مع ارتفاع مخاطر تغير المناخ، بات التحول السريع نحو الطاقة النظيفة أمراً ضرورياً إلا أن هذا التحول يتطلب كميات كبيرة من المعادن التي يستغرق استخراجها وقتاً طويلاً، وتعمل السعودية على إعادة تشكيل نظام الاستثمار التعديني من أجل اختصار الوقت، بحسب ما قاله وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» على هامش مؤتمر التعدين الدولي في الرياض.

وقال الخريف إن هذا النظام الجديد ساعد في جذب استثمارات كبيرة وسريعة، إذ وصل عدد رخص التعدين التي أُصدرت في السنتين الماضيتين إلى 4400 رخصة، وهو رقم يعادل ما تم إصداره من رخص لسنوات عديدة، كما أن المملكة تسهّل حصول المستثمرين على الأراضي عن طريق تقليص المدة الزمنية اللازمة لذلك لتصبح ثلاثة أشهر فقط.

كان الخريف قد أعلن خلال المؤتمر عن رفع المملكة تقديراتها لقيمة الموارد المعدنية غير المستغلة إلى 2.5 تريليون دولار مقارنة بتوقعات 2016 البالغة 1.3 تريليون دولار، وقال الخريف إن التقديرات الجديدة تستند إلى استكمال 30 بالمئة من عمليات التنقيب في منطقة الدرع العربي، مشيراً إلى أن المزيد لم يُكتشف بعد.

وتخطط المملكة لمنح أكثر من 30 رخصة للمستثمرين الدوليين بهدف التنقيب عن المعادن هذا العام، وقد تعرض مناطق امتياز أكبر تزيد مساحة الواحدة منها على ألفي كيلومتر.

كما أعلنت السعودية خلال المؤتمر عن برنامج حوافز للتنقيب عن المعادن بقيمة 182 مليون دولار في إطار سعيها لتعزيز قطاع التعدين واستغلال الاحتياطيات الكبيرة من خامات الفوسفات والذهب والنحاس والبوكسيت.

وقال الخريف لـ«CNN الاقتصادية» إن استقبال الطلبات للبرنامج التحفيزي بدأ بالفعل وذلك من أجل تسريع وتيرة الاستكشاف.

وتستهدف السعودية خلال هذا البرنامج المستكشفين والجيولوجيين الصغار الذين لا يمتلكون رأس المال الضخم من أجل الإنفاق على المواقع، كما سيتم قبول طلبات الشركات التي تبحث عن المعادن النادرة من أجل الصناعة.

وفي هذا الإطار، قال نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية في المملكة خالد المديفر إن مؤتمر التعدين الدولي نجح في جذب المستثمرين الأجانب إلى المملكة خلال نسخه الثلاث، بحيث أصبحت الشركات الأجنبية بالكامل التي تأتي لأول مرة للمملكة ومعها أحدث التقنيات تشكل نسبة 25 في المئة من المتقدمين للرخص، وأضاف أن نسبة الرخص التعدينية زادت أربعة أضعاف على ما كانت عليه قبل الاستراتيجية الجديدة لإعادة تشكيل نظام الاستثمار التعديني.

وذكر المديفر أن قطاع التعدين بحاجة ماسة لاستثمارات تبلغ خمسة تريليونات دولار لسد الفجوة وتعزيز دعم المعادن الحرجة وتطوير البنية التحتية والخدمات وإنتاج الطاقة الكهربائية، موضحاً أهمية التمويل بوصفه عنصراً فاعلاً في تسريع النجاحات وتحقيق أهداف الطاقة النظيفة.

ومن ناحية أخرى، تعمل المملكة على تسريع عملية تحويل الخامات التعدينية إلى معادن من خلال الاستثمار في الصناعات التحويلية والاستفادة من قدرات المملكة الهائلة في مجال الطاقة.

وانعقد مؤتمر التعدين الدولي في الرياض في الفترة من 9 إلى 11 يناير كانون الثاني بمشاركة أكثر من 16 ألف مشارك من 145 دولة بالإضافة إلى 250 متحدثاً.

وناقش الحضور إحراز التقدم في أجندة القطاع المستقبلية، والتعامل مع مستجدات القضايا التي تم التركيز عليها في مناقشات النسخة الثانية من المؤتمر، لا سيما القضايا المتعلقة بقطاع التعدين في المنطقة الممتدة من إفريقيا إلى غرب ووسط آسيا.

