الحكومات وإعادة النظر في شراكاتها مع الشركات الناشئة

الشركات الناشئة تعول كثيراً على استقطاب المواهب ذات القدرة على الإبداع لخلق ميزة تنافسية تتفوق بها على منافسيها
الحكومات وإعادة النظر في شراكاتها مع الشركات الناشئة
الشركات الناشئة تعول كثيراً على استقطاب المواهب ذات القدرة على الإبداع لخلق ميزة تنافسية تتفوق بها على منافسيها
عائشة حارب clock

عائشة حارب

خبيرة وزميلة في برنامج خبراء الإمارات، قطاع التكنولوجيا والابتكار

تواجه الحكومات ضغوطاً متزايدة للتكيف مع التغيرات التكنولوجية السريعة، إلا أن الهياكل البيروقراطية، التي صُممت من أجل الاستقرار والإشراف، غالبًا ما تعوق التكيف السريع، حيث يسير الابتكار بخطى متسارعة تتجاوز إمكانية الحكومات على دمج هذه التطورات الجديدة أو التعامل مع آثارها المجتمعية.

وفي المقابل، تزدهر الشركات الناشئة بفضل مرونتها وابتكارها الخلّاق، مع ذلك، وعلى الرغم من قدرتها على إحداث ثورة في الخدمات العامة —من الأمن الذكي إلى الأمن السيبراني— تواجه العديد من الشركات الناشئة صعوبة في التعاون مع الحكومات بسبب العوائق التنظيمية ونماذج الشراء التقليدية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ومن أجل تأمين اقتصادات وخدمات عامة مستدامة، يجب سد هذه الفجوة المزدوجة من خلال اعتماد حوكمة "التفكير الجريء"، وهو نموذج تشغيلي جديد يشجع على التعاون الجريء بين الشركات الناشئة والقطاع العام.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

فجوة الابتكار المتزايدة

بينما تزدهر منظومات عمل الشركات الناشئة عالمياً، لا تزال الكيانات الحكومية تعتمد على البائعين التقليديين وعملية الشراء البطيئة، وقالت تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 إن 74% من الشركات الناشئة تواجه عوائق بيروقراطية عند التعامل مع الحكومات، وفي الوقت ذاته، تكشف أبحاث منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الشركات الناشئة، على الرغم من قيادتها لأكثر من 50% من الابتكارات الرائدة في الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والحوكمة الرقمية، لا تحصل إلا على 5% فقط من العقود الحكومية.

لقد اتخذت بعض الحكومات خطوات لسد هذه الفجوة من خلال مسرعات الابتكار والإصلاحات التنظيمية، ومع ذلك، فإن التحول الحقيقي يتطلب تغييراً جذرياً في كيفية شراكة الحكومات مع الشركات الناشئة.

إعادة تصور شراكات الابتكار بين القطاعين العام والخاص

لكي يتم فتح باب الابتكار الذي تقوده الشركات الناشئة، يجب على الحكومات اعتماد ثلاث استراتيجيات رئيسية للتفكير الجريء:

1.     عقود إثبات المفهوم (PoC): تسريع مشاركة الشركات الناشئة

إن العقبة الرئيسية أمام الشركات الناشئة هي مشكلة المشتريات، حيث تتردّد الحكومات في تبنّي حلول غير مثبتة، ومع ذلك تحتاج الشركات الناشئة إلى تقديم عقود للتحقق من صحة تقنياتها.

توفر عقود إثبات المفهوم حلاً من خلال السماح للشركات الناشئة باختبار ابتكاراتها في بيئات حكومية حقيقية قبل الخضوع لمراجعة الشراء الشاملة.

تشمل النماذج العالمية الناجحة:

·        مبادرة GovTech Catalyst في المملكة المتحدة: تسريع تمويل عقود إثبات المفهوم، ما يقلل من دورات الشراء من سنوات إلى أشهر.

·         برنامج SBIR بوزارة الدفاع الأميركية: يوفر عقودًا مرحلية للشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمدن الذكية.

·        مختبر الحكومة الإلكترونية في إستونيا: يستخدم عقوداً تجريبية لاختبار الحلول التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة قبل تبنيها على نطاق واسع.

إن توسيع عقود "إثبات المفهوم" في مجالات حوكمة الذكاء الاصطناعي، والاستجابة للطوارئ، والخدمات الرقمية العامة يمكن أن تعزز بشكل كبير من مشاركة الشركات الناشئة في الابتكار لدى الحكومات.

2.  صناديق الاختبار التنظيمية: تمكين التكيّف الفوري للسياسات

لا تستطيع الأطر التنظيمية التقليدية مواكبة تسارع التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوكتشين، وحلول الهوية الرقمية، وتوفر صناديق الاختبار التنظيمية —حيث تختبر الشركات الناشئة ابتكاراتها تحت إشراف حكومي— طريقة لتحقيق التوازن بين الابتكار وإدارة المخاطر. 

ومن التجارب الناجحة في هذا المجال:

·        صندوق هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة :(FCA) – يساعد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية على التوسع من خلال السماح بالاختبار الواقعي تحت إشراف تنظيمي.

