«ارتفاع أسهم وول ستريت المدعومة من مشاريع الذكاء الاصطناعي، هل يكون فقاعة توشك على الانفجار أم أنه فرصة حقيقية؟» هذا هو السؤال الذي يتصارع معه المستثمرون منذ عام مضى مع تواصل ارتفاعات أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى.
وتنقسم الآراء حول إجابة هذا السؤال؛ إذ يعتقد بعض الخبراء أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة ستهبط بسوق الأسهم الأميركية في أزمة مالية، في حين يرى البعض الآخر أنه فرصة أمام سوق التكنولوجيا للتوسع، خاصة أن أسهم الشركات الأميركية تحقق أكبر عائدات مقارنة ببقية اقتصادات العالم، وفقاً لبيانات كابيتال إيكونوميكس حتى 19 أبريل نيسان 2024.
ونظراً لوجود عوامل تدعم كلتا النظرتين، نتطرق فيما يلي لأبرز الفرص والتحديات التي تواجه سوق الأسهم الأميركية في ضوء اتجاه العديد من الشركات إلى الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية تأثير ذلك على التوقعات المستقبلية لوول ستريت.
شبح الفقاعة يحوم في الأفق
ذكر تقرير صدر الأسبوع الماضي عن شركة أبحاث السوق كابيتال إيكونوميكس أن المستثمرين الذين يحاولون الاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي يغذون فقاعة في سوق الأسهم الأميركية، خاصة في أسهم التكنولوجيا الكبرى، متوقعاً انفجار الفقاعة في نهاية العام المقبل.
كذلك يعتقد جيريمي جرانثام، المستثمر المشهور بتنبئه بانهيار الدوت كوم في عام 2000 -انهيار البورصة الأميركية- والأزمة المالية في عام 2008، أن الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة، وقال في تدوينة نقلتها شبكة CNN، «إن أفضل تخمين في الوقت الحالي هو أن انفجار فقاعة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد يتأخر لفترة مؤقتة».
على جانب آخر، استبعد عاصم منصور، رئيس أبحاث السوق لدى شركة OW Market، انهيار السوق على المدى القريب، وقال في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية»، «هل وصلنا لمرحلة الفقاعة؟ لا أعتقد ذلك، بل هناك توقعات إيجابية بمزيد من الصعود للأسهم الأميركية في النصف الثاني من عام 2024 وبداية 2025».
كما أشار أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة VI Markets في مصر إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي لا تزال في بدايتها، قائلاً «هناك طفرة قادمة وبقوة، وتكشف لنا أرباح شركات التكنولوجيا وتحركات مؤشر ناسداك أن القادم أفضل».
أرباح الشركات ودور الذكاء الاصطناعي
ارتفعت أسهم التكنولوجيا إلى مستويات قياسية في عام 2023، واستمرت في الصعود هذا العام، إذ أدت المكاسب الهائلة التي حققتها أسهم عمالقة التكنولوجيا، خاصة شركة صناعة الرقائق الأميركية إنفيديا، إلى دفع المؤشرات الرئيسية الثلاثة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وبحلول عام 2024، بدأ موسم تقارير أرباح شركات التكنولوجيا الأسبوع الماضي بإعلان شركة البث المباشر نتفليكس عن نتائجها للربع الأول من هذا العام، التي كشفت إيرادات وأرباح تفوق توقعات الأسواق، ورغم تأثر بعض الشركات سلباً بسبب النتائج الضعيفة، ومن بينها ميتا – الشركة الأم لفيسبوك-، وإنتل، إلا أن الذكاء الاصطناعي كان طوق نجاة لإحدى أكبر الشركات في العالم.
وارتفعت إيرادات شركة مايكروسوفت بنحو 17 في المئة خلال الربع الأول من عام 2024، بما يتجاوز التوقعات، مدفوعة بمكاسب الذكاء الاصطناعي وخدمات الحوسبة السحابية، كما أعلنت شركة ألفابت عن أول توزيعات أرباح في تاريخها بعدما سجلت إيرادات بواقع 80.5 مليار دولار في الربع الأول.