كما تناول المؤتمر متغيرات وتطورات الواقع العالمي اليوم وآثاره على إمدادات المعادن والطاقة في المنطقة والعالم ومساهمة المشاريع التعدينية في تنمية المجتمعات واستعراض التطورات التي شهدتها الفترة الماضية وبحث إمكانات وفرص القطاع في المملكة على وجه الخصوص والمنطقة بشكل عام.

المعادن والطاقة النظيفة.. ما العلاقة؟

تُعد المعادن الحيوية مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة مكونات أساسية في العديد من تقنيات الطاقة النظيفة سريعة النمو اليوم من توربينات الرياح وشبكات الكهرباء إلى السيارات الكهربائية.

ويتزايد الطلب على هذه المعادن بسرعة مع تسارع الجهود لتحقيق التحول في مجال الطاقة النظيفة، فمثلاً تتطلب محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية ومزارع الرياح والمركبات الكهربائية بشكل عام معادن أكثر من نظيراتها المعتمدة على الوقود الأحفوري، وتتطلب السيارة الكهربائية ستة أضعاف المدخلات المعدنية للسيارة التقليدية، وتتطلب مزارع الرياح البحرية موارد معدنية أكثر بـ13 مرة من أي محطة تعمل بالغاز وذات حجم مماثل.

ومنذ عام 2010، زاد متوسط كمية الموارد المعدنية اللازمة لبناء وحدة جديدة من قدرة توليد الطاقة بنسبة 50 في المئة.

ويعتبر الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت من العناصر المهمة لأداء البطارية، كما تعتبر العناصر الأرضية النادرة ضرورية للمغناطيس الدائم المستخدم في توربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية، وتحتاج شبكات الكهرباء إلى كمية هائلة من الألومنيوم والنحاس، إذ يعتبر الأخير حجر الزاوية في جميع التقنيات المتعلقة بالكهرباء.

السعودية مركزاً لصناعة السيارات الكهربائية

تسعى السعودية بدورها لأن تكون مركزاً عالمياً في مجال صناعة السيارات الكهربائية، ويقول وزير الصناعة والثروة المعدنية إن المملكة تسير على الطريق الصحيح اليوم، خاصة بعد إعلانها عن ثلاث شركات لتصنيع السيارات الكهربائية، وهي لوسيد وسير وهيونداي التي أعلنت مؤخراً عن بناء مصنع لهذه السيارات في المملكة.

وأضاف الخريف أن وجود هذه الشركات الثلاث في السعودية سيتيح فرصة وصول عدد السيارات الكهربائية المصنعة في السعودية إلى 350 ألف سيارة خلال عام 2030، أو حتى قبل ذلك.

وفي هذا الإطار تعمل السعودية مع تلك الشركات على تطوير سلسلة الإمداد، بالإضافة إلى جلب شركات متخصصة في الصناعات الضرورية إلى المملكة، منها شركة بيريللي للإطارات التي وقّعت مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي اتفاقية مشروع مشترك لتأسيس مصنع للإطارات في المملكة على أن يبدأ المصنع إنتاجه عام 2026.

وفي ما يتعلق بالاضطرابات في سلاسل الإمداد، أشار الخريف إلى أنها لم تؤثر على السعودية بشكل كبير، وقد ساعد موقع السعودية وبُنيتها التحتية على ذلك، ما يؤهل المملكة إلى أن تكون لاعباً رئيسياً في التجارة العالمية اليوم.

وذكر المديفر، نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية، أن المملكة تعمل على استكشاف المعادن الثمينة والنادرة من أجل تمكين هدف جعل البلاد مركزاً لصناعة السيارات الكهربائية، إذ أصبحت شركة معادن اليوم من أكثر الشركات العالمية إنفاقاً على الاستكشاف.

وأضاف أن الاستكشافات الجديدة بشأن زيادة تقديرات المعادن غير المستغلة في المملكة ستعمل باستراتيجية شبيهة باستراتيجية الألومنيوم في المملكة، وهي من المنجم إلى السيارة أي تنفيذ عملية التصنيع بالكامل على الأراضي السعودية.

