مع تزايد أهمية التكنولوجيا اللامركزية، تبرز منطقة الخليج، وعلى رأسها الإمارات، كمركز رئيسي في تطوير الويب 3 والبلوكشين.. لكن السؤال الأهم: هل هذا التقدم يعني أن المنطقة في طريقها للتحول إلى قطب عالمي في هذه التكنولوجيا؟ وما الذي يميز الإمارات عن غيرها في هذا المجال؟
خلال مقابلة مع فينيت بودكي، الرئيس التنفيذي لشركة سيغما كابيتال، تحدث عن العوامل التي جعلت الإمارات لاعباً محورياً في قطاع البلوكشين والويب 3، وكيف تميزت عن غيرها من الأسواق العالمية من حيث التنظيم والاستثمار والبنية التحتية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
دبي.. الانفتاح في وقت الانغلاق
خلال الجائحة، أغلقت معظم الدول الكبرى حدودها، وشددت القيود على دخول الشركات الجديدة، حتى الدول التي كانت رائدة في تبني التكنولوجيا الرقمية، مثل سنغافورة، فرضت قيوداً صارمة، ما أبطأ تطور القطاع. في المقابل، سلكت دبي مساراً مختلفاً تماماً، إذ فتحت أبوابها أمام الشركات الناشئة في مجال البلوكشين؛ ما منحها ميزة «المبادر الأول».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ويوضح بودكي خلال المقابلة:
«بينما أغلقت سنغافورة أبوابها، سمحت دبي للشركات بتأسيس مقارها هنا، وببناء البنية التحتية للبلوكشين.. لذلك كانت لديها ميزة الدخول المبكر في هذا المجال، ولهذا السبب نشهد الآن تدفقاً كبيراً للشركات الكبرى مثل ريبل وبينانس إلى دبي».
ولكن هذه الاستراتيجية لم تتوقف عند السماح للشركات بالعمل، بل امتدت إلى إنشاء بيئة تنظيمية داعمة، وهو ما يراه بودكي أحد العوامل الرئيسية التي وضعت الإمارات في موقع تنافسي قوي.
التنظيم.. بين السبق الإماراتي والتأخر العالمي
من بين العوائق الرئيسية التي واجهتها صناعة الويب 3 عالميًا، كانت التشريعات الغامضة أو غير المتوافقة مع طبيعة التكنولوجيا اللامركزية. في الولايات المتحدة، لا تزال التشريعات متخبطة، حيث تتحرك الجهات التنظيمية بين تشديد القوانين وبين منح بعض التسهيلات؛ ما يجعل الاستثمار في المجال محفوفاً بالمخاطر.
في المقابل، تبنّت الإمارات نهجاً أكثر وضوحاً وسرعة، ويقول بودكي: «عندما نتحدث عن التنظيم، هناك جانب يتعلق بإنشاء الشركات وبناء المنظومة، وجانب آخر يخص الاستثمار..
فالإمارات كانت سبّاقة في وضع إطار تنظيمي واضح. فقد أنشأت دبي هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)، كما وضعت أبوظبي قواعد تنظيمية من خلال مركز أبوظبي المالي العالمي (ADGM). الجميع اليوم بدأ في اللحاق بركب ويب 3، لكن الإمارات كانت من الأوائل في هذا المجال».
هذا الاستقرار التشريعي لا يمنح الشركات فقط بيئة مواتية، لكنه يجذب أيضاً المستثمرين الذين يبحثون عن سوق مستقرة يمكنهم من خلالها تخصيص رؤوس أموالهم دون مخاطر غير محسوبة.
رؤية استراتيجية.. كيف توزعت الأدوار في المنطقة؟
لكن الإمارات ليست وحدها في هذا المشهد، فبحسب بودكي، هناك دور تكاملي بين مختلف دول المنطقة؛ ما يجعل الشرق الأوسط موقعاً مثالياً للنمو في هذا المجال.
«إذا نظرنا إلى كيفية عمل النظام، فسنجد أن دبي هي مركز رأس المال، السعودية وإفريقيا هما حيث يوجد العملاء، والهند ومصر هما حيث يوجد المطورون.. هذا التوزيع الفريد يجعل من منطقتنا المكان المثالي لدفع ويب 3 نحو المرحلة التالية».
هذا النموذج يعكس استراتيجية أوسع تعتمد على توزيع الموارد؛ ما يجعل المنطقة ليست فقط مستهلكة للتكنولوجيا، بل مُنتِجة لها أيضاً.
التأثير العالمي.. هل يقود الشرق الأوسط مستقبل العملات الرقمية؟
لكن هل يمكن للإمارات أن تحافظ على موقعها في ظل التطورات العالمية؟ وفقاً لبودكي، فإن الأسواق الغربية بدأت مؤخراً فقط بأخذ هذا المجال على محمل الجد، مشيراً إلى أن هناك تحولاً في السياسات، خصوصاً في الولايات المتحدة.
«في الأشهر الثلاثة الماضية، بدأنا نرى تغييرات مهمة؛ ترامب، على سبيل المثال، أبدى دعماً واضحاً للعملات الرقمية، بل وتحدث عن إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين في الولايات المتحدة.. هذا قد يغير الكثير، لأن الدول عندما تبدأ أخذ الأمر بجدية يزداد التبني عالمياً».
لكن بودكي حذّر أيضاً من التقلبات في القرارات، مشيراً إلى أن بعض التحركات في السوق، مثل ظهور عملات "ميم كوين، قد تؤثر سلباً على الاستقرار، وتخلق مناخاً غير متوقع للمستثمرين.
ومع ذلك، يرى أن هناك فرصاً هائلة للنمو في الدول التي تعاني مشكلات اقتصادية كبيرة، إذ يمكن للعملات الرقمية أن تكون حلاً بديلاً لأنظمة مالية غير مستقرة.
*«في أماكن مثل لبنان، حيث لا يستطيع الناس الوصول إلى رؤوس أموالهم، أو زيمبابوي حيث التضخم وصل إلى 30,000%، يمكن أن توفر العملات المستقرة حلاً ثورياً.. تخيل أن يكون لديك بطاقة تتيح لك الدفع مباشرة بعملة مستقرة مربوطة بالدولار، هذا قد يكون تغييراً جذرياً في تلك الأسواق».
استثمارات سيغما كابيتال.. رهان على المستقبل؟
مع كل هذه التحولات، تستعد الشركات الاستثمارية الكبرى للاستفادة من هذه الموجة.. وتعد سيغما كابيتال من أبرز الجهات التي تراهن على الويب 3، إذ أطلقت مؤخراً صندوقاً استثمارياً بقيمة 100 مليون دولار مخصصاً لدعم الشركات الناشئة في هذا المجال.
الصندوق سيركّز على البنية التحتية للبلوكشين، والتمويل اللامركزي (DeFi)، ورموز الأصول الحقيقية (RWA)، والألعاب والميتافيرس، وهي المجالات التي يرى الخبراء أنها ستمثل الثورة القادمة في القطاع الرقمي.
وعن رؤيته للاستثمار، يقول بودكي: «نحن لا نستثمر فقط في الشركات، بل نعمل على بناء منظومة متكاملة، نستخدم استراتيجيات التمويل اللامركزي لتحقيق عوائد مستدامة، ونتعاون مع منصات كبرى مثل Polygon وMorningstar Ventures لتوسيع نطاق مشاريعنا».