في إطار توطيد العلاقات الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات بزيارة مهمة إلى واشنطن، حيث تمحورت المناقشات حول عدد من القضايا الحيوية، وعلى رأسها استكشاف الفضاء.

تأتي هذه الزيارة ضمن رؤية الإمارات لتحقيق تنويع اقتصادي قائم على المعرفة والابتكار، ويعد قطاع الفضاء من أبرز الأدوات التي تعتمد عليها الدولة لتحقيق هذه الرؤية الطموحة.

الشراكة الإماراتية الأميركية في مجال الفضاء: ركيزة أساسية للتنمية

منذ تأسيس وكالة الإمارات للفضاء في عام 2014، شهدت العلاقات الإماراتية الأميركية في مجال الفضاء تطوراً مستمراً، حيث أصبحت الشراكة بين البلدين ركيزة أساسية في تعزيز طموحات الإمارات في هذا القطاع، أحد أبرز مظاهر هذا التعاون كان توقيع اتفاقية إطار التعاون في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي في عام 2016 بين وكالة الإمارات للفضاء ووكالة ناسا، وتعد هذه الاتفاقية الأساس القانوني والتقني للتعاون بين الجانبين في مجالات متعددة مثل البحث العلمي، استكشاف الفضاء الخارجي، وتطوير الأقمار الصناعية.

عامر الصايغ الغافري، مساعد المدير العام للهندسة الفضائية في مركز محمد بن راشد للفضاء، أكد في حديثه لـCNN الاقتصادية أن «التعاون الإماراتي الأميركي في مجال الفضاء هو نموذج للشراكة الاستراتيجية التي تعزز من قدرة الإمارات على تطوير مشاريع فضائية طموحة»، وأضاف: «منذ توقيع اتفاقية التعاون في 2016، شهدنا تحقيق إنجازات مشتركة في تطوير الأقمار الصناعية والأنظمة الفضائية التي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد المعرفي لدولة الإمارات».

«اتفاقيات أرتميس» خطوة نحو استكشاف القمر والمريخ

في أكتوبر 2020، انضمت الإمارات إلى اتفاقيات أرتميس التي تقودها وكالة ناسا، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في استكشاف القمر والمريخ، تأتي هذه الاتفاقيات في إطار جهود دولية لتطوير محطات فضائية دائمة على القمر كخطوة تمهيدية لاستكشاف الكواكب الأخرى، ولا سيما المريخ.

وفي هذا السياق، قال إبراهيم حمزة القاسم، نائب المدير العام لوكالة الإمارات للفضاء لـCNN الاقتصادية: «انضمام الإمارات لاتفاقيات أرتميس يعكس التزام الدولة بالمشاركة الفاعلة في الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء، نهدف من خلال هذا التعاون إلى تعزيز قدراتنا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والحوكمة الفضائية، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تطورات في تقنيات استكشاف الفضاء»، وأضاف: «نحن فخورون بدور الإمارات كأحد الشركاء الرئيسيين في هذا المشروع العالمي».

رواد الفضاء الإماراتيون.. إنجازات بالتعاون مع ناسا

من أبرز نتائج الشراكة الإماراتية الأميركية في مجال الفضاء هو تدريب رواد الفضاء الإماراتيين على يد وكالة ناسا، فقد حققت الإمارات إنجازات مهمة في هذا المجال، كان أبرزها مشاركة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في مهمة Crew-6 التابعة لناسا إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2023، هذه المشاركة كانت تتويجاً للتعاون الوثيق بين الجانبين، حيث استمرت مهمة النيادي لمدة ستة أشهر، تخللها إجراء تجارب علمية وبحثية مهمة بالتنسيق مع خبراء ناسا.

وكانت هذه المهمة امتداداً لمشاركة الإمارات في برامج ناسا السابقة، حيث كان هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي ينطلق إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2019، وفي هذا الصدد أشار عامر الصايغ الغافري إلى أن برامج تدريب رواد الفضاء الإماراتيين مع ناسا تمثل خطوة مهمة في تطوير القدرات الفضائية لدولة الإمارات.

