مع التشديد على ضرورة استخدام الأموال المتدفقة إلى الدول النامية لسد الفجوة المناخية بدلاً من سداد الديون، يعود الحديث عن الانتقال المناخي العادل في ظل أزمات اقتصادية شتى يواجهها العالم، وذلك بالإشارة إلى أن 15 في المئة فقط من التمويلات تذهب إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحسب الرئيس التنفيذي في صندوق النقد الدولي محمود محيي الدين.

وتصدَّر تحدي الانتقال الأخضر العادل جلسات مؤتمر بون للمناخ الذي يُعقد في المدينة الألمانية تمهيداً لمؤتمر «كوب 29» في باكو، أذربيجان، نهاية العام الجاري، وبحسب سيمون ستيل الأمين التنفيذي للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، فالعالم أمامه الكثير من العمل، مشيراً إلى ضرورة التركيز على التمويل المناخي كعامل تمكيني رئيس؛ إذ دعا ستيل إلى اتباع هدف جماعي جديد ومحدد بشأن تمويل المناخ، كما دعا إلى إصلاحات مالية شاملة لتخفيف عبء الديون وتوفير تمويل ميسر للدول النامية.

ارتفاع الاستثمارات الخضراء لا يزال غير كافٍ

وفي أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية، ورد أن هناك ارتفاعاً في التمويل الأخضر، وذلك يشكل مناخاً استثمارياً إيجابياً في الطاقة النظيفة، وأكّد التقرير أن الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة سيتجاوز ثلاثة تريليونات دولار أميركي للمرة الأولى في عام 2024، وأضاف التقرير أن استثمارات الولايات المتحدة في الطاقة النظيفة تُقدر بأكثر من 300 مليار دولار أميركي في عام 2024، وأن الصين ستنفق نحو 680 مليار دولار أميركي في 2024، أما الاتحاد الأوروبي، فسينفق بحسب التقرير 370 مليار دولار على الطاقة النظيفة في العام الجاري.

وأضاف التقرير أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة والمناخ وأمن الطاقة سيتطلب زيادة كبيرة في الاستثمارات رغم توسع هذه الاستثمارات على مستوى العالم، وبدوره، يقول المدير التنفيذي في صندوق النقد الدولي محمود محيي الدين في مقابلة مع CNN الاقتصادية إن نسبة السير على سكة أهداف التنمية المستدامة لا تشكل سوى 15 في المئة.

تفاوت في التحول الأخضر

وهناك تفاوتات كبيرة في تدفقات الاستثمار من بلد إلى آخر، بما في ذلك اختلال عميق في الإنفاق على الطاقة النظيفة، في الوقت الحاضر، تمثل الاقتصادات المتقدمة والصين نحو 85 في المئة من الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة، وحصة 15 في المئة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى لا تتماشى مع حصة ثلثي سكان العالم وحصتها من الثلث من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، هذا التناقض هو علامة تحذير للمستقبل.

في قطاع الطاقة، يمكن أن يؤدي الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة إلى تحسين القدرة على تحمل التكاليف، في عام 2023 على سبيل المثال، كان أكثر من 95 في المئة من منشآت الطاقة الشمسية الكهروضوئية الجديدة على نطاق المرافق وقدرة الرياح البرية الجديدة أقل تكلفة من محطات الفحم والغاز الطبيعي الجديدة، وأسعار وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية منخفضة للغاية -انخفضت بنسبة 30 في المئة في عام 2023- وهذا يوفر فرصة كبيرة لتسريع نشر الطاقة المتجددة الفعالة من حيث التكلفة.

معظم إنفاق الحكومات يتوجه لسداد الديون

وأضاف محيي الدين أنه في ظل استخدام الدول الأموال المتدفقة لسداد الديون، يبقى من الصعب تمويل أي قطاعات أخرى.

وقد أصبحت القدرة على تحمل الديون مصدر قلق متزايد في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية -حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 75 في المئة على الأقل في ثلاثة أرباع جميع الاقتصادات النامية- لذا فإن تعبئة حصة أكبر من التمويل الخاص في هذه الأسواق سيكون أمراً ضرورياً، في ظل بقاء الاستثمار الحكومي في أصول الطاقة العالمية، مستقراً على نطاق واسع عند نحو 37 في المئة من الأصول للفترة من 2015-2023.

وبحسب التقرير، مع اكتساب تحولات الطاقة زخماً في السنوات الأخيرة، تضاعفت الاستثمارات التي قامت بها الأسر من الإنفاق على الطاقة النظيفة من 9 في المئة في عام 2015 إلى 18 في المئة في عام 2023، ويرجع ذلك إلى النمو في الطاقة الشمسية على الأسطح، وكفاءة الطاقة في المباني وشراء السيارات الكهربائية.

انتقال متفاوت في الشرق الأوسط

ومع وجود الإمارات والسعودية في صدارة البلدان التي تسعى إلى الانتقال الأخضر، خاصة بعد انعقاد قمة كوب 28 في دبي 2023 التي آلت إلى اتفاق الإمارات التاريخي للابتعاد عن الوقود الأحفوري ومساعي الإمارات في هذا الاتجاه، تبقى دول كثيرة في المنطقة ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية عدة تحول دون هذا التحول.

لبنان من بين هذه البلدان، إذ يصارع أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية منذ عام 2019 تعد من أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب تقرير للبنك الدولي صدر عام 2022، وفي هذا الإطار، أشار وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في مقابلة مع CNN الاقتصادية إلى جهود قطرية لتمويل ثلاث معامل طاقة نظيفة في لبنان تسهم في تخفيف وطأة أزمة الكهرباء وتخفف العبء على المستهلك اللبناني.