الاستثمار في اﻷعمال الفنية أكثر ربحية من العقارات والبورصة والمعادن النفيسة بما فيها الذهب، بهذه الجملة يلخص طبيب الأسنان السكندري مجدي بلبع تجربته، فهو يمتلك ما يربو على ألفي عمل فني لفنانين مصريين أو أجانب عاشوا في مصر، فعيادته أصبحت بمنزلة متحف صغير حيث يعلق اللوحات على كل جدرانها، بالإضافة إلى مخزن كبير من طابقين يحتوي على أضعاف ما يراه مرضاه في صالة الانتظار أو أثناء صمتهم الإجباري على كرسي الأسنان.
بلبع قضى نحو نصف عمره في شراء لوحات لفنانين لم يحصلوا على الشهرة في حياتهم، وتباع أعمالهم بأسعار غير مرتفعة، ثم يبحث عنهم وعن تاريخهم الفني وحياتهم، ومن هنا توثق الأعمال فيصبح لها سعر في سوق الفن التشكيلي.
سبق بلبع في اقتناء الأعمال الفنية العديد من المصريين والعرب فيشتهر الشيخ سلطان سعد القاسمي من إمارة الشارقة بكونه من أهم أصحاب المجموعات. كما تشتهر كذلك مجموعة أبو الغار بالقاهرة ومجموعة عوض بالإسكندرية وكذلك مجموعة رشوان، حيث بدؤوا جميعاً في اقتناء الأعمال الفنية التشكيليين المصريين من أمثال محمود سعيد ومحمد ناجي والأخوين أدهم وسيف وانلي وعبد الهادي الجزار من سبعينيات القرن الماضي.
وبعضهم يبيع بعض مقتنياته في مزادات دولية مثل كريستي وسوثبيز ولبعض أهم المتاحف في العالم العربي، وهذا حال أستاذ العمارة بجامعة الإسكندرية محمد عوض الذي باع مؤخراً لوحة للفنان محمود سعيد لأحد المتاحف السعودية وهي السيدة ذات الخاتم المرجاني.
وأفاد عوض في حديث مع CNN الاقتصادية بأنه اشترى اللوحة بنحو 20 ألف دولار قبل أكثر من عشرين عاماً، وأنه باعها بسعر عال وجيد كما وصف، لكن بمراجعة أرقام مبيعات لوحات محمود سعيد في السنوات الماضية ندرك أن اللوحة بيعت بنحو مليوني دولار، فهناك عوامل عديدة تحكم تسعير اللوحات الأصلية مثل تاريخ وملابسات رسمها فضلاً عن تاريخ من اقتنوها ومكانتهم الاجتماعية والتاريخية أو الرمزية.
بحسب مقتني الأعمال الفنية حسام رشوان القفزة في الأسعار لم تكن سريعة "ولكننا عندما اشترينا اللوحات في السبعينيات ببضعة مئات الجنيهات لم نكن لنتصور أن يتخطى سعرها ملايين الدولارات الآن"، رشوان يلعب منذ نحو عشر سنوات دور المؤرخ الفني للعديد من الأعمال فهو من قام بكتابة الكتالوغ النقدي -هو عبارة عن قائمة شاملة ومشروحة لجميع الأعمال الفنية المعروفة والمثبت صحتها لفنان معين- لأعمال محمود سعيد وعبد الهادي الجزار ومحمود سعيد العدوي وهم أصحاب الأعمال الفنية الأغلى في الشرق الأوسط.
يحدد رشوان تاريخ في شهر أبريل نيسان 2010 عندما نظمت دار مزادات كريستي مزاداً في دبي كان قوامه مجموعة الشيخ محمد سعيد فارسي أمين عام مدنية جادة السابق، قائلاً "وهنا بدأنا نسمع المبالغ الخيالية التي لم نكن نتخيلها". بالطبع أعمال محمود سعيد المليونية لم تعد متاحة ولن يتمكن الكثير من راغبي الاستثمار في الأعمال الفنية من ضخ مليوني دولار.
ويؤكد رشوان ضرورة تنويع الأعمال الفنية والفنانين والتيارات التي يتبعونها، معقباً أن ذائقة الفن تتغير فقبل فترة كانت أعمال التشكيليين المستشرقين تتمتع بطلب مرتفع وتباع بأسعار غالية أما اليوم فقل الطلب عليها وإن بيعت فيكون السعر أقل من سعر الشراء.
أما بلبع فيقول إن لوحات الفنانين الشباب من أصحاب الموهبة والرؤية تباع اليوم بنحو 40 ألف جنيه، ولكن من الممكن إعادة بيعها بمئتي ألف جنيه بعد أربع أو خمس سنوات، يضيف بلبع أن الاستثمار في البداية يجب أن يبنى على استشارات الخبراء وأصحاب المجموعات لشراء لوحات ذات فرص عالية في تحقيق ربح.
إن المنهج الآمن هو شراء لوحات رخيصة، حيث إن من يمتلكون فائضاً للإنفاق الشخصي بقدر 400 دولار وعلى استعداد لشراء أعمال فنية أكثر ممن يمتلكون مليونين أو ثلاثة ملايين دولار لشراء لوحة لمحمود سعيد أو عبد الهادي الجزار التي تحتل لوحاتهم اليوم جدران متاحف بوسطن ودبي والرياض أو جدران بعض المنازل والمكاتب المصرية مثل مكتب الملياردير المصري نجيب ساويرس والذي كان أول من ينفق مليون جنيه لاقتناء لوحة لعبد الهادي الجزار في النصف الثاني من التسعينيات.