تتنامى نسبة الشركات التي تتعرض لضغوط مالية خلال السنوات الثلاث الماضية، في ظل أعباء الارتفاع في أسعار الفائدة، ووصلت نسبة الشركات التي تعاني من ضعف في ميزانيتها أو من ضعف في الأداء إلى 9.8 في المئة مقارنة بـ8.6 في المئة خلال عام 2022، وفق تنبيه الاستغاثة (ADA) الخاص بشركة الفاريز آند مارسال.

ويقول أوليفر كارتر، المدير التنفيذي في شركة إف تي آي كونسلتينغ في الشرق الأوسط «من الواضح أن رفع المصارف المركزية أسعار الفائدة يضع مزيداً من الأعباء على الشركات التي لديها مستويات عالية من الاستدانة، وبالتالي تصبح خدمة الدين أكثر صعوبة على هذه الشركات».

ورجّح كارتر أن يكون هذا سبباً محتملاً للزيادة في عمليات إعادة الهيكلة عالمياً، مشدداً على أن سوق الشرق الأوسط ليست بمنأى عن ذلك، لا سيما مع ما تشهده هذه السوق من نمو وتغير كبيرين من حيث التنمية و التنوع الاقتصادي.

وأكد استبيان ألفاريز آند مارسال حول التحول وإعادة الهيكلة في الشرق الأوسط للربع الأول من عام 2023، أن «89 في المئة من غالبية المشاركين يتوقعون زيادة في عدد الشركات التي ستعاني من تعثر بين عامي 2023 و2024، ويرون أن هناك حاجة إلى تدخل الخبراء ضمن المجالات الرئيسية التي تشمل إدارة السيولة وتخفيض المصاريف وكفاءة رأس المال وتحسين الهامش».

حجم سوق واعد

تُقدر قيمة القروض المتعثرة في مصارف دول مجلس التعاون بنحو 50 مليار دولار، أي 2 في المئة من قيمة الموجودات في المصارف العاملة في المنطقة.

ويثير هذا الواقع شهية الشركات العالمية الناشطة في صناديق الديون التي افتتحت مؤخراً مقرات إقليمية لها في المنطقة، مثل سي أس لوي وبليانسي لإدارة الثروات وميللينيوم مانجمينت وإزودس بوينت كابيتل وبلو كرست كابيتل مانجمنت.

هذا إلى جانب تعزيز نشاط الائتمان الخاص في الشرق الأوسط، الذي نما بنسبة 30 في المئة عام 2022، ليلامس عتبة 20 مليار دولار، وفق الجمعية العالمية لرأس المال الخاص.

لا تزال وتيرة صفقات شراء الديون أو إعادة هيكلة الشركات متواضعة في المنطقة، فالسوق لا تزال وليدة «وهي من الأدوات المالية المطلوبة لتطور السوق المالية في الشرق الأوسط».

الفوائد المرجوة

شكّل بيع بنك أبوظبي الوطني محفظة الديون المتعثرة إلى شركة الاستثمار الأميركية دايفيدسون كمبنر (Davidson Kempner) بقيمة 1.1 مليار دولار، خطوة سباقة في إظهار رغبة لدى المصارف في تبني التنوع في الأدوات المالية لتسييل قيمة الأصول وتوفير المزيد من السيولة.

وتتمثل الفوائد بالنسبة للمصارف في بيع القروض المتعثرة، كما فصلها كارتر في تعزيز القدرة على تسييل الأصول في الميزانية العمومية، كما يستفيد بعض مشتري الدين في حال كانت قيمة البيع أعلى من القيمة الدفترية في الميزانية العمومية، وشرح أن من شأن اعتماد هذه الأدوات تنظيف الميزانية العمومية للبنوك وتحسين نسبة القروض المتعثرة.

وأضاف كارتر أن هناك منافع أخرى يستفيد منها المصرف، كتحرير وقت إدارة متابعة للقروض غير المطابقة التي تتطلب إعادة الهيكلة أو الاسترداد.

وفيما يتعلق بنوع المعاملات الائتمانية الفردية، «فإن البائع قادر على إنقاذ الموقف، وفي كثير من الأحيان يمكن أن يؤدي إدخال مستثمر ثانوي إلى جلب وجهات نظر جديدة إلى الوضع المتعثر أو إعادة الهيكلة، وغالباً ما يكون مع القدرة على توفير رأس مال جديد منقذاً لحالة التعثر»، كما شرح كارتر.

بيئة قانونية قيد التطوير

وحول ما إذا كانت هناك أرضية صلبة لشراء الديون المتعثرة في أسواق المنطقة، أجاب شين جوري، رئيس قسم النزاعات التجارية في الشرق الأوسط لدى آدلشو جودارد للاستشارات القانونية، قائلاً إن هناك «تحسينات تشريعية دراماتيكية وفي الاتجاه الصحيح» شهدتها الإمارات والسعودية.

وأصدرت السعودية ثلاثة قوانين جديدة لدعم نظام الإفلاس لديها، بما في ذلك قاعدة بشأن الإعسار عبر الحدود في 16 ديسمبر كانون الأول، وقانون الشركات المحدث في يوليو تموز الماضي، وقانون الأدلة الجديد في يناير كانون الثاني 2022، وأشار إلى أن هناك قانوناً آخر هو قانون الأضرار والممتلكات قيد التنفيذ.

وأضاف أنه ولأول مرة، هناك محكمة إفلاس مخصصة يرأسها قاضي محكمة الاستئناف، وقال «وجود محكمة متخصصة تفهم القانون والإجراءات في هذا المجال أمر بالغ الأهمية وسيؤدي إلى تحسن هائل في ممارسة الإفلاس وإعادة الهيكلة».

كما شرح جوري أن هناك تركيزاً متزايداً على إعادة تأهيل المدينين في القانون الجديد، « ضمن عملية تسوية محمية جديدة ومحسنة، وهي أداة أكثر مرونة ونأمل أن تسمح لمزيد من المدينين بالتعافي من الضائقة المالية الصعبة بدلاً من الدخول في إجراءات إعادة الهيكلة الرسمية الكاملة أو الإفلاس».

وشدّد جوري على أن «إدخال بند التمويل النقدي الجديد -المعترف به في القانون- يمكّن المدينين الذين يمرون بظروف مالية صعبة من الاستفادة من التمويل الجديد للخروج من الأزمة».

وفيما يتعلق بحالات التعثر العابر للحدود، شرح جوري أنه في العام الماضي تم إدخال نظم التعثر العابر للحدود في السعودية التي سهلت الاعتراف بإجراءات الإفلاس العابر للحدود، مناشداً المنظمين في الإمارات تبني هذا النهج.

يذكر أن السعودية شهدت 135 عملية إعادة هيكلة مالية منذ عام 2019، مع التصديق على 43 مقترحاً جديداً العام الماضي بموجب قانون الإفلاس الجديد، وفق تصريحات سابقة لعبدالله المغيرة، الأمين العام للجنة الإفلاس في السعودية.

كما جرت عدة عمليات إعادة هيكلة كمجموعة الرعاية الصحية إن إم سي (NMC) والمجموعة الاستثمارية ذات الصلة كي بي بي أو (KBBO) في الإمارات ومجموعة الإنشاءات أزميل (Azmeel Contracting) وتكتل أحمد حمد القصيبي وإخوانه (AHAB) في المملكة العربية السعودية.