نحن لا نهدف فقط إلى إرسال رواد فضاء إلى الفضاء، بل نركز على بناء كوادر علمية وتقنية قادرة على قيادة مشاريع فضائية مستقبلية.

«مسبار الأمل» ومشاريع استكشاف المريخ

حقق برنامج الفضاء الإماراتي قفزة نوعية بإطلاق مسبار الأمل في عام 2020، وهو أول مهمة عربية تصل إلى كوكب المريخ، وجاء هذا الإنجاز بالتعاون مع مؤسسات علمية وبحثية أميركية مثل جامعة كولورادو بولدر وجامعة ولاية أريزونا، وقد قدمت هذه المؤسسات الدعم الفني والعلمي للمسبار، ما أسهم في نجاح المهمة التي تهدف إلى دراسة الغلاف الجوي للمريخ.

وفي حديثه عن هذا التعاون، قال إبراهيم القاسم إن مسبار الأمل يمثل نقطة تحول في تاريخ استكشاف الفضاء العربي، وقد تم تطويره بالتعاون الوثيق مع شركائنا في الولايات المتحدة. وأضاف أن هذا المشروع يعزز من قدرات الإمارات في مجال البحث العلمي الفضائي ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مشاريع مستقبلية.

وأضاف القاسم: «نتطلع إلى مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة في مشاريع استكشاف الكواكب الأخرى، بما في ذلك مشروع استكشاف حزام الكويكبات الذي نخطط لإطلاقه في المستقبل القريب».

استثمارات الإمارات في قطاع الفضاء.. نحو اقتصاد معرفي

بلغت الاستثمارات الإماراتية في قطاع الفضاء أكثر من 6 مليارات دولار، وتتنوع هذه الاستثمارات بين مشاريع الأقمار الصناعية، والاتصالات الفضائية، واستكشاف الأرض والفضاء، هذه الاستثمارات لا تعزز فقط من مكانة الإمارات كدولة رائدة في مجال الفضاء، بل تسهم أيضاً في تحقيق أهدافها الاقتصادية الطموحة.

وفي هذا السياق، تم الإعلان مؤخراً عن اندماج شركتين من أبوظبي، وهما «بَيانَت» المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والياه سات «للاتصالات الفضائية، لتشكيل كيان جديد تحت اسم Space42، يهدف هذا الكيان إلى تطوير حلول فضائية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتوسع عالمياً، وقال كريم الصباغ، العضو المنتدب لشركة Space42، في حديثه لـCNN الاقتصادية: «تشكيل Space42 هو خطوة استراتيجية نحو تعزيز قدرات الإمارات في مجال التكنولوجيا الفضائية، نحن نركز على الدمج بين قدرات الذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية، ونسعى لتوسيع نطاق عملياتنا على المستوى العالمي بالتعاون مع شركائنا الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة».

شركة «فضاء» التابعة لمجموعة «إيدج»: تعزيز القدرات الفضائية

إلى جانب هذه الاستثمارات، أعلنت مجموعة إيدج الإماراتية عن إطلاق شركة «فضاء» المتخصصة في قطاع الفضاء، تهدف هذه الشركة إلى تعزيز القدرات الفضائية لدولة الإمارات من خلال تطوير حلول فضائية متقدمة بالتعاون مع الشركاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

آفاق التعاون المستقبلي

تتطلع الإمارات إلى مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات البحث العلمي وتطوير تقنيات الفضاء، ففي ظل التطورات السريعة التي يشهدها هذا القطاع على المستوى العالمي، تسعى الإمارات إلى أن تكون جزءاً من الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء وتعزيز الحوكمة الفضائية.

وختم إبراهيم القاسم حديثه قائلاً: «نحن ملتزمون بمواصلة الشراكة مع الولايات المتحدة لتحقيق أهدافنا الطموحة في مجال الفضاء، هذه الشراكة لا تقتصر على المشاريع الحالية، بل تتطلع إلى المستقبل حيث نسعى لتعزيز دور الإمارات في الاستكشاف الفضائي وتطوير التكنولوجيا الفضائية بما يخدم الأجيال القادمة».