ميتا (فيسبوك).. من غرفة نوم جامعية إلى إمبراطورية رقمية تحكم العالم

kokovlisnotitle211029_npENC

في الرابع من فبراير عام 2004، غيّر طالب جامعي يبلغ من العمر 19 عاماً وجه التواصل البشري إلى الأبد، مارك زوكربيرغ، الطالب في السنة الثانية بجامعة هارفارد، أطلق موقع "The Facebook" كوسيلة لربط طلاب هارفارد ببعضهم البعض، لم يكن يدرك حينها أن هذه الفكرة البسيطة ستتحول إلى أكبر منصة تواصل اجتماعي في العالم.

تأسس فيسبوك عام 2004 من قِبل مارك زوكربيرغ وإدواردو سافيرين ودستن موسكوفيتز وكريس هيوز، وجميعهم كانوا طلاباً في جامعة هارفارد، بدأت الفكرة بعد تجربة زوكربيرغ مع موقع "Facemash" المثير للجدل، الذي كان يقوم بترتيب صور الطلاب، ما أدى إلى مشكلات مع إدارة الجامعة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

خلال 24 ساعة من إطلاق الموقع، سجل أكثر من ألف شخص، وهذا كان مجرد البداية، بدأ زوكربيرغ بنشر فيسبوك في جامعات أخرى بمساعدة زميله في الغرفة والشريك المؤسس دستن موسكوفيتز، بدءاً من جامعة كولومبيا ونيويورك وستانفورد ودارتموث وكورنيل.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

العبقري وراء الإمبراطورية.. رحلة زوكربيرغ من المبرمج إلى الملياردير

مارك إليوت زوكربيرغ، المولود في 14 مايو 1984، لم يكن مجرد طالب عادي في هارفارد، كان شغوفاً بالبرمجة منذ صغره، وأظهر موهبة استثنائية في التكنولوجيا، كمبرمج كمبيوتر شاب، شارك زوكربيرغ في تأسيس فيسبوك مع أصدقائه في جامعة هارفارد عام 2004، وترك الجامعة لاحقاً للتركيز على الموقع.

القرار الجريء بترك هارفارد، إحدى أعرق الجامعات في العالم، أثبت أنه كان صحيحاً، منذ ذلك الحين، نما عدد مستخدمي فيسبوك إلى أكثر من ثلاثة مليارات شخص، ما جعل زوكربيرغ مليارديراً عدة مرات، هذا النمو الهائل لم يكن مصادفة، بل نتيجة لرؤية استراتيجية وقدرة على التكيف مع التغيرات التكنولوجية.

الاستحواذات الذكية.. كيف بنت ميتا إمبراطوريتها الرقمية؟

لم تكتفِ فيسبوك بكونها منصة واحدة، بل سعت لتوسيع نفوذها من خلال استحواذات استراتيجية غيّرت وجه الإنترنت، كانت صفقة استحواذ إنستغرام عام 2012 بمليار دولار مثيرة للجدل في حينها، لكنها أثبتت أنها واحدة من أذكى القرارات التجارية في تاريخ التكنولوجيا.

تبع ذلك استحواذ أكبر في عام 2014 عندما اشترت الشركة تطبيق واتساب مقابل 19 مليار دولار، في صفقة كانت الأكبر في تاريخ صناعة التكنولوجيا حينها، هذه الاستحواذات لم تكن مجرد توسعات، بل كانت استراتيجية لضمان الهيمنة على سوق التواصل الاجتماعي.

عاصفة المحاكم.. معارك قانونية تهدد عرش العملاق التكنولوجي

لكن النجاح الهائل جلب معه تحديات قانونية كبيرة، بدأت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية محاكمة مكافحة الاحتكار ضد ميتا بشأن استحواذات الشركة على إنستغرام وواتساب واتهامات بأن الشركة تحتكر سوق الشبكات الاجتماعية.

صعد الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ إلى منصة الشهود يوم الاثنين في قاعة محكمة واشنطن للدفاع عن شركة وسائل التواصل الاجتماعي من الاتهامات الفيدرالية بأن العملاق التكنولوجي يشكل احتكاراً.

هذه المعركة القانونية ليست مجرد غرامة مالية، بل تهدد بتفكيك الشركة إذا ثبتت الاتهامات، قد يضطر زوكربيرغ إلى وداع إمبراطوريته إذا نجحت لجنة التجارة الفيدرالية في إثبات أن الشركة قضت على المنافسة من خلال "الاستحواذات القاتلة".

التحول الجذري.. من فيسبوك إلى ميتا والمراهنة على المستقبل

في أكتوبر 2021، اتخذت الشركة قراراً جريئاً بتغيير اسمها من فيسبوك إلى "ميتا"، في إشارة إلى رؤيتها للمستقبل الرقمي والعالم الافتراضي، هذا التحول لم يكن مجرد تغيير اسم، بل إعادة تعريف كاملة لهوية الشركة ورؤيتها المستقبلية.

