مع انتهاء شهر رمضان ودخول موسم الأعياد، تعج الشوارع والمحال بالمواطنين لاقتناء الملابس الجديدة والهدايا احتفالاً ببهجة العيد، ولكن في ظل أزمات اقتصادية طاحنة في بعض البلدان مثل مصر ولبنان، تقل القدرة الشرائية لدى المواطنين خاصة من الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة.

وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الأسر، يحرص المصريون على الحفاظ على طقس شراء الملابس الجديدة في العيد على الأقل لأطفالهم.

«الأسعار مولعة»، «إحنا واصلين لمرحلة هزار.. مش عارفين ده رقم الكود ولا السعر»، هذه هي بعض ردود فعل سيدات مصريات قابلتهن «CNN الاقتصادية» أثناء تسوقهن لشراء ملابس العيد في أحد أحياء القاهرة الراقية.

تقول السيدة هـ،ع من مصر إن الأسعار «زادت الضعف أو ثلاثة أضعاف مقارنة بالعيد الماضي»، وأضافت أنها ما زالت تحرص على شراء ملابس جديدة في العيد لأن لديها أطفالاً لكن «لو لنفسي ممكن لأ» وفقاً لحديثها مع «CNN الاقتصادية».

وتقول غادة، وهي سيدة ثلاثينية من مصر، عند سؤالها إن كانت تحرص دائماً على شراء الملابس في العيد، «في الأول كان فارق معايا لكن بعد هذه الأسعار أصبحت لا أهتم بشراء ملابس جديدة في العيد لأن الأسعار أصبحت جنونية»، وأوضحت غادة أنها كانت في الأعوام الماضية تتسوق في مراكز التسوق الكبرى وتشتري من علامات تجارية عالمية، لكن الآن أصبحت تلجأ لمحلات العلامات التجارية المحلية أو التي تبيع ملابس مستعملة، أو بواقي علامات تجارية مستوردة، أو ما يسمى بالـ«ستوك».

عيد 2024 ليس كباقي الأعياد

وتقول منار محمد، مالكة محل ملابس في مصر، لـ«CNN الاقتصادية»، إن «هذا العيد مختلف عن الأعياد السابقة خلال الأعوام الماضية، إذ إن الأسعار أعلى بكثير» وأضافت أن «إقبال المصريين على الشراء انخفض بسبب الارتفاع الهائل للأسعار».

وتشير أيضاً إلى أن عيد الفطر يأتي هذا العام بين موسمي الشتاء والصيف، حيث تقلب الأحوال الجوية وعدم استقرار المواطنين على شراء فئة معينة من ملابس العيد، سواء شتوية أو صيفية، ما جعلهم مترددين في الإقبال على شراء أشياء جديدة قد لا تتناسب مع الأحوال الجوية المتقلبة.

وتشدد على أنه في ظل تقلص الدخل أمام ارتفاع الأسعار أصبح الأشخاص يريدون شراء أشياء أقل مع ضمان جودتها، وأنها تناسبهم في معظم الأوقات.

وتمتلك منار متجراً في منطقة المعادي، وهي منطقة راقية في العاصمة المصرية، يبيع ملابس مستوردة تسمى بالستوك، أي الفائض من العلامات التجارية العالمية، ولكنها بأسعار أقل، كما أضافت مؤخراً -ضمن مجموعتها المعروضة- منتجات من علامتها التجارية المحلية، إذ اتجهت للتصنيع المحلي بدءاً من عام 2023 الماضي بعد أن وجدت زيادة كبيرة في أسعار الستوك والمستورد، لا سيما المستعمل والبالات.

وتقول منار إن «ملابس الـ(ستوك) زادت أسعارها بنسبة 100 في المئة»، وأضافت أن البالات أي الملابس المستعملة «أصبحت لا تخدم الطبقة المتوسطة بعد أن زادت أسعارها بنسبة لا تتناسب مع جودتها وقيمتها».

