يعد حكم الإعدام الذي صدر على قطب العقارات ترونج ماي لان، الرئيسة السابقة لمجموعة فان ثينه فات القابضة للتطوير العقاري بفيتنام في قضية احتيال مالي بقيمة 12.5 مليار دولار، حكماً غير اعتيادي في البلد الشيوعي الذي يفرض تلك العقوبة عادة على 22 جريمة، بما في ذلك القتل والسطو المسلح وتهريب المخدرات والاغتصاب، لكنه نادراً ما يفرضها في جرائم مالية.
ويقول محللون إن سوء سلوك لان أثار قلق الرأي العام في بلد لطالما حرص على ترسيخ صورة من الاستقرار، وأجج المخاوف بين المستثمرين الأجانب، الذين يعتبرون المحرك الرئيسي لاقتصاد فيتنام المزدهر.
وأُدينت لان، وهي في أواخر الستينيات من عمرها، بتهمة الرشوة وانتهاك القواعد المصرفية و الاختلاس، وحُكم عليها بالإعدام بالحقنة المميتة.
وفي تصريحات صحفية، قالت عائلتها إنها ستستأنف الحكم.
وقال محققون إنها وشركاءها اختلسوا أكثر من 304 تريليونات دونج (12.5 مليار دولار) من بنك سايغون التجاري للأسهم المشتركة، والذي سيطرت عليه فعلياً من خلال عشرات الوكلاء على الرغم من القواعد التي تحد بشكل صارم من المساهمة الكبيرة في المقرضين، حسبما ذكرت رويترز.
وأدت تصرفات لان إلى أضرار بقيمة 677 تريليون دونج فيتنامي (27 مليار دولار) لبنك SCB، أحد أكبر البنوك التجارية المملوكة للقطاع الخاص في البلاد، وفقاً لشركة VN Express International المملوكة للدولة.
ويعادل حجم الاحتيال نحو 3 في المئة من اقتصاد فيتنام، وبالمقارنة، فإن فضيحة صندوق 1MDB الحكومي التي طال أمدها في ماليزيا والتي بدأت عام 2009، وتوصف بأنها واحدة من أكبر الجرائم المالية في العالم، شملت نهب نحو 4.5 مليار دولار.
وبحسب رويترز، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن 84 متهماً في القضية تلقوا أحكاماً تتراوح بين المراقبة لمدة ثلاث سنوات والسجن المؤبد، ومن بينهم زوج لان، إريك تشو، وهو رجل أعمال من هونغ كونغ حُكِم عليه بالسجن تسع سنوات، وابنة أختها التي حُكِم عليها بالسجن 17 عاما.
المحاكمة وترت المستثمرين الأجانب الأمر الذي قد يضعف اقتصاد فيتنام. فكانت البلد موطن مثالي للشركات التي تتطلع إلى تحويل سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين.
فضائح الفساد تؤثّر على الاقتصاد
يمثّل الحكم على لان لحظة فارقة في التعامل مع الجرائم المالية في فيتنام، إذ يُسلّط الضوء على التشديد في معاقبة الجرائم التي تؤثّر على الاستقرار الاقتصادي والثقة العامة، ويعكس توقيت هذا الحكم والشدة في العقوبة رغبة الدولة في إرسال رسالة قوية ضد الفساد المالي والإداري، وهو ما قد يكون له تداعيات عميقة على المناخ الاستثماري في البلاد.
وفي العقود الأخيرة، لاقت فيتنام إشادة دولية باعتبارها قصة نجاح اقتصادي، وتوغلت شركات مثل أبل وإنتل بالفعل في السوق الفيتنامية لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها.
لكن محللين ومستثمرين قالوا لشبكة «CNN» إن الموجة الأخيرة من فضائح الفساد كان لها تأثير سلبي «عميق بشكل مفاجئ».
وقال أحد مستشاري الثروات في شركة استثمار عالمية رائدة في بانكوك، طلب عدم نشر اسمه بسبب الحساسيات المحيطة بالقضية «بشكل عام، شهدت فيتنام أداءً اقتصادياً جيداً، لكن من الواضح أن الأخبار الأخيرة هزت ثقة المستثمرين».
وبحسب المستثمر «فقد انخفض أداء الأسهم ويخشى المستثمرون الأجانب من وضع أموالهم في الشركات الفيتنامية عندما تظهر حالات الفساد وسوء الإدارة».
وقال إن القادة الذين تم طردهم كانوا أيضاً الوجوه المؤيدة لقطاع الأعمال في البلاد.
وأضاف «كانوا (يعتبرون) أكفاء، وكانوا محل ثقة وكانوا يفهمون مخاوف الاقتصاد والأعمال، لذا فإن المستثمرين الأجانب لديهم كل الأسباب للقلق».
مصير سوق العقارات في فيتنام
يشهد القطاع العقاري على وجه الخصوص تخبطاً في فيتنام، فقد انسحبت نحو 1300 شركة عقارية من السوق عام 2023، وتبقى المباني الشاهقة فارغة في المدن الكبرى مثل هانوي وهوتشي منه، إضافة إلى ذلك فهناك ضعف الطلب العالمي وانخفاض الاستثمار العام، ما أدّى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في فيتنام إلى 5.05% العام الماضي، مقارنة بـ8.02% عام 2022، وفقاً للبيانات الحكومية.
وشهد سوق العقارات تراجع الطلب والعرض عام 2023 بسبب المشكلات القانونية ونقص التدفقات النقدية للمطورين.
وفقاً لوزارة البناء، ظل العرض محدوداً في جميع القطاعات، حيث تم الانتهاء من 52 مشروعاً سكنياً تجارياً فقط تضم 16000 وحدة، أي أقل من نصف العدد عام 2022، وفي قطاع الشقق الفندقية، كان هناك 17 مشروعاً، بانخفاض 44%.
وأظهرت إحصاءات من شركة الاستشارات العقارية CBRE فيتنام أن المعروض من الشقق انخفض بنسبة 40% في كل من هانوي ومدينة هوتشي منه إلى 10100 و8600 وحدة.
ومع نهاية الربع الثالث، انخفض إجمالي عدد المعاملات في سوق العقارات بنسبة 59% إلى 324.700 فقط. شهد سوق العقارات تراجع الطلب والعرض في عام 2023 بسبب المشاكل القانونية ونقص التدفقات النقدية للمطورين.
وفي حين انخفضت أسعار المساكن وبعض القطاعات الأخرى بنسبة 10-20%، فإن أسعار الشقق في السوق الأولية تم شراؤها للعيش فيها وليس كاستثمار، بسبب انخفاض العرض، وفقاً للوزارة.
ومن المرجح أن تتعافى سوق العقارات ببطء بسبب محدودية العرض وارتفاع الأسعار.
وفي الوقت نفسه، فإن الرأي العام حول الفساد في فيتنام يؤثّر على شهية الاستثمار فيها، فوفقاً لمسح سنوي مبني على مقابلات مع ما يقرب من 20 ألف شخص، فإن عدد الأشخاص الذين يشعرون بأن الحكومة جادة في مكافحة الفساد انخفض بالفعل في عام 2023 مقارنة بالعام السابق.