تُعد الشركات الناشئة في تكنولوجيات المناخ حجر الزاوية لتقديم حلول تعالج انبعاثات الكربون وتحد من التغير المناخي.

وكشف تقرير أصدرته شركتا برايس ووتر هاوس كوبرز (بي دبليو سي) واستراتيجي أند، بعنوان «فيوتشر 50 لخفض صافي انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر» أن 50 شركة عربية ناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ من بين أكثر من 500 شركة تقود دفع عجلة الابتكارات التي تركّز على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ومعالجة تداعيات الاحتباس الحراري في مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المنطقة.

واعتمد التقرير في عملية الاختيار على معايير الابتكار والاستدامة والتأثير والحلول المحلية الصنع والجدوى الاقتصادية.

ويرى يحيى عانوتي، شريك في استراتيجي أند ورئيس منصة الاستدامة في بي دبليو سي، أن أزمة المناخ تستشري، مستشهداً بوصف البنك الدولي إياها بأنها أكبر فشل يشهده التاريخ الحديث.

لكن الأمر السار من جهة ثانية يكمن في الدور القيادي الذي تضطلع به شركات تكنولوجيا المناخ والمنطقة لتغير قواعد اللعبة وتحويل الفشل إلى قصة نجاح، على حد قوله.

تدفق خارجي للاستثمار.. والسبب

ألقت الأزمات الاقتصادية والتقلبات السياسية بظلالها على بيئة الاستثمار في شركات تكنولوجيا المناخ على المستوى العالمي والعربي، ولو أن نسبة التراجع الذي شهدته (43 في المئة) تبقى أقل من نسبة التراجع في حجم الاستثمار في الشركات الناشئة عموماً (50 في المئة).

وسجل إجمالي التدفق الاستثماري العربي في تكنولوجيا المناخ على مستوى العالم خمسة مليارات دولار حتى سبتمبر أيلول 2023، أي أكثر بثلاث مرات تقريباً من عام 2022 مع تكثيف الإنفاق في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا.

وانحسرت قيمة الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط بما نسبته اثنان في المئة فقط من إجمالي تدفقات رؤوس الأموال العربية ولم يتجاوز عتبة الـ69 مليون دولار.

ويقول أحمد الصيدلاني، الرئيس التنفيذي لشركة رووتز فنتشرز، إن تكنولوجيا المناخ ما زالت في بداياتها في المنطقة، والبحث عن الابتكار والتقنيات المتقدمة هو السبب الرئيسي الذي يوجّه بوصلة الاستثمار الى الخارج بهدف الاستثمار فيها وجلبها إلى المنطقة.

وهبط الاستثمار في تكنولوجيا المناخ في الشرق الأوسط بأكثر من 80 في المئة ليصل إلى 152 مليون دولار أميركي في عام 2023 بعد أن سجّل نحو مليار دولار خلال العام الماضي، وانخفض عدد الصفقات إلى 52 من 139، كما هبط عدد الشركات الناشئة والمستثمرين الفريدين إلى أدنى مستوى له منذ خمس سنوات.

الأكثر تلويثاً يتصدر

وأشار التقرير إلى أن التكنولوجيات الجاذبة للاستثمار هي القطاعات الأكثر إنتاجاً لانبعاثات الكربون كالطاقة والنقل، بينما تأتي الزراعة والغابات واستخدام الأراضي بعد ذلك.

ولفت التقرير إلى ضرورة الاستثمار المستمر واسع النطاق في البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك الهيدروجين الأخضر والانبعاثات المنخفضة لوضع الشرق الأوسط في مكانة رائدة لا سيما أن المنطقة تتحلى بتنافسية عالية نظراً لديمومة مصادر الطاقة المتجددة وأسعار الطاقة التي هي أقل بالنصف تقريباً عن مثيلاتها في دول العالم.

ودعا التقرير إلى تحفيز وتسريع نشر مواد أقل كثافة للكربون في المواد وتقنيات البناء، من خلال خلق مصادر الطلب والمشتريات للمبتكرين لا سيما أن ميزانيات مشاريع البناء الكبرى في المنطقة تصل إلى تريليوني دولار.

الحلقة المفقودة

وشددت سونيا وايمولر، شريك مؤسس في فينتشر سوق، على أن الحاجة تكمن في تطوير وتثقيف المستثمرين، قائلةً «نحن بحاجة إلى تثقيف المستثمرين بكيفية رعاية الجيل القادم من مخصصي رأس المال من دول مجلس التعاون الخليجي، وصناديق الثروة السيادية، والمكاتب العائلية، والشركات التي لديها ميزانيات للمناخ».

وأضافت «أعتقد أن الأشخاص الذين يتحدثون عن استعادة الثقة في بيئة الاستثمار، بحاجة لرؤية دراسات الحالة، وأيضاً أمثلة للشركات التي تقوم بذلك، وغيرها من الشركات القابلة للنمو».

وأشار التقرير إلى أنه بينما يعمل اللاعبون في الشرق الأوسط على زيادة الإنفاق على التكنولوجيا المناخية، فإن «بإمكانهم فعل المزيد من أجل تمويل رواد الأعمال المحليين، الذين أصبحوا الآن الحلقة المفقودة في استراتيجيتهم، لمساعدة الشركات الناشئة الإقليمية».

قال جون بلاكبيرن، الشريك في قطاع خدمات الطاقة والمرافق والموارد والصناعات في بي دبليو سي الشرق الأوسط، «يعتبر رواد الأعمال الذين يشكّلون جزءاً من مبادرة (فيوتشر 50) أن التعقيدات القانونية والتنظيمية التي يواجهونها في توسيع أعمالهم في المنطقة عقبة رئيسية تحول دون استقطاب المواهب، وتطوير المنتجات، وإنشاء العلامات التجارية».

كما أشار بلاكبيرن إلى أن ندرة المستثمرين والحجم المحدود للسوق في الشرق الأوسط يُعدان من أكبر التحديات التي ذكرها رواد الأعمال، والتي تؤدي إلى منافسة مباشرة مع الشركات العالمية الأكبر العاملة في المجال نفسه.

وأوصى التقرير بتوسيع نطاق الابتكارات وتعزيز مختبرات البحث والتطوير وتعزيز المحفزات وتحفيز الطلب على المنتجات المبتكرة والخدمات من خلال ترتيبات الشراء وغيرها من التدابير التي من شأنها تشجيع رأس المال الخاص على لعب دور أكبر في تطوير تكنولوجيا المناخ الإقليمية وتقليل المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون لخلق نظام بيئي متكامل لريادة الأعمال.