أصبحت الإمارات، ودبي تحديداً، واحدة من الوجهات الأكثر جذباً للشركات العالمية والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، هذه المكانة المتقدمة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة لرؤية استراتيجية وخطط تنموية شاملة تهدف إلى تعزيز بيئة الأعمال وتوفير الفرص للاستثمار في مجالات متعددة، بدءاً من التكنولوجيا والطاقة وصولاً إلى القطاع المالي والعقاري.
وفقاً لتقرير هينلي، يتوقع أن تشهد الإمارات تدفقاً صافياً قدره 6,700 مليونير بحلول نهاية عام 2024، وهو ما يعكس بيئة الأعمال المزدهرة وجاذبية الدولة للمستثمرين.
الإمارات ملاذ الرحالة الرقميين والمديرين التنفيذيين
منذ جائحة كورونا، شهد العالم تحولات كبيرة في طريقة العمل، حيث أصبح العمل عن بُعد والنظام الهجين هما الأسلوب الأكثر شيوعاً بين العديد من المديرين التنفيذيين، وتعد الإمارات -وخاصة دبي وأبوظبي- الوجهة الأكثر جاذبية لهذه الفئة، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتطورة وارتفاع جودة الحياة.
وفقاً لأبحاث شركة «سافيلز» للعقارات، تحتل دبي وأبوظبي مكانة متقدمة بين الأسواق العقارية العالمية التي تلبي احتياجات العمال الرقميين على المدى الطويل، يستفيد هؤلاء المديرون من الربط الجوي القوي والبنية التحتية الحديثة، ويقول «سافيلز» في تقريره إن الإمارات أصبحت ملاذاً للمديرين العاملين في قطاعات مثل التمويل والاستشارات.
من جانبه، يشير تقرير «جي بي مورغان تشيس»، أكبر بنك في الولايات المتحدة، إلى أن البنك يعتزم توسيع فريقه من المصرفيين في الإمارات لدعم أعمال إدارة الثروات في منطقة الشرق الأوسط، هذا التوجه يعكس النمو الكبير في عدد الأثرياء الذين يستقرون في الإمارات، وهو ما يمثل حافزاً قوياً لجذب الشركات والمؤسسات المالية إلى المنطقة.
سياسات حكومية جاذبة للاستثمار
إلى جانب البنية التحتية المتطورة، أسهمت السياسات الحكومية المبتكرة في جعل الإمارات وجهة مفضلة للمستثمرين والشركات. من أبرز هذه السياسات تسهيل إجراءات منح التأشيرات طويلة الأجل، مثل التأشيرة الذهبية لمدة عشر سنوات، هذه السياسات أدت إلى زيادة عدد الرخص التجارية النشطة في دبي بنسبة 30% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، حيث وصلت إلى أكثر من 411,000 رخصة، هذه الأرقام تعكس النجاح الباهر لدبي في تفادي أزمة العقارات التجارية التي تعصف بمدن عالمية أخرى مثل نيويورك ولندن.
مركز دبي المالي العالمي: قوة اقتصادية صاعدة
من المؤسسات التي لعبت دوراً محورياً في تعزيز جاذبية الإمارات للاستثمار، يأتي مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، أعلن المركز في تقريره لعام 2023 أنه استقطب 5,523 شركة نشطة حتى الآن، بزيادة بلغت 34% مقارنة بالعام السابق.
يقول إيان جونستون، الرئيس التنفيذي لسلطة دبي للخدمات المالية، لـCNN الاقتصادية على هامش مؤتمر Super bridge إن «العام الماضي كان أكثر الأعوام ازدحاماً من حيث إصدار التراخيص الجديدة، ما يعكس الازدهار الذي يشهده المركز».
جونستون أضاف: «نحن لا نشهد فقط دخول شركات جديدة، بل نرى أيضاً توسع الشركات القائمة في أنشطتها، ما يجعل دبي مميزة هو الديناميكية التي تتمتع بها، فضلاً عن وجود بنية تحتية قوية وإطار قانوني يسهل على الشركات العمل بثقة»، وأوضح أن «الشركات العالمية ترى في الشرق الأوسط منطقة نمو متزايد، وإذا كان النمو يحدث في المنطقة، فإن دبي هي المكان الذي يريدون أن يستثمروا فيه».
التكنولوجيا والابتكار: عوامل دفع رئيسية
لا يمكن الحديث عن الإمارات كوجهة استثمارية دون الإشارة إلى دور التكنولوجيا والابتكار في دعم هذا التوجه، سارافان بينوبارثي، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا والعمليات في شركة AIQ، قال لـCNN الاقتصادية على هامش مؤتمر Super bridge إن الإمارات «تتبنى التقنيات الحديثة لحل التحديات التي تواجه القطاعات المختلفة، بما في ذلك قطاع الطاقة». وأضاف أن القيادة الإماراتية لا تقتصر على استقطاب الكفاءات، بل تهدف أيضاً إلى استقدام التكنولوجيا الصحيحة، وهو ما يسهم في تسريع حلول الاستدامة وكفاءة الإنتاج.
وأشار بينوبارثي إلى أحد منتجات الشركة الرائدة «EmissionX»، الذي يركز على مراقبة الانبعاثات البيئية في الوقت الفعلي، ما يعزز من قدرة الشركات على تحسين أدائها البيئي، كما أكد أن الشركات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها تجد في بيئة الأعمال هنا دعماً كبيراً لتحقيق الابتكار والتطور.
التعليم والتكنولوجيا: رؤية مستقبلية
إلى جانب قطاع الأعمال والاستثمار، تشهد الإمارات أيضاً تحولاً كبيراً في مجال التعليم بفضل التكنولوجيا، وانغ يي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «ليكس»، أوضح لـCNN الاقتصادية على هامش مؤتمر Super bridge أن التعليم التقليدي كان دائماً يواجه تحدي التوازن بين التخصيص وتوفير التعليم على نطاق واسع، ولكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن توفير تعليم مخصص بتكلفة معقولة.
وأضاف يي: «نحن نبني الآن أنظمة تعليمية جديدة لا تقتصر على الصين فقط، بل تمتد لتشمل العالم، مع تركيز خاص على الشرق الأوسط»، وأكد أن الإمارات تعتبر بيئة مثالية لتبني هذه التقنيات التعليمية الحديثة، ما يعزز من مهارات الأطفال والبالغين على حد سواء.