يعود مؤشر الأسهم الأول في لندن إلى الحياة بعد أن أدار المستثمرون ظهورهم لشركات التكنولوجيا الكبرى لصالح أسهم الشركات التقليدية مثل البنوك والنفط والتعدين.
ووصل المؤشر البريطاني الرئيسي «فايننشال تايمز 100»، والذي تقدر القيمة السوقية لشركاته بنحو تريليوني دولار، إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 8013 نقطة يوم الخميس، محققًا ثامن إنجاز له من نوعه في غضون أسبوعين.
ورغم تراجعه قليلاً يوم الجمعة، فمازال أعلى نحو 17 في المئة فوق أحدث مستوى متدنٍ له، والمسجل في أكتوبر تشرين أول.
عودة الديناصور
التطور المبهج فاجأ العديد من المستثمرين، بعد أن كان المؤشر موضعاً للسخرية من قبل بعض المستثمرين والمحللين باعتباره «ديناصوراً» يتجه نحو الانقراض، وكونه مثقلًا بأسهم الاقتصاد القديم – مثل شركات التمويل والسلع الأولية الكبرى – التي تسهم بالجزء الأكبر من قيمته.
ويرى المحللون أن عودة «فايننشال تايمز 100» تشير إلى تحول واسع النطاق بين المستثمرين، حيث الشهية متزايدة لأسهم “القِيمة” – تلك التي يُنظر إليها على أنها متداولة دون قيمتها الحقيقية – في الوقت الذي تتراجع فيه أسهم شركات التكنولوجيا عالية النمو.
لم يكن الأمر كذلك على الدوام. فمؤشر بورصة لندن الرئيسي ارتفع لأكثر من مثليه منذ الأزمة المالية العالمية في 2009، لكن هذا يتضاءل مقارنة بالمؤشر «ستاندرد أند بورز 500» الأمريكي، الذي ارتفع لأكثر من أربعة أمثاله، والمؤشر «ناسداك»، الذي قفز بنسبة ألف في المئة على مدار تلك الفترة.
و«فايننشال تايمز 100» ليس دليلا على أداء الاقتصاد البريطاني، الذي يتأرجح على شفا الركود، لأن شركات المؤشر تحقق معظم إيراداتها في الخارج.
اضطراب في تكوين مؤشرات الأسهم؟
وتفسر طبيعة الشركات التي يتألف منها «فايننشال تايمز 100» ذلك الانتعاش الذي يشهده المؤشر.
فرغم أن مزيج الشركات «تقليدي أكثر»، فإن هذا لا يعني أنها «ديناصورات»، كما يقول آندي غريفيث، المدير التنفيذي لـ«انفستور فورم»، وهي مجموعة تمثل مستثمرين في الأسهم البريطانية. وقال لـCNN «يعني هذا أن هناك اضطراباً أقل في مكونات المؤشر مقارنة بآخرين» مثل المؤشر «ناسداك».
وبعبارة أخرى، تُعتبر أسهم الشركات الكبرى في القطاعات «الآمنة» – تلك التي تقدم السلع أو الخدمات الأساسية والتي تولد دخلاً موثوقاً للمستثمرين من خلال الأرباح الموزعة عليهم – رهاناً أفضل في الوقت الحالي من شركات التكنولوجيا المٌثقلة بالديون، والتي تقدم خدمات من المرجح أن يهجرها المستهلكون في أوقات الضغوط الاقتصادية.
نهاية عصر «الأموال الرخيصة»
بعد أداء قوي في 2021، تراجع «ستاندرد أند بورز 500» أكثر من 19 في المئة العام الماضي، وهو أسوأ أداء له منذ العام 2008. أما المؤشر «ناسداك»، المفضل للمستثمرين منذ طفرة شركات التكنولوجيا منتصف العقد الثاني من الألفية الجديدة، فهبط بمقدار الثلث تقريباً.
وتعثرت بعض أسهم الشركات الكبرى على غرار «أبل»، التي انخفض سهمها بنسبة 16 في المئة منذ أن بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في يناير كانون الثاني 2022، في حين هوت أسهم «ميتا»، مالكة «فيسبوك»، 55 في المئة منذ ذروتها القياسية المسجلة في سبتمبر أيلول 2021. وأعلن عمالقة تكنولوجيا آخرون – مثل «ألفابت» و«أمازون» و«مايكروسوفت» – عن تسريح آلاف العاملين في الأسابيع الأخيرة.