المعادن في المملكة.. براً

قال محمد شهاب الباحث الجيولوجي في جامعة الملك سعود لـ«CNN الاقتصادية» إن المعادن المستهدفة في المملكة هي الليثيوم والنحاس والكروميت والمعادن الفلزية التي قد تكون متاحة بكميات كبيرة في منطقة الخليج العربي.

وأشار إلى أن الكشف عن المعادن في المملكة قد يكون أسهل من باقي الدول نظراً لشبه انعدام النباتات والغابات ما يساعد في عملية الاستشعار عن بعد التي تعتمد على صور الأقمار الصناعية.

ومن بين إحدى المهمات التي يقوم بها فريق شهاب من أجل الكشف عن المعادن مهمة البحث عن صخور البيغماتيت التي يستخرج منها الليثيوم والنحاس في أرجاء المدينة المنورة، وغيرها من المعادن التي تحمل إمكانات اقتصادية وصناعية كبيرة.

أما في منطقة الأحمر بشمال شرق محافظة ينبع فيعمل الجيولوجيون على الكشف عن الذهب والنحاس، وفي مدينة نيوم ينقبون عن الحجر الجيري الذي يستخدم في البناء.

وأضاف شهاب أن التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في الكشف عن المعادن باتت أسرع وأكثر فاعلية من التقنيات القديمة التي كانت تعتمد على العمل الميداني وتتطلب الكثير من الوقت والمال.

أما اليوم فباستخدام بيانات الأقمار الصناعية يقوم شخص خبير في التحليل بتنزيل البيانات ومعالجتها عبر برامج خاصة للحصول على نقطة مثيرة للاهتمام للكشف.

وبحراً

لا تقتصر استثمارات السعودية لاستخراج المعادن على اليابسة فحسب بل للمياه حصة أيضاً من هذه الاستثمارات، فتقوم المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة السعودية بالعديد من الابتكارات لاستخلاص المعادن من مياه البحار.

وتشير الأرقام المتوقعة للاستثمار في تعدين الرجيع الملحي من منظومات التحلية في السعودية إلى أنه سيصل إلى ثمانية مليارات ريال في عام 2030، أما نسبة الإيرادات المتوقعة للمؤسسة فستصل إلى مليار ريال عام 2030، في ما ستزيد المساهمة في الناتج المحلي إلى 1.5 مليار ريال في ذات العام.

ويقصد بالرجيع الملحي المحلول الملحي المركز الذي ينتج عن عملية تحلية مياه البحر، وتنتج صناعة تحلية المياه للشرب والزراعة نفايات من المحلول الملحي عالي التركيز، ويتم التخلص منه عادةً عن طريق إلقائه مرة أخرى في البحر، وهي عملية تتطلب أنظمة ضخ مكلفة ويجب إدارتها بعناية لمنع الإضرار بالنظم البيئية البحرية.

ويقول محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة عبدالله بن إبراهيم العبد الكريم إن التركيز اليوم هو على كيفية استخلاص المزيد من المعادن وزيادة تراكيزها في مياه البحر بأقل قدر ممكن من استهلاك الطاقة من خلال فصل المياه العذبة عن المحلول الملحي لتصبح تراكيزها أعلى وتصبح متاحة للاستخراج والاستخدام.

كما اعتبر أن مستقبل التعدين البحري واعد على مستوى العالم وخصوصاً في السعودية كونها تمتلك أعلى طاقات إنتاج للمحلول الملحي إذ تبلغ 12 مليون متر مكعب في اليوم.

ووصلت المؤسسة اليوم إلى نسبة تراكيز مجدية لاستخلاص عدد من المعادن كالصوديوم، والماغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم، بالإضافة إلى فرص واعدة جداً لليثيوم وقد تصل في المستقبل البعيد لليورانيوم.

وقال الكريم إن كمية هذه المعادن في البحر لا محدودة إذ يصل حجم الليثيوم في البحر إلى 180 مليون طن.

وعلى الرغم من أن المؤسسة لا تزال في طور الأبحاث، فإنها نجحت في استخراج الماغنيسيوم وكلوريد الصوديوم والبورون، بالإضافة إلى البرومين، إذ ستوقع الشركة عقداً استثمارياً مع شركات من أجل استخراجه، وهو معدن يدخل في صناعات الطاقة وقد يتم تصديره من السعودية بعد عامين.