يمتلك محمود، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، بضع صيدليات في محافظة القاهرة.. ومنذ التعويم الأخير للجنيه المصري قام بتخارج جزئي من البورصة المصرية بإخراج 300 ألف جنيه من أصل مليون جنيه بدأ بضخها في سوق الأوراق المالية المصرية في الربع الأخير من عام 2022 الذي شهد ظاهرة تفشي السوق الموازية للدولار الأميركي في مصر.
محمود ليس الوحيد بين الأفراد المتداولين في البورصة الذي آثر ضخ جزء من أمواله في شهادات البنوك الادخارية الجديدة التي أطلقها البنك الأهلي وبنك مصر بنسبة فائدة 30 في المئة، وجاء الإعلان عن الشهادتين بعد إعلان المركزي المصري رفع سعر الفائدة بمقدار 6 في المئة صباح يوم التعويم الجديد في السادس من مارس آذار الحالي.
وهوت قيمة التداولات في البورصة المصرية لأكثر من ستين في المئة منذ تعويم السادس من مارس آذار ما أدى إلى خسارة المؤشر الرئيسي (إجيكس 30) نحو 15 في المئة من قيمته في سبع جلسات متتالية الأسبوع الماضي، ليشطب جميع مكاسبه الأخيرة التي صعدت به أعلى العتبة الرمزية المتمثلة عند 30 ألف نقطة للمرة الأولى على الإطلاق.
التداول على الأسهم يهوي إلى 3.2 مليار جنيه
وقال إبراهيم النمر، رئيس قسم التحليل الفني بشركة نعيم للوساطة في الأوراق المالية، في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن «قيمة التداولات على الأسهم المقيدة في البورصة هوت من نحو 9.8 مليار دولار إلى نحو 3.5 مليار في الوقت الحالي بسبب تخارج بعض المستثمرين من سوق الأسهم والاتجاه إلى سوق الشهادات أو أذون الخزانة».
ولا يقصد النمر بهذا التخارج الأفراد فحسب، بل وصناديق ومحافظ الاستثمار كذلك، وأكد محمد مصطفى، العضو المنتدب لشركة العربي الإفريقي لإدارة الاستثمارات في اتصال مع «CNN الاقتصادية» أنه بعد رفع المركزي أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، قامت الشركة «بمراجعة الأوزان النسبية في محافظ الأسهم بما يتناسب مع التغيرات التي ستشهدها المرحلة القادمة وزيادة الاستثمارات في أدوات الدين بكل أنواعها».
ورفض مصطفى ذكر النسب التي قامت الشركة بتوجيهها إلى الاستثمار في أذون الخزانة وسندات التوريق حفاظاً على سرية استراتيجية الشركة الاستثمارية.
وأصدر البنك المركزي المصري أذون خزانة طوال الأسبوعين الماضيين تبلغ قيمتها نحو 750 مليار جنيه بأسعار فائدة وصلت إلى 32 في المئة، ولكن العائد عاود التراجع في الطرحين الأخيرين.
وعزا أحمد شوقي الخبير المصرفي خروج الأموال من البورصة وتوجهها إلى أدوات الدين -في اتصال مع «CNN الاقتصادية»- إلى «رغبة الصناديق الخاصة التابعة للبنوك في الاستثمار في أدوات الدين الحكومية للتمكن من تغطية فوائد شهادات البنوك التي تم طرحها مع التخفيض الأخير لقيمة الجنيه المصري، فالاستثمار في أذون الخزانة لمدة 365 يوماً يغطي فوائد العام الأول من الشهادات الادخارية الجديدة».
بدأ المؤشر الرئيسي لسوق الأوراق المالية المصرية نموه السريع في أكتوبر تشرين الأول 2022 بسبب الاضطرابات الاقتصادية الشديدة والضغوط التي تعرضت لها مدخرات المواطنين نتيجة للضغط الشديد على الجنيه المصري ووجود أكثر من سعر صرف، ما دفع الكثير من الأفراد والمؤسسات في مصر إلى الاتجاه للاستثمار في البورصة بغرض التحوط بالأسهم لحماية قيمة الأموال من التآكل بسبب تلك الاضطرابات، واليوم يتجه هؤلاء لأدوات استثمار تتمتع بمخاطرة أقل من سوق الأسهم وبفوائد أعلى.
ربما لا يعرف محمود كيفية الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، ولكنه قد يضع حداً لتجربته في البورصة بالخروج منها تدريجياً لاستثمار بقية المبلغ في شهادات ادخارية جديدة أو توسعة نشاطه في تجارة الأدوية، أما النمر فيرى في عثرة البورصة الحالية «إعادة إنتاج للمشهد الذي تبع تعويم الجنيه المصري في عام 2016 وأن المؤشر وحجم التداول سيظلان قابعين في هذا النطاق لنحو عام، وذلك نتيجة نجاح مصر في إبرام اتفاقات مالية مثل اتفاق رأس الحكمة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي اللذين مكناها من حل أزمة الدولار».
أما البنك المركزي المصري فيتجه لعدم قبول عطاءات بأسعار فائدة مرتفعة على أذون الخزانة التي يصدرها نيابة عن وزارة المالية خشية شيوع الأموال الساخنة التي يضخها المستثمرون الأجانب والتي يتسارعون بخروجها وقت الأزمات، وأدى خروج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى بداية الأزمة الاقتصادية في مصر التي تحركت ككرة جليد وظلت آثارها تعصف بالاقتصاد المصري منذ ربيع 2022.