هبط المؤشران ناسداك وستاندرد آند بورز 500 بشكل حاد، يوم الاثنين، حيث خسرت شركة «إنفيديا» نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، بعد إعلان مفاجئ من شركة صينية ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، تُدعى «ديب سيك»، والذي هدد هيبة صناعة التكنولوجيا الأميركية.
وكشفت «ديب سيك»، وهي شركة ناشئة عمرها عام واحد، عن قدرة مذهلة الأسبوع الماضي، إذ قدمت نموذجاً من الذكاء الاصطناعي مشابهاً لـ«تشات جي بي تي» يُسمى «R1»، والذي يمتلك جميع القدرات المألوفة بتكلفة أقل بكثير من النماذج الشهيرة التي تطورها شركات مثل «أوبن أيه آي» و«غوغل» و«ميتا»، وقالت الشركة إنها أنفقت 5.6 مليون دولار فقط على الطاقة الحاسوبية للنموذج الأساسي لها، مقارنة بمئات الملايين أو مليارات الدولارات التي تنفقها الشركات الأميركية على تقنياتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
أسواق الأسهم
أدى ذلك إلى صدمة في الأسواق، خاصة في القطاع التكنولوجي، ووفقا للبيانات الأولية، فقد المؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 87.85 نقطة أو 1.44% ليغلق عند 6013.39 نقطة، في حين تراجع المؤشر ناسداك المجمع 607.47 نقطة أو 3.04% إلى 19346.83 نقطة.
فيما صعد المؤشر داو جونز الصناعي 291.54 نقطة أو 0.67% إلى 44715.79 نقطة. بفضل شركات الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية التي قد تتأثر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكانت الخسائر في أسواق الأسهم أكبر في بداية اليوم.
كانت «ميتا» أعلنت الأسبوع الماضي عن تخصيص أكثر من 65 مليار دولار هذا العام لتطوير الذكاء الاصطناعي، فيما قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن أيه آي» العام الماضي، إن صناعة الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى تريليونات الدولارات لدعم تطوير الرقائق المطلوبة لتشغيل مراكز البيانات التي تستهلك طاقة هائلة والتي تدير النماذج المعقدة في هذا القطاع.
وأشار مارك أندرييسن، أحد أبرز المستثمرين في مجال التكنولوجيا، إلى أن «ديب سيك» حققت «أحد أكثر الإنجازات المدهشة والإعجاب التي شاهدتها في حياتي»، وذلك في منشور له على «إكس».
ما يجعل هذا الإنجاز أكثر صدمة هو أن الولايات المتحدة قد عملت لسنوات على تقييد توريد الرقائق عالية القدرة إلى الصين، بناءً على مخاوف أمنية، ما يعني أن «ديب سيك» تمكنت من تحقيق هذا النموذج منخفض التكلفة باستخدام شرائح الذكاء الاصطناعي منخفضة القدرة.
هبوط أسهم شركات التكنولوجيا
تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية لضغوط شديدة يوم الاثنين؛ فقد انخفضت أسهم إنفيديا (NVDA) بنحو 17% تقريباً، حيث فقدت 588.8 مليار دولار من قيمتها السوقية، وهو أكبر انخفاض من حيث القيمة السوقية في يوم واحد على الإطلاق، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 240 مليار دولار الذي سجلته «ميتا» قبل نحو ثلاث سنوات.
وللمقارنة، خسرت «إنفيديا» أكثر من قيمتها السوقية يوم الاثنين مقارنة بكل شركة باستثناء 13 شركة فقط.
كما انخفضت أسهم «ميتا» (META) و«ألفابت» (GOOGL)، الشركة الأم لغوغل، بشكل حاد أيضاً. كما تراجعت أسهم منافسي «إنفيديا» مثل «مارفيل» و«برودكوم» و«مايكرون» و«تي إس إم سي». كما تراجعت أسهم «أوراكل» (ORCL) و«فيرتيف» و«كونستليشن» و«نيو سكيل» وغيرها من شركات الطاقة ومراكز البيانات.
وقد أدت هذه الخسائر إلى انخفاض أوسع في سوق الأسهم، حيث تمثل شركات التكنولوجيا نحو 45% من مؤشر «S&P 500»، وفقاً لتحليل كيث ليرنر، محلل في «تروست».
وقال ليرنر «النتيجة النهائية هي أن التفوق الأميركي كان مدفوعاً بالتكنولوجيا والريادة التي تتمتع بها الشركات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن خلال إطلاق نموذج ديب سيك، بدأ المستثمرون في التساؤل عن مدى تفوق الشركات الأميركية، وما إذا كانت هذه الاستثمارات ستؤدي إلى أرباح أو ستؤدي إلى إنفاق مفرط».
تغيرات كبيرة في استثمارات واهتمامات المستثمرين
أدى الخبر إلى حدوث تغييرات كبيرة في استثمارات الشركات غير التكنولوجية في وول ستريت؛ فقد شهدت شركات الطاقة زيادات كبيرة في السنوات الأخيرة بسبب كميات الكهرباء الهائلة التي تحتاج إليها مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، لكنها شهدت جميعها تراجعات حادة يوم الاثنين. فقد انخفضت أسهم «كونستليشن إنيرجي» (CEG)، الشركة المسؤولة عن إعادة إحياء محطة «ثري مايل آيلاند» للطاقة النووية، بنسبة 21%، كما انخفضت أسهم شركات منافسة مثل «فيسترا» (VST) بنسبة 28%، و«جي إي فيرنوفا» (GEV) بنسبة 21%.
كما هبطت عقود الغاز الطبيعي التي تستخدم لتوليد الكهرباء، بنسبة 5.9%، وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 2%.
أما العملات الرقمية مثل «بيتكوين» فقد شهدت أيضاً انخفاضاً.
هل ديب سيك محرك حقيقي؟
قد لا يكون إنجاز واحد، على الرغم من كونه مذهلاً، كافياً لمواجهة سنوات من التقدم في القيادة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن غير المرجح أن يحدث تحول ضخم نحو شركة صينية ناشئة؛ لذا قد تكون موجة البيع في السوق مبالغاً فيها، أو ربما كان المستثمرون يبحثون عن مبرر للبيع.
قال مايكل بلوك، استراتيجي الأسواق في «ثيرد سيفن كابيتال»: «الوقت سيوضح ما إذا كان تهديد ديب سيك حقيقياً أم لا، السباق مستمر لاكتشاف التكنولوجيا التي ستعمل، وكيف ستستجيب الشركات الغربية الكبرى وتطور نفسها».
كما أن الصناعة تتعامل مع الشركة بناءً على قولها إن التكلفة كانت منخفضة، وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز في خفض التكاليف قد يكون مهماً، فإن نموذج «R1» هو مجرد منافس لـ«تشات جي بي تي» ويستهدف المستهلكين، ولم يثبت بعد قدرته على التعامل مع بعض الإمكانيات الطموحة للذكاء الاصطناعي في الصناعات التي تتطلب بنية تحتية ضخمة.
وقال جيوسيبي سيتي، رئيس شركة «ريفليكسيفيتي» لأبحاث سوق الذكاء الاصطناعي: «بفضل قاعدة رأس المال والموارد البشرية الغنية، لا تزال الولايات المتحدة هي أرض الوطن الأكثر وعداً التي نتوقع أن يظهر منها أول ذكاء اصطناعي قادر على التحسين الذاتي».