وفي حين انتعش المؤشران الأمريكيان قليلاً عقب خسائرهما الكبيرة في العام الماضي، فإن أحد أبرز العوامل التي تكبح أداءهما – أسعار الفائدة المرتفعة – من المرجح أن يراوح مكانه. فقد قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، الأسبوع الماضي إن البنك المركزي سيبقي على أسعار الفائدة مرتفعة لبعض الوقت، رغم تراجع التضخم قليلاً في الأشهر الأخيرة.
استفادت شركات التكنولوجيا كثيراً من تدني أسعار الفائدة لأكثر من عشر سنوات. ويرجع ذلك إلى انخفاض عوائد السندات الحكومية أيضاً عند تراجع أسعار الفائدة.
يعزز ذلك نهم المستثمرين للأصول عالية المخاطر، مثل أسهم شركات التكنولوجيا الصغيرة أو تلك المثقلة بالديون، والتي قد تحقق عوائد مذهلة في المستقبل. لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، فإن توقعات الأرباح تنخفض، مما ينال من إغراء الشركات عالية المخاطر.
لقد غير نهاية عصر «الأموال الرخيصة» حسابات المستثمرين، حسبما قال جريفيث، إذ زادت تكلفة الاستدانة. وقال «أوضاع العالم تغيرت تغيراً جذرياً.. كان من السهل للغاية تمويل الشركات غير الرابحة عبر الاستانة على مدى عشر سنوات إلى 15 عاماً مضت».
توزيعات أرباح الشركات
بالنسبة للمؤشر «فايننشال تايمز 100»، كانت القصة مختلفة.
فقد عزز ارتفاع أسعار الفائدة أرباح البنوك الكبرى، في حين أدت أسعار النفط والغاز إلى أرباح مذهلة لمنتجي الطاقة عقب صعود الأسعار في خريف 2021 لتبلغ أعلى مستوياتها في عدة سنوات إثر اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير شباط 2022.
وتضاعفت الأرباح السنوية لكل من «بي بي» و«شل»، المدرجتين على «فايننشال تايمز 100»، في العام الماضي لتصل مجتمعة إلى 68 مليار دولار. وقفزت أسهمهما 46 و24 في المئة على الترتيب منذ نشوب الحرب.
وقال ماكس نيومان، مدير المحفظة في بنك الاستثمار «جوليوس باير انترناشونال»، متحدثا لـCNN، إن إعادة فتح الصين لاقتصادها في ديسمبر كانون الأول بعد أكثر من ثلاث سنوات من القيود بسبب الوباء عززت أيضاً التوقعات بشأن أداء شركات التعدين الكبرى.
وقال مايكل هيوسون، كبير محللي الأسواق في «سي ام سي ماركتس»، في مذكرة الأسبوع الماضي إن المؤشر البريطاني «غير المحبوب في كثير من الأحيان» قد عاد إلى نطاق اهتمام المستثمرين مرة أخرى.
وكتب يقول «في هذه الحقبة الجديدة من ارتفاع أسعار الفائدة… استعاد [مؤشر] الشركات الكبرى البريطاني شعبيته، ليس فقط لمزاياه الآمنة، ولكن أيضاً لقدرة شركاته على توليد دخل للمساهمين».
وقال هيوسون إن توزيعات أرباح «فايننشال تايمز 100»، أو متوسط العائد السنوي الذي يمكن أن يتوقعه المستثمر كنسبة من إجمالي حيازاته، أعلى بشكل عام من عائد «ستاندرد أند بورز 500» أو «ناسداك».
وفي الوقت الحالي، يبلغ عائد المؤشر البريطاني 3.8 في المئة، بينما يبلغ عائد «ستاندرد أند بورز 500» نحو 2.1 في المئة و«ناسداك» 1.5 في المئة.
غير أن غياب أسهم شركات التكنولوجيا قد يعود لمطاردته لاحقا، فور تراجع التضخم وأسعار الفائدة. ومنذ أغسطس آب، تراجعت أسعار بيع الغاز في سوق الجملة، والتي عززت أرباح منتجي الطاقة، إلى مستويات ما قبل الحرب.
وقالت سوزانا ستريتر، كبيرة محللي الاستثمار والأسواق في «هارجريفز لانسداون»، متحدثة إلى CNN «ثمة رياح قلق جديدة تهب حول مدى استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة».
(آنا كوبان وجوليا هورويتز – CNN)