وترى منار أن التصنيع المحلي يخدم المواطن والاقتصاد المصري أكثر من الاعتماد على الاستيراد، سواء الملابس المستعملة أو بواقي العلامات العالمية بأسعار أقل، إذ يوفر التصنيع المحلي جودة أعلى بأسعار مناسبة أكثر، إضافة لإتاحة فرص عمل أكثر وتشجيع الصناعة والحفاظ على الحرفة المحلية.

ويقول محمود الداعور، رئيس شعبة الملابس الأسبق في الغرفة التجارية المصرية في حديثه مع «CNN الاقتصادية» إن «المقارنة بين الموسم الحالي والمواسم السابقة تظهر اختلافاً»، إذ يرى أن الوضع اختلف تماماً منذ أزمة جائحة كورونا، ويقول «الظروف من بعد كورونا مختلفة جداً والمؤشرات من 2019 سلبية».

ويُرجع الداعور أسباب ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية في سوق الملابس إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، فضلاً على «انعدام التوازن داخل الأسرة في الاستهلاك».

ويشير أيضاً رئيس شعبة الملابس الأسبق إلى اختلاف النمط الاستهلاكي لدى المواطنين بسبب تغير ثقافة المستهلكين والتوجه إلى التسوق الإلكتروني، فأصبح المستهلك يتسوق طيلة العام «ولا نرى رواجاً خاصاً بمواسم الأعياد في الشوارع، فأصبح من الصعب قياس حركة السوق في الشارع».

ويقول الداعور إن نحو «70 في المئة من المحلات في الشارع المصري لم تنضم للسوق الإلكترونية»، ويرى أنه لا يمكن حصر التجارة الإلكترونية حالياً لأنها «عشوائية وغير ظاهرة»، مشيراً إلى عدم وجود آلية لحصر المتاجر الإلكترونية في مصر أو بيانات كافية لتنظيمها ومراقبتها.

وبالحديث عن الأسعار، يقول الداعور «الأسعار حدث ولا حرج»، مشيراً إلى الارتفاع الكبير في أسعار كل شيء، متضمناً «كل مكونات الإنتاج، والتكاليف، والأيدي العاملة»، ويضيف أن «الدولار فرق ثلاثة أضعاف منذ العام الماضي، لذلك فتكلفة كل البضاعة المعروضة حالياً زادت ثلاثة أضعاف هي الأخرى».

ويرى أن من أهم المشكلات التي تواجه قطاع الملابس في مصر حالياً «عدم ضبط الأسواق، وعدم وجود بيانات واضحة، والعشوائية اللامحدودة في إدارة المحلات التجارية سواء مواعيد فتح وغلق المحلات والتخفيضات وما إلى ذلك، فضلاً عن عدم وجود ربط جيد وحوار فعال بين الغرف التجارية والصناعية وصانعي القرار»، والتي وصفها بأنها «جزر منعزلة».

وأخيراً، أشار الداعور إلى وجود فجوة تمويلية كبيرة «فتكلفة التمويل تبدأ من 30 إلى 32 في المئة مع وضع مصاريف الضرائب والتأمينات، ويؤدي كل ذلك لرفع هوامش الربح لنحو 100 و120 في المئة في بعض الأحيان لتغطية التكاليف وتحقيق ربح مناسب، كل هذا أدى إلى زيادة مهولة في الأسعار، والتي أثرت على كل جوانب الصناعة».

العيد في لبنان

تقول لوليا حلواني مدير أول للتسويق والمبيعات في شركة «فابريك إيد»، «نحن نرى تغيراً في سلوكيات المستهلكين لدينا في لبنان، وأيضاً في فرعنا بالأردن، فالناس أصبحوا يفكرون بطريقة أكثر استدامة».

