن خسائر كبيرة للجانب الإسرائيلي، ما قلص المخاوف بشأن مستوى الإمدادات.

ويرى الخبراء حالياً أن تحركات النفط المقبلة ستكون مرهونة برد فعل إسرائيل تجاه الهجمات الإيرانية وتطورات الصراع في الشرق الأوسط بشكل عام.

ومع التصعيد الأخير، عاد التساؤل من جديد بشأن إمكانية اتجاه الخام نحو حاجز الـ100 دولار، خاصة بعدما ارتفعت أسعاره أكثر من عشرة في المئة الشهر الماضي وحده لتصل مكاسبه منذ منتصف ديسمبر كانون الأول 2023 لما يزيد على 20 في المئة.

وعاودت الأسعار صعودها يوم الثلاثاء بعد بيانات إيجابية حول نمو الاقتصاد الصيني، والتي عززت الآمال بزيادة الطلب على الخام.

فتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي والإنتاج الصناعي على مستوى العالم -خاصة في الصين- يثير مخاوف الأسواق من تراجع الطلب على النفط، ما قد يؤدي بدوره لزيادة حجم المعروض وكبح ارتفاع الأسعار.

وبين مخاوف وفرة المعروض ونقص الإمدادات، تظل أسعار الخام في تأرجح صعوداً وهبوطاً وفقاً للتطورات على الساحة.

عوامل تكبح أسعار النفط

يرى المحللون أن التوترات الجيوسياسية الحالية كان يمكنها رفع أسعار النفط لمستويات قياسية لولا مجموعة من العوامل التي تكبح ارتفاع الأسعار، وفي مقدمتها تباطؤ النمو العالمي -خاصة في الصين- وزيادة إنتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة أوبك.

كانت وكالة الطاقة الدولية قد قلصت توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2024 بمقدار 130 ألف برميل يومياً إلى 1.2 مليون برميل يومياً، معللة ذلك بتراجع نشاط المصانع، والاستهلاك الأقل من المتوقع في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ورغم بيانات توضح نمو اقتصاد الصين -أكبر مستورد للنفط في العالم- بمعدل أسرع من المتوقع في الربع الأول من العام الجاري، فلا يزال الاقتصاد الصيني يعاني تحديات بالغة أبرزها أزمة القطاع العقاري.

في غضون ذلك، تزداد التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) لن يتعجل في خفض أسعار الفائدة قريباً، ما قد يؤدي لتهدئة النشاط الاقتصادي بالولايات المتحدة وتقليص الطلب الأميركي على الطاقة.

هذا إلى جانب وفرة المعروض في الأسواق نتيجة زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء بأوبك بلس، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي حافظت على مكانتها كأكبر منتج للنفط في العالم منذ عام 2018.. وبلغ الإنتاج النفطي الأميركي مستوى قياسياً جديداً في عام 2023 مسجلاً 12.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وتستبعد الإدارة أن تتمكن أي دولة أخرى من بلوغ هذا المستوى على المدى القريب.

عوامل تدعم أسعار الخام

تُعد تخفيضات الإنتاج التي أقرتها مجموعة أوبك بلس -المؤلفة من الدول الأعضاء بمنظمة أوبك وحلفاء بقيادة روسيا- إحدى الأدوات الفعالة لتقليص وفرة المعروض والحد من انخفاض الأسعار.

ونجحت التخفيضات حتى الآن في دعم استقرار النفط وحماية الأسعار من الهبوط بوتيرة أكبر.

ومن المقرر تمديد التخفيضات حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري.

وتمثل التوترات الجيوسياسية عاملاً آخر لدعم الأسعار ليس على صعيد الشرق الأوسط فحسب بل وعلى صعيد الصراع الروسي الأوكراني أيضاً، خاصة بعد نجاح أوكرانيا مؤخراً في استهداف العديد من المنشآت النفطية داخل روسيا، ما قلص الإنتاج الروسي من الديزل والبنزين وغيرهما من أنواع الوقود.

ورغم أن هدف أوكرانيا من هذه الضربات هو تقويض العائدات النفطية التي تستخدمها روسيا لتمويل آلتها العسكرية، فإن تأثيرها قد يطول العالم أجمع إذا أضرت بالإنتاج الروسي بشكل أكبر وأدت لزيادات كبيرة في الأسعار.

من جهة أخرى، قد يأتي فصل الصيف بضغوط جديدة على أسعار النفط مع زيادة الطلب على الخام نتيجة ارتفاع معدلات السفر واستخدام وسائل النقل أثناء موسم العطلات.

لكن الخبراء يستبعدون بلوغ الأسعار عتبة الـ100 دولار دون حدوث اضطراب أكبر في مستوى الإنتاج أو الشحن أو الإمدادات، وهو احتمال غير وارد في الوقت الحالي، بحسب ما أوردته رويترز.