خلال زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا الجنوبية تلبية لدعوة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، برزت الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين في العديد من المجالات المهمة، خاصة في قطاع الطاقة.

ففي السنوات الأخيرة، ركزت الشراكة بين البلدين على المجالات الاستراتيجية الرئيسية، بما في ذلك الطاقة النووية والطاقة النظيفة والمتجددة والهيدروجين، بالإضافة إلى امتيازات الاستكشاف والتطوير والإنتاج.

محطة براكة

للطاقة النووية في أبوظبي هي أحد أهم المشاريع التي بدأت تحت مظلة تلك الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين.

البرنامج النووي السلمي الإماراتي

بعد إنشاء مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في عام 2009 تم تكليفها من قبل الحكومة الإماراتية بتطبيق البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وتطوير محطات براكة للطاقة النووية، المكون الأساسي للبرنامج، والتي تعد الأولى من نوعها في العالم العربي.

وفي العام ذاته، وقع اختيار مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو)، وهي أكبر شركة للطاقة النووية في كوريا الجنوبية، لتكون المقاول الرئيسي لمحطات الطاقة النووية السلمية في دولة الإمارات، وتتولى مسؤولية تصميم المحطات وإنشائها، ثم المساعدة في تشغيلها.

وتعدّ شركة كيبكو من الشركات الرائدة عالمياً على صعيد السلامة والموثوقية والكفاءة، وذلك حسب ما صنّفها الاتحاد الدولي لمشغلي الطاقة النووية، وقد اختيرت كيبكو بعد عملية اختيار شاملة ودقيقة استغرقت عاماً كاملاً وأجراها فريق من 75 خبيراً دولياً في مجال الطاقة، وقد ركز التقييم على عدة عوامل مثل السلامة والقدرة على إنجاز المشروع والالتزام بتطوير الموارد البشرية.

تتولى كيبكو مسؤولية التصميم والإنشاء والتشغيل لأربع محطات للطاقة النووية ذات سعة إنتاجية تصل إلى 1400 ميغاواط في محطة براكة للطاقة النووية، وبلغت قيمة العقد نحو 73 مليار درهم إماراتي، أو ما يعادل 20 مليار دولار أميركي تقريباً آنذاك.

عند تشغيل الوحدات بشكل تام، فإنها تستهدف خفض نحو 22 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً بعد تشغيل المحطة الرابعة تجارياً في الأشهر المقبلة؛ ما يعادل إزالة 4.8 مليون سيارة من الطرقات، وفقاً لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية.

وتنص الشراكة على عدة بنود أخرى، مثل توفير التدريب المتخصص المكثف وتطوير الموارد البشرية وطرح البرامج الدراسية، وذلك حتى تتمكن الإمارات من بناء قدرات بشرية متخصصة لصناعة الطاقة النووية.

وبذلك، تصبح الإمارات العربية المتحدة هي أول دولة عربية تشغل محطة نووية لتوليد الكهرباء.

في أكتوبر تشرين الأول 2016، وقَّعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وكيبكو اتفاقية الائتلاف المشترك التي تُعنى بشراكة طويلة الأمد وتعزيز التعاون بين الجهتين في البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وبموجبها تم تأسيس «شركة براكة الأولى ش م خ»، وهي شركة مستقلة تأسست لتكون مسؤولة عن الشؤون التجارية والمالية المرتبطة بمشروع محطات براكة، إذ تمتلك كيبكو حصة 18 في المئة منها، في حين تملك المؤسسة الحصة الأكبر منها بنسبة 82 في المئة.

من جانب آخر، تملك شركة كيبكو أيضاً حصة 18 في المئة من شركة نواة للطاقة التي تأسست في مايو أيار 2016، بينما تملك المؤسسة الحصة العظمى المتبقية بنسبة 82 في المئة، لتكون شركة نواة للطاقة مسؤولة عن تشغيل المحطات النووية الأربع في براكة وصيانتها.

تطور تشغيل محطات براكة

وافقت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية على طلب مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في عام 2010 لبناء أربع وحدات في محطة براكة للطاقة النووية بمنطقة الظفرة في أبوظبي.

وفي عام 2017، تقدمت شركة نواة للطاقة بطلب إصدار رخصة تشغيل للوحدتين الثالثة والرابعة، كما قيّمت الهيئة طلب رخصة التشغيل للوحدة الرابعة في أعقاب إصدار رخصة التشغيل للوحدة الثالثة.

وخلال ثلاثة أعوام متتالية، استُكمل بناء الوحدات الثلاث من محطة براكة النووية، ففي عام 2019، استكمل بناء الوحدة الأولى، واستكملت الوحدة الثانية في 2020، والثالثة في 2021، وأصدرت الرخص اللازمة للوحدات الثلاث للعمل بشكل تجاري لمدة 60 عاماً لكل وحدة.

أما في مارس آذار عام 2024، فأعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، عن إتمام عملية ربط المحطة الرابعة ضمن محطات براكة للطاقة النووية السلمية بشبكة كهرباء دولة الإمارات.

وجرى ربط المحطة بالشبكة من قبل ذراعها التشغيلية، شركة نواة للطاقة، وهو ما يعني إنتاج أول ميغاواط من الكهرباء النظيفة من مفاعل المحطة الرابعة وتوصيله للشبكة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

وتقترب المحطة الرابعة من بدء التشغيل التجاري، وبعد ربطها بالشبكة ستخضع المحطة لعملية رفع مستويات الطاقة في المفاعل تدريجياً، والمعروفة باسم «اختبار الطاقة التصاعدي»، وسيتم خلال ذلك مراقبة العملية واختبارها بشكل مستمر حتى الوصول إلى الحد الأقصى لإنتاج الكهرباء.

ووفقاً لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، محطات براكة هي أول مشروع للطاقة النووية السلمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا في التزامها بمعايير التمويل الأخضر بقيمة 2.42 مليار دولار أميركي، ويسلط هذا التصنيف الضوء على الاعتراف العالمي المتزايد بأهمية الطاقة النووية في تحقيق الحياد المناخي.

.

مشروعات طاقة الرياح البحرية

كانت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر الإماراتية»، وشركة «كيبكو الكورية» قد وقَّعتا في 2022 مذكرة تفاهم لاستكشاف فرص التعاون في مشروعات طاقة الرياح البحرية، وذلك على هامش زيارة وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، سلطان الجابر، إلى كوريا الجنوبية.

وبموجبها، تُقَيِّم الشركتان فرص التعاون المتاحة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتكنولوجيا بطاريات تخزين الكهرباء، وتداول منتجات الطاقة وتجارتها.

وبذلك تكون الشراكات بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا ركزت خلال السنوات الأخيرة على قطاعات استراتيجية مهمة شملت الهيدروكربونات والطاقة المتجددة والطاقة النووية والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية، كما شملت مشاريع استراتيجية مثل محطة براكة للطاقة النووية في أبوظبي، بالإضافة إلى امتيازات الاستكشاف والتطوير والإنتاج في أبوظبي.