وأضافت حلواني أن هناك أسباباً لتحول المستهلكين من التسوق الاعتيادي إلى التسوق الاقتصادي الأكثر استدامة؛ منها أسباب تتعلق بميزانية الأشخاص، وأخرى تتعلق بتبني وجهة نظر الاستدامة، أيضاً يجد الناس خيارات أكثر قد لا تتوفر في سبل التسوق الاعتيادية.

وأوضحت «على سبيل المثال عندما تتسوقين في أحد متاجرنا -ويسمى (سيكوند بايز)- فأنت تشترين قطعاً كلاسيكية فريدة ولن تجدي أحداً آخرَ يرتديها»، بالإضافة لميزة الأسعار المعقولة أكثر التي تتوافق مع الميزانية المتاحة من الأشخاص في حالة التسوق الاقتصادي أو شراء الملابس القديمة أو المستعملة.

وتؤكد حلواني «نحن نرى هذا التغير في سلوك المستهلكين في محلاتنا حتى من قبل بداية الأزمة الاقتصادية الحالية، ولكن بعد الأزمة أصبح الأشخاص يتوجهون أكثر لهذه النوعية من المحلات التي تبيع الملابس القديمة، إذ بات هناك تقبل أوسع لفكرة شراء القطع المستخدمة وانتشار هذه الثقافة أكثر من قبل».

و«سيكوند بايز» محل لبيع الملابس القديمة وافتتح لبيع البضاعة التي تأتي ولا تباع في سوق «الخلنج»، وهذا المتجر تابع لمؤسسة «فابريك إيد» الاجتماعية والتي تقوم بتجميع تبرعات في صورة ملابس، إذ يتم فرزها وتنظيفها، قبل عرضها للبيع بأسعار معقولة في محلات، تسمى بسوق «خلنج» وخلنج كلمة لبنانية تعني مميزة.

وتقول حلواني إن تجربة الجمعية والمتجر التابع لها تعتبر «سوقاً كريمة» لمحدودي الدخل، ويكون متوسط الأسعار في «سيكوند بايز» نحو 14 دولاراً، ويكون هدفه الأساسي توفير تمويل لدعم سوق «الخلنج» الذي تكون الأسعار فيه 60 سنتاً للقطعة.

وتوضح أن القطع التي تأتي إليهم ولا تباع في سوق «خلنج» هي الأشياء العصرية، الفريدة وغير الاعتيادية في الموضة، لذلك تتجه لمتجر «سيكوند بايز» والذي يحتوي على قطع من كل الموضات الكلاسيكية بدءاً من حقبة العشرينيات من القرن الماضي.

أما «سوق عكاظ» فهو متجر آخر تابع للمؤسسة ولكنه قائم فقط على نظام البيع والشراء بين الزبائن للملابس المستعملة وليست تبرعات، وهي أيضاً ملابس عادية وليست كلاسيكية مثل نوعية «سيكوند بايز»، ومتوسط أسعار هذا المتجر هي 6 دولارات.

وبالحديث عن الفئة الأكثر إقبالاً على هذا النوع من المتاجر مثل «سيكوند بايز»، تقول حلواني إن أكثرهم من محبي الموضة المختلفة والمبدعين في رؤيتهم وتصميمهم ما يرتدون من ملابس ويكون أكثرهم من النساء بين أعمار 17 و45 عاماً ممن يفضلن هذا النوع من الملابس.

وعلى الصعيد الاقتصادي لهذه التجربة التي تقوم على بيع ملابس التبرعات، تشير حلواني إلى تدهور القدرة الشرائية للمستهلكين مع استمرار الأزمة الاقتصادية والتي تنعكس أيضاً على تدهور معدلات التبرع بالملابس، فهم كمؤسسة يرون انخفاضاً في كمية الملابس المتبرع بها، إضافة لانخفاض جودتها، لذلك اتجهت المؤسسة لإيجاد منافذ إضافية لتلقي كميات من الملابس المستعملة، إضافة لشرائهم الملابس المستعملة لتتمكن من توفير قطع للبيع في متجرها.