أما بالنسبة لبقية موسم أرباح شركات التكنولوجيا، فلا يزال هناك اثنان من عمالقة التكنولوجيا الرئيسيين المتبقيين للإبلاغ عن نتائج أرباحهم، إذ تعلن أمازون أولاً يوم الثلاثاء المقبل 30 أبريل نيسان، تليها شركة أبل يوم الخميس 2 مايو أيار.
وقال أحمد معطي، خبير الأسواق المالية في تصريحاته لـ«CNN الاقتصادية»، «تعافت أسهم الذكاء الاصطناعي بعد تقارير أرباح الشركات»، مشيراً إلى أن تراجع مؤشر ناسداك إلى 17157 نقطة في منتصف أبريل 2024، ما دفع المستثمرون لتوقع انهيار وشيك وانفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، لكن مع بداية موسم الأرباح عادت الإيجابية للسوق مرة أخرى.
ويبدو أن هذه الإيجابية لها تأثير ملحوظ على اقتصاد الولايات المتحدة، إذ كشفت بيانات وزارة التجارة الأميركية ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بواقع 6.3 في المئة ليصل إلى 27.36 تريليون دولار بنهاية 2023، وهو ما يرى عاصم منصور أنه انعكاس للارتفاعات المشهودة في قطاع التكنولوجيا وصعود القيمة السوقية للشركات الأميركية.
التوقعات المستقبلية
على مدار بقية عام 2024، توقع منصور أن تستمر مكاسب الأسهم الأميركية، وتتواصل في بداية عام 2025 مع بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة التيسير النقدي وخفض الفائدة، واتفق معه أحمد معطي متوقعاً استمرار صعود مؤشرات وول ستريت الرئيسية، داو جونز، وإس آند بي 500، وناسداك.
في حين توقع تقرير كابيتال إيكونوميكس تراجع العوائد على مدار العقد المقبل بداية من عام 2026، وسط مخاوف بشأن التقييم المرتفع لأسهم بعض الشركات في ظل القلق بشأن مستويات الفائدة و التضخم.
في غضون ذلك، أشار عاصم منصور إلى أن تقييم أسهم الشركات وحده ليس كافياً لتوقع انهيار السوق، فعلى سبيل المثال كانت تقييمات الأسهم أكثر ارتفاعاً مقارنة بالتقييمات الحالية وقت أزمة الدوت كوم، ومع ذلك حققت السوق أداءً إيجابياً، وبالتالي توقعات الأرباح الإيجابية ستكون العامل الأساسي وراء ارتفاعات السوق الفترة المقبلة.
الفائدة وارتفاع الدولار.. «جرس إنذار»
أثبت التضخم الأميركي عناده في الأشهر القليلة الماضية مع رفضه الانخفاض إلى مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة؛ إذ صعد في مارس آذار إلى 3.5 في المئة؛ ما ضغط على توقعات خفض الفائدة.
وتسعر الأسواق المالية الآن أول خفض لأسعار الفائدة إما في سبتمبر أيلول أو ديسمبر كانون الأول، بدلاً من التوقعات السابقة التي أشارت إلى يونيو حزيران كأول اجتماع لخفض الفائدة، كما انخفضت توقعات السوق بشأن عدد تخفيضات الفائدة إلى خفض واحد متوقع على مدار عام 2024.
ومع ذلك أشار إلى أن ارتفاع قيمة الدولار من شأنه الحد من مكاسب الأسهم الأميركية، وارتفع الدولار بنحو 4.23 في المئة منذ بداية العام الحالي، وفقاً لبيانات ريفينتيف، تزامناً مع صعود مؤشر إس آند بي 500.
وقال عاصم منصور «شهدنا في عامي 2022 و2023، أنه مع ارتفاع مؤشر الدولار بما يتجاوز 8 في المئة، خسر مؤشر إس آند بي خمس قيمته»، لافتاً إلى أن استمرار صعود الدولار هذا العام قد يعوق المكاسب، لكنه لن يسفر عن فقاعة على المدى القريب على أقل تقدير.