تشهد مصر وفرة في المعروض العقاري، إذ لا يكاد يمر شهر دون الإعلان عن مشروع جديد في شرق القاهرة أو غربها رغم الزيادات المطّردة في تكاليف مواد البناء وأسعار الأراضي، الأمر الذي دفع قيمة الوحدات للزيادة بمقدار يصل إلى نحو 100 في المئة خلال عام 2023.. فهل تحدث تلك القفزات السعرية ركوداً عقارياً في الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان؟

ما هو الركود العقاري؟

يقول الخبير العقاري حسين جمعة، إن الركود العقاري يحدث نتيجة تراجع عمليات البيع والشراء بسبب الارتفاعات الضخمة في أسعار الوحدات والتي تتأثر بارتفاع تكاليف مواد البناء والعمالة وأسعار الأراضي، ما يؤدي إلى وجود فائض في المعروض وانكماش في الطلب.

وأضاف أن مصر يمكن أن تشهد ضعفاً في الطلب على العقارات خلال بعض الفترات الزمنية لكنه لن يكون ركوداً كاملاً بسبب الحاجة دائماً إلى وجود معروض عقاري كافٍ لتلبية الطلب المستمر الناجم عن الزيادة السكانية الهائلة.

ويتجاوز عدد سكان مصر 100 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 157 مليوناً عام 2050، بحسب توقعات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ارتفاع الطلب والربحية

استبعد محمد خالد العسال الرئيس التنفيذي لشركة مصر إيطاليا العقارية، أن تشهد مصر ركوداً عقارياً خلال العام الجاري بسبب الحاجة المستمرة لإنشاء وحدات جديدة لتلبية الطلب المرتفع جراء الزيادة السكانية والبالغة نحو 2.5 مليون شخص سنوياً، بالإضافة إلى رغبة المواطنين في تحسين معيشتهم عبر الانتقال إلى مجتمعات سكنية جديدة أكثر رفاهية، فضلاً عن الطلب المكثّف من المصريين في الخارج والعرب داخل مصر وخارجها بسبب انخفاض سعر المتر في مصر مقارنة بدول الجوار.

وقال إن الطلب على العقارات في مصر ارتفع بأكثر من 50 في المئة خلال العام الماضي، في ظل ارتفاع ربحية القطاع العقاري، إذ زاد سعر المتر في مشروع البوسكو المملوك للشركة في العاصمة الإدارية الجديدة من 10 آلاف جنيه في بداية المشروع إلى 70 ألف جنيه في الوقت الحالي، ومن المتوقع أن يصل إلى 90 ألف جنيه بحلول نهاية العام الجاري أي بنسبة زيادة 900 في المئة.

وتحتاج مصر إلى 600 ألف وحدة سكنية سنوياً، بحسب تصريحات وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية عاصم الجزار.

وذكر العسال أن شركته تتحوط ضد الزيادات المستمرة في أسعار مواد البناء عبر تسريع عملية الإنشاءات، والاحتفاظ بمخزون من الوحدات العقارية في مشروعاتها يصل إلى 10 في المئة من وحدات كل مرحلة، لبيعها عند التسليم بالسعر الحالي للسوق.

وأكد أن خفض الجنيه المتوقع لن يكون له تأثير على سعر العقارات، إذ يتم احتساب تكلفة مواد البناء الحالية بناءً على سعر الدولار في السوق الموازية، مضيفاً أن البنوك إذا نجحت في توفير العملة الأجنبية لمستوردي الحديد فإن الأمر سينعكس إيجاباً على أسعار حديد التسليح وبالتالي تكلفة مواد البناء.

وتترقب مصر خفضاً محتملاً في سعر الجنيه أمام الدولار للحصول على دفعة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي الذي يشترط على البلاد تبني سعر صرف مرن ضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التقشفية.

ويبلغ السعر الرسمي للدولار في البنوك المصرية عند كتابة هذا التقرير 30.90 جنيه، بينما تجاوز سعره في السوق الموازية 62 جنيهاً.

ورفعت شركة مصر إيطاليا أسعار الوحدات العقارية بنحو 100 في المئة خلال عام 2023، بينما زادت أسعارها بنحو 35 في المئة منذ بداية العام الجاري، وتتوقع أن تكون هناك زيادة مماثلة في الأسعار خلال العام بحسب العسال.

وتعتزم الشركة ضخ استثمارات بقيمة ثمانية مليارات جنيه (247.2 مليون دولار وفقاً للسعر الرسمي) خلال العام الحالي، وتستهدف تصدير 30 في المئة من مشروعاتها العقارية.

القيمة الشرائية للجنيه

وقال أحمد منصور رئيس شركة كريد (Cred) خلال مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن هناك طلباً قوياً على العقارات في مصر للحفاظ على القيمة الشرائية للجنيه كون القطاع هو القطاع الاستثماري الأكثر استقراراً مقارنة بالقطاعات الأخرى.

وأكد أن العام الماضي، شهد بيع أكبر عدد من أمتار الأراضي رغم ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن شركته رفعت أسعار وحداتها العقارية بنحو 90 في المئة منذ 2023 حتى الآن.

وأوضح أن شركته تحاول التغلب على الزيادة المستمرة في تكاليف مواد البناء عبر تحديد تكلفة بناء وبيع كل مرحلة من مراحل المشروع على حدة، مستبعداً إمكانية تخزين مواد البناء مثل الحديد والذي يحتاج إلى مساحات كبيرة لتخزينه فضلاً عن تجاوز سعر الطن 60 ألف جنيه، ما يتطلب توافر سيولة مالية مرتفعة للغاية.

وتستهدف شركة كريد للتطوير العقاري مبيعات بقيمة 12 مليار جنيه (390 مليون دولار وفقاً للسعر الرسمي للعملة المصرية) خلال العام الجاري، ارتفاعاً من 3.4 مليار جنيه العام الماضي.

وقال أيمن سامي، مدير شركة (جيه.إل.إل) في مصر، إن مبيعات العقارات في مصر في ازدياد مستمر، إذ تظل العقارات هي الاستثمار المفضّل كوسيلة آمنة وتحوطية لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، وزيادة التضخم.

ومع وصول معدل التضخم السنوي حالياً إلى نحو 30 في المئة، وفي ظل توقعات ببقائه في خانة العشرات لعدة أعوام على الأقل، فإن المصريين يفتشون عن استثمارات تحافظ على قيمة أصولهم.

وسجّل المعدل السنوي للتضخم العام في مصر 29.8 في المئة في يناير كانون الثاني مقابل 33.7 في المئة في ديسمبر كانون الأول 2023.

وذكر سامي أن أسعار الوحدات العقارية في مصر جاذبة للغاية للمستثمرين الأجانب بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى.

وتعاني مصر من نقص حاد في موارد النقد الأجنبي وهي الأزمة التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا وما تلاها من حرب روسيا على أوكرانيا والصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط إذ أثرت كل تلك الأزمات على عائداتها من قناة السويس والسياحة.

وتوقعت (جيه.إل.إل) نمو سوق عقارات البيع بالتجزئة في مصر بمقدار خمسة أضعاف خلال عام 2024.