في مشهد لم تعتده القاهرة، قدم نحو 60 من مصممي الأزياء مجموعة من إبداعاتهم في القاعة الرئيسية للمتحف المصري بميدان التحرير، لينطلق من ممرات المبنى العريق أسبوع مصر الأول للموضة بين مقصورات الدولة الحديثة وبقايا قمم الأهرامات وتحت أنظار تمثالٍ نصفي لرمسيس الثاني.
انطلقت الفعالية الجمعة بعرض أزياء ضخم في المتحف المصري في التحرير ثم امتدت ليومين إضافيين في المتحف الزراعي بالجيزة.
أوراق الملوخية والتمر بدلاً من الجعران ومفتاح الحياة
غلب الطابع المصري القديم على أعمال العديد من المصممين، لكن مجموعة منهم قررت استخدام عناصر من الثقافة والعادات الشعبية في مصر مصدر إلهام أساسياً، بعيداً عن مفاتيح الحياة وأجنحة حورس والجعارين التي أصبحت دائمة الحضور في أعمال المصممين بمصر.
فبأوراق الملوخية وعناقيد الأعناب وحبات التمر والثوم، طرزت نورهان السَكوت -التي أطلقت علامة تحمل اسم عائلتها- الفساتين والسترات الكتانية التي قدمتها.
كان الكتان الخامة الرئيسية التي استخدمها المصريون القدماء في ألبستهم، فالقطن الذي عرفته مصر وشيدت به ثروتها الاقتصادية في القرن الماضي لم تدخل زراعته إلا في عصر محمد علي باشا والي مصر قبل نحو مئتي عام.
خطوات بطيئة نحو الاستدامة
وقالت السكوت في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، إنها تتبنى مدرسة الموضة البطيئة (Slow Fashion)، «وهي الموضة التي اتبعتها جدتي والمبنية على التطريز اليدوي والتصميم الخاص قبل دخول الموضة السريعة وخطوط الإنتاج الكبيرة التي طغت منذ تسعينيات القرن العشرين، فجعلت كل الناس يرتدون ألبسة متماثلة. أود العودة إلى هذه الروح القديمة، لكن بالشكل الذي يتناسب مع عالمنا الجديد».
تعتمد السكوت على الأقمشة المهملة أو الألوان التي لم تلقَ رواجاً في موسم طرحها، وهو ما يمنحها الفرصة في حياة جديدة.
وهي تجتهد كذلك في تصميماتها لتقديم قطع من الممكن أن يرتديها العميل بأكثر من طريقة لتحقيق قدر من الاستدامة، وعلى سبيل المثال، قدمت السكوت فستاناً في العرض الافتتاحي يمكن ارتداؤه بست عشرة طريقة مختلفة.
وضم العرض الافتتاحي لأسبوع الموضة المصري أعمالاً لأربعة مصممين أعضاء في تحالف الأزياء المستدامة، وهي رابطة رقمية تضم نحو ألف عضو من دول شمال إفريقيا.
خطوات نحو ملابس تحترم أسس التجارة العادلة
علي النواوي مصمم مصري وعضو بهذا التحالف الرقمي، ترك عمله في مجال الصحة العامة في إحدى المنظمات الأممية، وأسس علامته «Sacer» أو «مقدس» المبنية على الاستدامة بشكل كلي.
يقول «نحن حريصون على أن نستخدم المواد البكر مثل القطن المصري الحيوي، والذي تتم زراعته دون استخدام كيماويات أو مبيدات بفصائل غير نهمة في استهلاك المياه، ونستخدم لصباغتها ألواناً غير مضرة بالبيئة، بالإضافة إلى حصول العاملين على أجور عادلة وألا يتم استخدام عمالة الأطفال في أي مرحلة».
لا توجد إحصاءات حديثة عن حجم عمالة الأطفال في مصر، لكن موسم جني القطن يعتمد بشكلٍ ملحوظ منذ دخول زراعة القطن إلى مصر على عمالة الأطفال، حيث إن أيديهم الصغيرة تستطيع الوصول إلى زهرة القطن وقطف أليافه دون إحداث ضرر بفروع شجيراته.
يجمع النواوي كذلك قصاصات وبواقي مصانع الملابس ثم يستخدمها بعد ترقيتها بشكلٍ يختلف عن الهدف الأصلي الذي قُصت من أجله، وقال «إعادة استخدام الأقمشة الهالكة من فضلات المصانع أمر مهم بالنسبة لنا، فقطعة القماش اللازمة لتفصيل قميص تستهلك نحو 80 لتراً من الماء النظيف، يجب أن نساهم بتقليل الماء المهدر في صناعة الملابس».
تبيع «Sacer» منتجاتها بشكل رئيسي في مصر والولايات المتحدة، ويطمح النواوي إلى التوسع في أسواقٍ جديدة.
يقام أسبوع الموضة المصري تحت رعاية وزارتي التخطيط والتنمية الاقتصادية، والزراعة واستصلاح الأراضي، وبالشراكة مع «Launchmetrics» التي تؤمّن نقلاً مباشراً لحفل الافتتاح وعروض الأزياء.
ووُجهت دعوات أيضاً لأكثر 500 شخصية نفوذاً في صناعة الأزياء، والذين وردت أسماؤهم في قائمة كانت قد نشرتها مجلة Business of Fashion»«، إضافة إلى خبراء أوروبيين وأميركيين.
وقال رجل الأعمال بول أنطاكي، مؤسس وعضو مجلس إدارة المؤسسة المصرية للأزياء والموضة (EFDC)، في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، قبل دقائق من انطلاق الحدث الذي وضعته مصر على خريطتها السياحية، «أتوقع نجاح النسخة الأولى من الأسبوع المصري الأول للموضة، لكنني أنتظر النهاية لأعرف كم حققنا من أهدافنا، ربما سنحقق 80 أو 70 في المئة من أهدافنا، أو أقل ربما، هذا لا يهم، لكن من المهم أن تحرز النسخة القادمة نجاحاً أكبر».