تسير كيلومترات طويلة وهي تعاني من ألم الحيض والنزيف المتزايد، هذه هي قصة الكثير من الفلسطينيات اللاتي اضطررن للنزوح والمبيت في العراء في ظل تصاعد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة ودخول الحرب شهرها الثالث.
وفي ظل نقص سبل الحياة الضرورية مثل المياه والغذاء والدواء، لا سيما منتجات العناية الصحية الخاصة بالمرأة، صارت المرأة الفلسطينية تكافح لتلبية احتياجاتها كامرأة، وتعاني كغيرها من أبناء القطاع المحاصر جراء القصف الإسرائيلي العنيف، وكأن معاناة واحدة لا تكفي.
وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول قصفاً عنيفاً على قطاع غزة رداً على هجوم مباغت نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وأسر آخرين، وعلى الجانب الآخر أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ارتفاع عدد قتلى القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 17490 بينهم 7870 طفلاً و6121 امرأة.
المعاناة الصامتة من داخل قطاع غزة
«أقسم بالله العلي العظيم لا أستطيع الكلام، ذهب الكلام عني ولم يعد يجول بخاطري أي كلام سوى الذكريات الصعبة».. هكذا استهلت فاتن الفلسطينية التي خرجت من القطاع عند فتح معبر رفح خلال الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحركة حماس حديثها، وتابعت «المرأة الفلسطينية في قطاع غزة خاصة تعيش ظروفاً صعبة في كل الأوقات.. وظروفاً خاصة في هذه الأيام الصعبة».
وفي شهادتها لـ«CNN الاقتصادية» تقول فاتن «في ظل انقطاع المياه منذ بداية الحرب تحتفظ المرأة في غزة بكل المياه من جراء غسل الأواني والملابس، لاستخدامها في الحمامات».
وأوضحت فاتن أن النساء يضطررن للاقتصاد في استخدام المياه اللازمة للاستحمام والنظافة الشخصية، وتقول «للأسف في الشهر الأول من الحرب كان هناك اقتصاد كبير في النظافة الشخصية بسبب انقطاع المياه، قد تصل إلى مرة واحدة بعد انتهاء الدورة الشهرية».
وتضيف «المرأة الفلسطينية تنام بكامل ثيابها خوفاً من القصف».
وقد وصلت صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة ومنتجات العناية الشخصية، مثل الفوط الصحية اللازمة للنساء وقت الحيض، إلى درجات تنذر بالخطر الشديد، إذ تتعرض النساء في غزة لخطر انتشار الأمراض.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، يوم الأحد، إن تأثير الصراع بين إسرائيل وحماس على قطاع الرعاية الصحية في غزة «كارثي».
وأضاف خلال اجتماع طارئ للمجلس التنفيذي للمنظمة، أن الظروف مثالية لانتشار الأمراض الفتاكة.
وقال جيبريسوس أمام المجلس المكون من 34 عضواً «من الواضح تماماً أن تأثير الصراع على الصحة كارثي»، وأضاف «باختصار، زادت الاحتياجات الصحية بشكل كبير وانخفضت قدرة النظام الصحي إلى ثلث ما كانت عليه».
وتقول فاتن معلقة على مدى توافر الفوط الصحية والمنتجات الخاصة بالعناية الشخصية للمرأة، إن بعض هذه المنتجات كانت ما تزال متوفرة في بعض الصيدليات مع بداية الحرب، وقالت إن الوضع الحالي أصعب مع تفاقم نقص المنتجات وتعثر دخول المساعدات، وأضافت «أعتقد أن مواضيع الفوط النسائية قد تكون منسية».
كيف تتكيف النساء في غزة؟
وبحسب عدة منظمات أممية، أصبحت ظروف الإيواء في غزة لنحو 1.4 مليون نازح داخلياً مزرية، حيث تحدثت نساء فلسطينيات عن نقص حاد في منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية، وظهور حالات إصابة بالأمراض المنقولة جنسياً والتهابات المسالك البولية مع قلة العلاج الطبي أو عدم توفره في المخيمات المكتظة بشدة.
وقد أجبرت الظروف المعيشية القاسية، إلى جانب اكتظاظ مخيمات الإيواء والنزوح واسع النطاق، نساء غزة على اللجوء إلى تدابير غير تقليدية لتأخير الدورة الشهرية.
وأشارت عدة تقارير إلى أن السيدات في غزة لجأن لاستخدام بعض الأدوية التي تساعد على تأخير نزول الحيض.
