موجة بيع عالمية... هل تخارج أم مجرد تصحيح؟

موجة بيع عالمية... هل تخارج أم مجرد تصحيح؟
موجة بيع عالمية... هل تخارج أم مجرد تصحيح؟
موجة بيع عالمية... هل تخارج أم مجرد تصحيح؟

خلال اليومين الماضيين، تعرضت مؤشرات الأسهم الأميركية لموجة بيع واسعة، فقد تراجع مؤشر داو جونز أكثر من 1500 نقطة، كما تبخر أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا.

لكن، هل التراجع مجرد رد فعل مؤقت على التوترات التجارية، أم أنه يعكس مشكلة هيكلية تتعلق بارتفاع تقييمات وول ستريت، وخاصة في قطاع التكنولوجيا؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

العاصفة المثالية.. عدم يقين تجاري وتقييمات مبالغ فيها

لم يكن الهبوط الحاد في الأسواق بالحدث المفاجئ للعديد من المحللين، بل جاء نتيجة عاصفة مثالية من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي اجتمعت في وقت واحد، فمن جهة تصاعد عدم اليقين بشأن مستقبل السياسة التجارية للولايات المتحدة، ويتساءل المستثمرون عما إذا كانت التهديدات الجمركية المتزايدة ستتحول إلى حرب تجارية شاملة أم أنها ستبقى ضمن نطاق المناورات التفاوضية.

ومن جهة أخرى، كانت الأسواق -وخصوصاً قطاع التكنولوجيا- تتداول عند مستويات تقييم مرتفعة تاريخياً، ما جعلها أكثر عرضة للتقلبات العنيفة، فقد أدت الطفرة في الذكاء الاصطناعي وزيادة شهية المستثمرين للمخاطر إلى تضخم أسعار أسهم شركات كبرى مثل إنفيديا، أبل، ومايكروسوفت، ووصلت تقييماتها إلى مستويات غير مستدامة وفقاً للمعايير التاريخية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الموجة الأولى من البيع جاءت كرد فعل على على اعتماد الفيدرالي على لهجة "التمهل" قبل الاستمرار في خفض الفائدة والتوترات التجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.

لكن عمليات البيع لم تتوقف عند هذا الحد، إذ جاءت رسوم ترامب الجمركية الجديدة بنسبة 50 في المئة على الصلب والألومنيوم الكنديين كعامل ضغط إضافي، وهو ما عزز المخاوف بشأن التصعيد التجاري، وزاد من عمليات البيع التي كانت قد بدأت بالفعل.

وبينما لم يكن القرار المتعلق بكندا هو المحرك الرئيسي للهبوط، إلا أنه كان آخر عوامل الضغط التي أسهمت في تسريع عمليات البيع ودفع الأسواق نحو مزيد من التراجع، في وقت كانت فيه معنويات المستثمرين هشّة بالفعل.

وقال وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق في Exness، لـCNN الاقتصادية إنه عندما ترتفع التقييمات بشكل مبالغ فيه، فإن أي شرارة يمكن أن تؤدي إلى عمليات بيع واسعة.  

من جانبه قال مروان شراب، الرئيس التنفيذي لأعمال xCube، لـCNN الاقتصادية إن البيع الذي شهدته الأسواق العالمية مرتبط بشكل كبير بالتوقعات السلبية للأداء الاقتصادي العالمي.

وأضاف شراب أن هناك مخاوف من تصاعد الحرب التجارية وتأثيرها على الإنتاج والإنفاق الاستهلاكي والتضخم، ما أدى إلى ضغط سلبي على الأسواق.

تقييمات التكنولوجيا.. هل الأسعار الحقيقية تبرر النمو؟

أسهم التكنولوجيا كانت دائماً محرك النمو في وول ستريت، لكن التقييمات المرتفعة مؤخراً أثارت قلق المستثمرين، فقد تجاوز مضاعف الربحية (P/E Ratio) لأسهم كبرى شركات التكنولوجيا متوسطاته التاريخية، ما يشير إلى تسعير مفرط مبني على توقعات مستقبلية متفائلة للغاية، وفي هذا السياق أشار مكارم إلى أن التقييمات المرتفعة تجعل الأسواق أكثر عرضة للتقلبات.