الشركة استثمرت مليارات الدولارات في تطوير تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، مراهنة على أن المستقبل سيكون في العوالم الافتراضية، لكن هذا التحول واجه تحديات كبيرة، بما في ذلك شكوك المستثمرين وبطء تبني المستهلكين للتقنيات الجديدة.

محطات مثيرة للجدل.. الفضائح التي هزت أركان العملاق

رحلة ميتا لم تكن مليئة بالنجاحات فحسب، بل واجهت فضائح عديدة هددت سمعتها، من فضيحة كامبريدج أناليتيكا التي كشفت عن استخدام بيانات ملايين المستخدمين دون علمهم، إلى اتهامات بنشر المعلومات المضللة والتأثير على الانتخابات.

في أغسطس 2024، أرسل مارك زوكربيرغ رسالة إلى جيم جوردان يشير فيها إلى أن إدارة بايدن طلبت من ميتا بشكل متكرر خلال جائحة كوفيد-19 تقييد محتوى معين متعلق بكوفيد-19، بما في ذلك النكات والسخرية، على فيسبوك وإنستغرام.

قرارات مصيرية.. إنهاء برنامج فحص الحقائق والعودة إلى الجذور

في بداية عام 2025، اتخذت ميتا قراراً مفاجئاً هز عالم وسائل التواصل الاجتماعي، وصف الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ سياسات الشركة السابقة لإدارة المحتوى بأنها "رقابة"، مكرراً نقاط النقاش من الرئيس المنتخب دونالد ترامب وحلفائه.

استشهد الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ بـ"نقطة تحول ثقافي" للانتخابات في إجراء تغييرات كبيرة على الممارسات، حيث قررت الشركة إنهاء برنامج فحص الحقائق واستبداله بنظام مجتمعي مشابه لما يستخدمه إيلون ماسك في منصة X.

أشار الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ إلى "العودة إلى فيسبوك الأصلي" كجزء من أهدافه الرئيسية لعام 2025، في محاولة لاستعادة الهوية الأصلية للمنصة التي ركزت على ربط الأصدقاء والعائلة.

الذكاء الاصطناعي والمستقبل.. رهانات محفوفة بالمخاطر

في خضم التطورات المتسارعة، تتجه ميتا نحو الاعتماد بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي، يخشى الموظفون الحاليون والسابقون في ميتا من أن الدفع الجديد نحو الأتمتة يأتي على حساب السماح للذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات صعبة حول كيفية تسبب تطبيقات ميتا في أضرار في العالم الحقيقي.

هذا التوجه نحو الأتمتة يثير تساؤلات حول قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم التعقيدات الإنسانية والثقافية، وما إذا كان بإمكانه اتخاذ قرارات أخلاقية سليمة في إدارة المحتوى.

إمبراطورية بلا حدود.. كيف تسيطر ميتا على حياتنا الرقمية؟

اليوم، تملك ميتا أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم؛ فيسبوك وإنستغرام وواتساب وثريدز، جميعها تحت مظلة واحدة، تخدم مليارات المستخدمين حول العالم. هذه الهيمنة تمنح الشركة نفوذاً هائلاً في تشكيل الرأي العام والتأثير على الحوار المجتمعي.

القوة التي تملكها ميتا تجعلها أكثر من مجرد شركة تكنولوجيا، بل لاعباً أساسياً في السياسة العالمية والاقتصاد الرقمي، قراراتها حول خوارزميات العرض والمحتوى المسموح تؤثر على مليارات الأشخاص يومياً.

التحديات المستقبلية.. بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية

تقف ميتا اليوم أمام تحديات معقدة؛ من جهة، تحتاج للحفاظ على موقعها الريادي في عالم التكنولوجيا سريع التطور، ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطاً متزايدة من الحكومات والمجتمع المدني للعب دور أكثر مسؤولية في حماية المستخدمين ومحاربة المعلومات المضللة.

المعركة القانونية الحالية مع لجنة التجارة الفيدرالية قد تعيد تشكيل مستقبل الشركة بالكامل، إذا نجحت الحكومة في تفكيك الشركة، فسيكون ذلك بمثابة نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في عالم التكنولوجيا.

إرث يتجاوز التكنولوجيا

من غرفة نوم في جامعة هارفارد إلى إمبراطورية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، قصة ميتا هي قصة التحول الرقمي للبشرية، سواء أحببنا أم كرهنا تأثير الشركة، لا يمكن إنكار أنها غيّرت طريقة تواصلنا وتفاعلنا مع العالم.

المستقبل سيحدد ما إذا كانت ميتا ستتمكن من التكيف مع التحديات الجديدة والحفاظ على مكانتها، أم أن قصتها ستكون درساً في مخاطر التركز المفرط للسلطة في يد شركة واحدة، ما هو مؤكد أن تأثير مارك زوكربيرغ وشركته على عالمنا سيستمر لعقود قادمة، سواء من خلال ميتا نفسها أو من خلال التقنيات والمفاهيم التي ابتكرتها ونشرتها في العالم.