·        صندوق التكنولوجيا المالية في سنغافورة: يسرع من الابتكارات في مجالات البلوكتشين والخدمات المصرفية الرقمية عبر آسيا.

·        صندوق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الدنمارك: يضمن حوكمة مسؤولة للذكاء الاصطناعي مع تشجيع التجربة.

إن توسيع صناديق الاختبار التنظيمية لتشمل مجالات مثل حوكمة الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والتخطيط الذكي، يمكن أن ينشئ منصة لاختبار الحلول العامة من الجيل التالي.

3.     المشتريات القائمة على الابتكار.. تجاوز العقود التقليدية

غالباً ما يتم تصميم عملية الشراء الحكومية لصالح البائعين الكبار والمستقرين بدلاً من الشركات الناشئة المرنة، ووجدت تقارير "ماكنزي" لعام 2023 أنه على الرغم من أن الشراء الحكومي يشكل 12-15% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة، فإن أقل من 20% من العقود تذهب إلى الشركات المبتكرة.

لتغيير ذلك، يجب على الحكومات اعتماد أسلوب الشراء القائم على النتائج، مع التركيز على النتائج بدلاً من المؤهلات الصارمة للبائعين.

تشمل الإصلاحات الرئيسية:

·        أسواق التكنولوجيا الحكومية، وهي منصات موثقة مسبقاً، حيث يمكن للشركات الناشئة تقديم حلولها وبيعها مباشرة.

·        اتحادات المشتريات العامة والخاصة، التي تمكّن الشركات الناشئة من الشراكة مع الشركات الأكبر لتقديم عطاءات مشتركة على العقود الحكومية.

·        صناديق المشتريات المدعومة برأس المال الاستثماري، وهي صناديق استثمار عامة موجهة نحو الشركات الناشئة التي توفر حلولاً للتحديات الكبيرة في القطاع العام.

لقد شهدت دول مثل الدنمارك وكندا وإسرائيل بالفعل زيادة في مشاركة الشركات الناشئة في العقود الحكومية من خلال إعطاء الأولوية لنماذج الشراء المدفوعة بالابتكار.

نموذج جديد للابتكار في القطاع العام

ولكي يتسنّى للحكومات الاستفادة من إمكانات الابتكار التي تتمتّع بها الشركات الناشئة، يتعيّن عليها أن تتجاوز الإصلاحات التدريجية وأن تعيد النظر جذرياً في نماذج تعاملها مع الشركات الناشئة، وبدلاً من الاعتماد على المنح وإعانات البحث والتطوير، يتعيّن على الحكومات:

1.     تأسيس عقود "إثبات المفهوم" لمساعدة الشركات الناشئة على التحقق من حلولها وتوسيع نطاقها.

2.     توسيع صناديق الاختبار التنظيمية لتشمل مجالات ناشئة مثل حوكمة الذكاء الاصطناعي وتقنيات التنبؤ الشرطية.

3.     إعادة تصميم عملية الشراء لصالح الحلول التي تقودها الشركات الناشئة بدلاً من نماذج البائعين التقليدية.

من خلال تبني حوكمة التفكير الجريء، يمكن للحكومات تعزيز عصر جديد من التعاون بين القطاعين العام والخاص، ما يضمن أن القطاع العام لا يواكب الابتكار فحسب، بل يقوده.

ريادة الإمارات العربية المتحدة في الابتكار

تأتي الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول التي تقوم بدمج الابتكار في حوكمتها من خلال مبادرات مثل المختبرات التنظيمية (RegLabs) وصناديق الاختبار ومجالس الابتكار، على سبيل المثال، يوفر مختبر تنظيم الخدمات المالية في الإمارات العربية المتحدة، الذي أنشأته سوق أبوظبي العالمي، للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية منصة آمنة لاختبار الابتكارات، في حين تدعم صناديق الاختبار التابعة لواحة دبي للسيليكون الشركات الناشئة في المراحل المبكرة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الاستراتيجية الوطنية للابتكار العديد من المجالس لدفع الجهود التعاونية بين القطاعين العام والخاص، ما يضمن تطور الإطار التنظيمي للبلاد جنباً إلى جنب مع التقدم التكنولوجي.

دعوة للعمل.. إعادة النظر في الابتكار لدى الحكومات

ماذا لو أصبحت الحكومات بناة مشاريع بدلاً من مجرد منظمين؟

ماذا لو كانت عملية الشراء تركز على الحلول الجريئة بدلاً من العقود التقليدية؟

ماذا لو كانت الشركات الناشئة تتمتع بحرية التجربة في مختبرات الابتكار المدعومة من الحكومة؟

هذه ليست أسئلة نظرية، إنها تحدد مستقبل الابتكار في القطاع العام.

إذا التزمت الدول المتقدمة بهذه الرؤية، فلن تتخلف الحكومات عن التكنولوجيا، بل ستقود الطريق نحو مستقبل أكثر ذكاءً ومرونة.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية