أدى زلزال السادس من فبراير شباط 2023، الذي ضرب سوريا وتركيا إلى مقتل نحو 6 آلاف في سوريا وفاقم الدمار الناجم عن النزاع الداخلي المستمر بها منذ 12 عاماً والذي أودى بحياة ما يقرب نصف مليون شخص، وبعد مرور عام على الزلزال العاتي الذي دمر قرى بأكملها في شمال سوريا، لا يزال عشرات الآلاف من الأشخاص الذين نزحوا بسبب الكارثة يفتقرون إلى مكان يستقرون فيه، خاصة مع اشتداد الاقتتال بالداخل.
وقدَّر البنك الدولي في تقييم أولي بعد الزلزال أن الكارثة تسببت في أضرار مادية بقيمة 5.1 مليار دولار في جميع أنحاء سوريا سواء التي تسيطر عليها الحكومة أو المعارضة، كما قُدِّرت الخسائر خلال السنوات الأربع الأولى من حرب سوريا بنحو 226 مليار دولار، أي نحو أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2010.
أعادت الحكومة بناء أجزاء صغيرة من البلاد بمساعدة حلفائها، وتشمل هذه الجهود قسماً من السوق الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت في مدينة حلب الشمالية وبعض المساجد التاريخية في حلب ومدينة حمص الوسطى، ومع ذلك لا تزال مدن وبلدات وقرى بأكملها في حالة خراب، في حين تسبب الصراع في أضرار دائمة لأنظمة الكهرباء والنقل والصحة في البلاد.
ويبقى البلد في حاجة ماسة إلى الأموال بسبب الاقتصاد المدمر، وانعدام الأمن الغذائي، والعقوبات الشديدة، وتسعى سوريا إلى إيجاد حلفاء إقليميين لتمويل إعادة الإعمار وخاصة الصين التي تملك القدرة على إعادة إعمار البنى التحتية بسرعة هائلة.
وتتطلع الصين كذلك إلى فوائد استراتيجية، بما في ذلك الوصول إلى ميناء اللاذقية والتزام سوريا بمبادرة الحزام والطريق.
وفي هذا المسعى برزت الهند كلاعب مهم، إذ قدمت مزيجاً مميزاً من الخبرة الدبلوماسية والمساعدة التنموية.
وخلال مشاركته في مؤتمر الشرق الأوسط الثالث عشر لنادي «فالداي» للحوار، الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف في تصريحات نقلتها وكالة تاس للأنباء «نحن نعمل بالتأكيد مع الدول العربية ونشجعها على القيام بدور أكثر نشاطاً في إعادة إعمار سوريا الآن بعد أن عادت سوريا بالفعل إلى جامعة الدول العربية».
المزيد من السوريين يتشردون من منازلهم
يقول ديفيد كاردين، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن هناك نحو 7 ملايين نازح في عموم سوريا منهم 3.4 مليون نازح في شمال غرب البلاد، ويمثل هذا الرقم زيادة بنحو 500 ألف شخص منذ العام الماضي ويعيش معظم هؤلاء في شمال غرب سوريا في خيام غير رسمية.
وأضاف أن عدد النازحين زاد بواقع 100 ألف في الآونة الأخيرة، تحديداً في أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، مع تصاعد الأعمال العدائية في شمال غرب سوريا.
جهود جهات غير الحكومية في إعادة الاعمار
بحسب مكتب الأمم المتحدة، فمن الصعب تحويل جهود إعادة الإعمار إلى حقيقة دون حلّ سياسيّ، لكنَّ هناك اهتماماً كبيراً بتسريعِ وتيرة جهود إعادة الإعمار، خاصة من الجمعيات غير الحكومية.
ويقول كاردين «على سبيل المثال، أُعيد في العام الماضي تأهيل أكثر من ألف مدرسة ومستشفى وسوق ومرافق مدنية متضررة، بما في ذلك المرافق التي تضررت بسبب الزلازل، وقُدم الدعم لأكثر من 83 ألف شخص من خلال إعادة تأهيل المآوي».
ويعمل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على استكمال بناء مآوٍ توفر الحمايةَ وتحفظ الكرامةَ للنازحين، وانتقلت إلى هذه المآوي حتى الآن 130 ألف أسرة.
وفقاً لكاردين، فإن «هدفنا هو الوصول إلى 81 ألف شخص آخرين، وأعتقد أن إحدى المشكلات التي نواجهها الآن هي نقص الأموال».
من الناحية الأخرى، عملت شركات مثل آرادا الإماراتية على مبادرة تبني من خلالها منزلاً مقابل كلّ منزل تبيعه في الإمارات، وخلال هذا الشهر سوف تنفق نحو مليوني دولار لبناء مجتمع جديد في سوريا.
قالت روزا بيرو، مديرة تطوير الأعمال في شركة أرادَ للتطوير العقاري في لقاء مع «CNN الاقتصادية» «نحن لا نتطلع إلى بناء المنازل فحسب، بل سيكون لدينا أيضاً مسجد، وعيادة، وملاعب، وسوق، لذلك نأمل هذا العام أن نبني ما لا يقل عن 300 منزل، وبشكل عام المستفيدون من هذه المنازل هم العائلات الكبيرة المكونة من خمسة أو ستة أفراد، لذلك نحن نقدر أن نحو 1500 سوف يستفيدون من المنازل».
وتقدر أرادَ تكلفة كلّ منزل بنحو 10 آلاف دولار، ولكنّ تكلفةَ البناء تتأثر ببعض المشكلات مثل تضخم أسعار مواد البناء وكذلك الضغوط اللوجستية نتيجةَ انخفاض حركة الملاحة في قناة السويس.
وبشكل عام ورغم كل تلك الجهود، تظل عملية إعادة الإعمار في سوريا محفوفة بتعقيدات كثيرة، فالعقوبات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، والنقص في التمويل، والتحديات اللوجستية كلها عوامل تضيف إلى صعوبة عملية الإعمار، إضافة إلى ذلك تعد الحاجة إلى تحقيق مصالحة وطنية وإعادة بناء الثقة بين المكونات المختلفة للمجتمع السوري من الركائز الأساسية لضمان نجاح عملية الإعمار والتنمية المستدامة.