ومع بيئة اقتصادية غير مستقرة وارتفاع تكاليف الاقتراض بدأت الأسواق تطرح تساؤلات جدية: هل الصعود مبرر، أم أننا أمام فقاعة تضاهي تلك التي شهدتها الأسواق في مطلع الألفية؟

وبالفعل، مع أول صدمة خارجية –مثل التوترات التجارية الحالية– كشفت الأسواق عن هشاشتها، ولم تكن هناك مقاومة كافية لمنع الانخفاض الحاد في الأسعار، وسرعان ما انعكس تآكل الثقة في موجة بيع واسعة دفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم المخاطر المحتملة.

عاصفة مختلفة في الأسواق الخليجية.. النفط وحالة الهلع العالمية

في حين أنً الأسواق الخليجية لم تكن تعاني من مشكلة التقييمات المبالغ فيها كما هو الحال في وول ستريت، إلا أنها لم تكن في مأمن من التقلبات العنيفة التي اجتاحت الأسواق العالمية، فقد تعرضت لضغوط من نوع مختلف، حيث تزامن هبوط الأسهم مع موجة بيع حادة في أسعار النفط، ما شكل عاصفة مثالية خاصة بها.

فمع تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب التوترات التجارية، شهدت أسعار النفط انخفاضاً ملحوظاً، وتراجع خام برنت إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، وهو ما أثار مخاوف بشأن الطلب العالمي وتأثير ذلك على إيرادات الدول المصدرة.

هذا الانخفاض لم يقتصر تأثيره على أسواق النفط فحسب، بل امتد أيضاً إلى الأسواق الخليجية، التي تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، ما جعلها أكثر عرضة لموجة البيع العالمية، حتى وإن لم تكن تقييماتها مبالغاً فيها مثل نظيرتها الأميركية.

وفي هذا السياق، أوضح شراب أن أسعار النفط تعرضت لضغوط كبيرة نتيجة المخاوف من تراجع الطلب العالمي على الطاقة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصادات الكبرى مثل الصين وأوروبا، ورغم التقلبات التي شهدتها الأسواق العالمية، يرى شراب أن المحرك الرئيسي للهبوط ليس تراجع الأسهم بحد ذاته، بل الانخفاض الحاد في أسعار السلع، والذي أضاف مزيداً من الضغوط على الأسواق الخليجية.

الضغوط المزدوجة، المتمثلة في انخفاض أسعار النفط وحالة الذعر التي اجتاحت الأسواق العالمية، جعلت التراجعات في البورصات الخليجية أمراً لا مفر منه، وسارع المستثمرون إلى التخارج من الأصول الخطرة في ظل غياب أي محفزات إيجابية قريبة المدى، ومع ذلك تبقى السيولة عاملاً رئيسياً في تحديد اتجاه الأسواق الخليجية، إذ استفادت سابقاً من إدراجها في مؤشرات MSCI وFTSE، ما أدى إلى تدفقات استثمارية ضخمة، وفقاً لما أشار إليه شراب.

استراتيجيات المستثمرين وسط التقلبات الحالية

رغم التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية، لا تزال الأسواق الخليجية تحتفظ بجاذبيتها الاستثمارية، خاصة في القطاعات الدفاعية والأسهم ذات القيمة العالية، ويرى المحللون أن الفرص لا تزال متاحة، خصوصاً في الشركات التي تتمتع بعوائد مستقرة وتوزيعات نقدية قوية.

في هذا السياق، أشار مروان شراب إلى أن هذه المرحلة قد تشكل فرصة جيدة للمستثمرين، لا سيما في الأسهم ذات العوائد المرتفعة، مثل بعض البنوك وشركات العقارات الكبرى، مثل إعمار، التي تتميز بتوزيعات نقدية سخية.

من جانبه، أكد علي العدو، رئيس إدارة الأصول في Entrust Capital، أن الشركات القوية التي تتمتع بتدفقات نقدية مستقرة وتوزيعات مربحة ستظل الأكثر جذباً للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار وسط حالة عدم اليقين.

لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: هل التراجع مجرد رد فعل مؤقت على التوترات التجارية، أم أنه يعكس أزمة أعمق تتعلق بارتفاع تقييمات وول ستريت، خاصة في قطاع التكنولوجيا؟