شراء الملابس أصبح رفاهية في لبنان

وتقول نادية أحمد، مديرة تنفيذية في مؤسسة لوياك غير الربحية، لـ«CNN الاقتصادية» إنها تريد إلقاء الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجه لبنان بشكل خاص، وأشارت إلى أن لبنان هو البلد العربي الوحيد لعقود الذي تعيش فيه فئات نازحة من سوريا وفلسطين والعراق واليمن.

وتحدثت عن الأزمة الاقتصادية اللبنانية التي «تشل البلد والتي تفجرت بسبب الطبقة الحاكمة والسياسات الخارجية الغربية» وأدت إلى انهيار القطاع المصرفي. وتُرجع أسباب الوضع الحالي إلى «التوتر السياسي القائم بسبب عدم تحقيق مطالب ثورة 17 أكتوبر في عام 2019، واستمرار معاناة لبنان من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس، وعدم قدرة الحكومة من توفير كهرباء للأسر».

وأضافت نادية أن «كل هذه التحديات تأتي إضافة للحرب المشتعلة في جنوب لبنان، والتي أدت لوجود 100 ألف نازح لبناني حتى يناير الماضي».

وتحدثت عن بعض المؤشرات الخطيرة من وجهة نظرها، فوفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في أبريل نيسان 2023، فإن «18 في المئة من الأطفال في لبنان في سن المدرسة لا يذهبون إلى المدارس»، وأضافت «في ديسمبر 2023 أصبح هذا الرقم 26 في المئة».

وتقول إن «8 من كل 10 بيوت في لبنان تضطر للاقتراض من أجل توفير أساسيات المنزل من مطالب».

أما بالحديث عن الناتج الإجمالي المحلي في لبنان فهو في انخفاض بنسبة 36.5 في المئة بين 2019 و2021، وفي 2022 لم يحدث أي تحسن في قيمة الناتج الإجمالي المحلي، وفي 2023 تحسن بنسبة 2 في المئة.

وتقول إن كل هذه الأسباب أثرت على القوى الشرائية للبنانيين وخاصة الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة، ولكن القدرة الشرائية زادت عند الأسر من الطبقة المرتفعة ذات الدخل المرتفع.

وأشارت إلى أن الوضع الحالي يؤدي لتآكل الطبقة المتوسطة بسبب إما سوء حالتها المادية والاجتماعية أو لجوء أفرادها إلى ترك لبنان والخروج من البلاد للعمل ليتمكنوا من توفير مستوى معيشي مناسب.

وتوضح أنه باتت هناك فجوة كبيرة في القدرة الشرائية بين الطبقات المرتفعة والمتوسطة والفقيرة، وتشير إلى أن معظم الأسر المتوسطة والفقيرة أصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي «فما بال القدرة الشرائية للملابس».

وأشارت في حديثها مع «CNN الاقتصادية» للمشهد الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي خلال موسم عيد الأم لإقبال اللبنانيين على شراء الحقائب من متجر «هيرمس» الفاخر، مشيرة إلى الفجوة الكبيرة بين القادرين على شراء علامات تجارية باهظة الثمن مقابل غير القادرين من الفئات المهمشة على توفير حتى قوت يومهم من الطبقات الفقيرة في لبنان.

وتعمل مؤسسة لوياك غير الربحية على توفير المتطلبات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس للفئات المهمشة في لبنان وركزت في العام الماضي على مبادرة لتوفير تبرعات الملابس، أما هذا العام فتركز المؤسسة على توفير المواد الغذائية والوصول للمدارس بالنسبة للأطفال.

وتقول نادية إن الأولوية الآن أصبحت للغذاء والكهرباء والتعليم فيما تراجع الاهتمام بتوفير الملابس التي أصبحت الآن رفاهية بالنسبة للطبقات التي تعاني في لبنان.