وقالت نور إمام، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة ماذربينغ المتخصصة في الصحة الإنجابية والجنسية للمرأة، إن السيدات في غزة اضطرت للجوء لهذا النوع من الأدوية نظراً للظروف القهرية التي يعانين منها، وأضافت أن هذا هو «الحل الواقعي» حالياً بالنسبة للنازحات اللاتي أصبحن بلا بيت أو مأوى مع عدم التمكن من الوصول لمياه نظيفة، وقالت نور إن هناك «إشاعات بأن مثل هذه الأدوية قد تؤثر على خصوبة المرأة»، لكنها أكدت «حبوب منع الحمل عامة يمكن أخذها بأمان، لكن بعد استشارة الطبيب، وبذلك لن تشكل خطورة على خصوبة المرأة».
ووفقاً لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادر خلال شهر أكتوبر تشرين الأول الماضي عن الأوضاع في غزة، فهناك ما يقرب من ربع مليون (238289) مراهق تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً في القطاع نصفهم من الفتيات، إذ تزايدت حالات الفتيات اللاتي يعانين من محدودية فرص الحصول على الخدمات الصحية ومستلزمات النظافة، التي غالباً ما يتم تجاهلها في قوافل الإغاثة والمساعدات التي تدخل القطاع.
ويشير التقرير نفسه إلى أن أكثر من 690 ألف امرأة لا يحصلن إلا على القدر اليسير من منتجات النظافة الخاصة أثناء فترة الدورة الشهرية.
وتقول نور المتخصصة في صحة المرأة «مع نقص توافر الفوط الصحية ولجوء السيدات لاستخدام وسائل بديلة مثل الأقمشة مع نقص المياه اللازمة للنظافة الشخصية، قد يؤدي ذلك لارتفاع فرص الالتهابات للجهاز التناسلي الأنثوي الخارجي والداخلي، بالإضافة لالتهابات مجرى البول، مع إمكانية تصاعد هذه المشكلات لأمراض أكثر خطورة».
وأشارت نور إلى حملة التبرعات التي تبنتها لجمع الفوط الصحية للنساء في غزة، وقالت «جمعنا فوق الـ600 ألف فوطة صحية وقمنا بتوصيلها لقطاع غزة»، لكنها أشارت إلى أن هذه الكمية «لا تزال غير كافية» لأن السيدات ستظل دائماً بحاجة لهذه المنتجات، فعملية الولادة والحيض ستظل مستمرة ولن تتوقف مع حدوث الحرب.
تقارير المنظمات الدولية والإقليمية
ووفقاً لتقرير منظمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ضمن التحليل السريع حول تأثيرات التصعيد في غزة، والذي صدر في أكتوبر تشرين الأول الماضي، فإن متوسط استهلاك المياه الحالي في القطاع يقدر بثلاثة لترات يومياً للشخص الواحد لتلبية جميع الاحتياجات، بما في ذلك الشرب والطبخ والنظافة.
كانت تقارير قد أفادت بأن السكان يستهلكون المياه من مصادر غير آمنة، ما يعرضهم لخطر تفشي الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الماء.
وكشف التحليل الذي أجرته الأونروا مؤخراً أن عدم كفاية توفر مستلزمات النظافة في الأسواق المحلية ودخولها إلى غزة يعرض النساء والفتيات للأمراض والالتهابات، فضلاً عن الآثار النفسية السلبية على النساء ونظرتهن لأنفسهن بسبب تدني مستوى عنايتهن بأجسامهن.
وبات تعذر الوصول إلى دورات المياه وأماكن الاستحمام وخدمات غسيل الملابس له تأثير عميق على الصحة النفسية والاجتماعية للمرأة، خاصة أثناء فترة الحيض.
كما أدى الاكتظاظ في مخيمات الإيواء والنزوح المستمر إلى الحد من الخصوصية، وتضطر النساء إلى الانتظار في طوابير طويلة للوصول إلى دورات المياه القليلة المتاحة، وحتى لتغيير ملابسهن.
وكوسيلة للتكيف، قام العديد منهن بتقليل عدد مرات الاستحمام إلى مرة واحدة في الأسبوع، وفقاً لما كشفه التحليل الذي أجرته الأونروا.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات الأولية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى وجود نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة، بينهن 5500 امرأة من المتوقع أن يلدن في غضون شهر من بداية الحرب، و5500 امرأة من المتوقع أن يلدن في الشهر الثاني من الحرب، في ظل غياب وسائل العناية الصحية بالمرأة والطفل وخدمات رعاية الأطفال حديثي الولادة.
وقد تبدو معاناة الفلسطينيات من مشكلات النظافة الشخصية والمتطلبات النسائية غيضاً من فيض المعاناة في غزة، لكن الأصوات تعالت تعبيراً عما تعانيه النساء في القطاع لتلبية أبسط احتياجاتهن وسط نقص في الإمدادات وتحت نيران القصف.