بعد تعليق عدة دول مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وفي ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة بلا هوادة على قطاع غزة، يتبادر إلى الذهن التساؤل عن مصير النازحين داخل القطاع المحاصر ومَن هم اليوم في أمس الحاجة للمساعدات.

وتحذّر الأونروا من تفاقم الأزمة في قطاع غزة حال استمر هذا القرار الذي اتخذته نحو 12 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر جهة مانحة للأونروا.

وتشير الوكالة عبر موقعها الإلكتروني إلى أن الدعم السخي الذي حصلت عليه من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما في ذلك الحكومات الإقليمية والاتحاد الأوروبي أسهم بنسبة 89.2 بالمئة من الأموال التي حصلت عليها عام 2022، وتضيف أن التمويل الذي حصلت عليه من ميزانية الأمم المتحدة ومساهمات كيانات المنظمة الدولية وصل إلى 44.6 مليون دولار عام 2022، وأن الشراكات الخاص منحتها 15.4 مليون دولار.

ويشير الموقع إلى أن أكبر المانحين للأونروا عام 2022 هي الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد والنرويج واليابان وفرنسا والسعودية وسويسرا وتركيا.

قرار مفاجئ يهدد حياة الفلسطينيين

قررت عدة دول مانحة للأونروا تعليق مساعداتها للوكالة الأممية على خلفية المزاعم الإسرائيلية بضلوع عدد من موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر تشرين الأول المعروفة بعملية طوفان الأقصى.

وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن القصف الإسرائيلي أودى بحياة أكثر من 27 ألف شخص وخلّف أكثر من 66 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.

وتعليقاً على هذا القرار، قال كاظم أبو خلف الناطق باسم الأونروا خلال مقابلة عبر تطبيق زووم مع «CNN الاقتصادية»: «لا بُدّ أن نعترف أن هذا القرار بالنسبة لنا كان مفاجئاً.. مفاجئاً في سرعته ومفاجئاً في حيثياته»، وأضاف أن غرابة هذا القرار تكمن في توقيته الحرج «خصوصاً أن الكل يعرف ويرى ما يجري في قطاع غزة الآن».

وأكد أن الأونروا تُعدُّ «شريان حياة» بالنسبة للاجئين الآن في قطاع غزة.

وبالحديث عن الوضع الحالي داخل القطاع مع اقتراب الحرب من دخول شهرها الخامس، قال أبوخلف «لدينا في قطاع غزة، ونحن المؤسسة الأممية العاملة الأكبر في قطاع غزة، ثلاثة آلاف من أصل 13 ألفاً من العاملين لا يزالون يعملون ويقدّمون ما استطاعوا من خدمات متوفرة».

وأوضح الناطق باسم الأونروا من رام الله أن الاحتياج الآن «مهول جداً» مع الازدياد المستمر لأعداد النازحين منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وأفاد بأن أعداد النازحين في مدينة رفح الفلسطينية وصلت إلى نحو 50 في المئة من سكان غزة بأكملها، في حين أن المدينة لا تسع إلّا لنحو 280 أو 300 ألف شخص، وذلك نتيجة النزوح المستمر جنوباً داخل القطاع.

ووفقاً للمتحدث الرسمي باسم الأونروا، فإن عدد النازحين داخل قطاع غزة في مرافق الأونروا فحسب والبالغ عددها نحو 156 مرفقاً معظمها مدارس، تجاوز المليون و700 ألف نازح.

وقال أبوخلف في حديثه لـ«CNN الاقتصادية»، «الوضع الإنساني كارثي بامتياز.. لا يوجد حتى الآن في قطاع غزة ما يكفي من المساعدات التي تدخل»، وأوضح أن عدد الشاحنات التي تدخل الآن «يتراوح بين 85 و86 شاحنة مقارنة بالعدد الذي كان يدخل قبل الحرب وهو بين 500 و600 شاحنة في اليوم الواحد».

وشدد أبوخلف على أن القطاع بحاجة إلى التدفق المستمر لشاحنات المساعدات قائلاً «حتى سقف الـ500 و600 شاحنة لم يعد مقبولاً، فالقطاع الآن بعد هذا الحجم من الدمار يحتاج إلى المزيد من المساعدات حتى يستطيع التقاط أنفاسه».

تعليق المساعدات تزامناً مع قرار محكمة العدل

تزامنت قرارات تعليق المساعدات من أكبر الدول المانحة للأونروا مع قرار محكمة العدل الدولية رفض طلب إسرائيل رد دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضدها من قبل جنوب إفريقيا، فضلاً عن مطالبة المحكمة بمزيد من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة المحاصر.

وأعرب المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني عن قلقه حيال الوضع الراهن في غزة والخطر الذي يواجه النازحين داخل القطاع، وقال في منشور له عبر منصة إكس «قام عدد من الدول المانحة بتعليق تمويل بقيمة 440 مليون دولار أميركي للأونروا، وفي هذه الأثناء، الحرب في غزة مستمرة بلا هوادة».

وقال «في الوقت الذي تدعو فيه محكمة العدل الدولية إلى المزيد من المساعدات الإنسانية، فقد حان الوقت لتعزيز عدم إضعاف الأونروا.. نحن أكبر منظمة مساعدات في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية خطورة وتعقيداً في العالم».

وأكد المفوض العام للأونروا أن تعليق المساعدات قد يطول عمليات الوكالة بأكملها وليس فقط في غزة، وقال في تغريدته «إذا ظل التمويل معلقاً، فمن المرجح أن نضطر إلى إيقاف عملياتنا بحلول نهاية شهر فبراير، ليس فقط في غزة ولكن أيضاً في جميع أنحاء المنطقة».

وتساءل لازاريني في حديثه مع جريدة فاينانشال تايمز عمّا إذا كانت الوكالة تدفع ثمن شهادتها ضد ما يحدث في غزة قائلاً «هل ندفع ثمن ارتفاع أصواتنا في لفت الانتباه إلى محنة الناس في غزة، وعن هذه الكارثة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا؟».

وشملت قائمة الدول التي علقت مساعدتها للأونروا الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وهولندا وألمانيا واليابان والنمسا ورومانيا ونيوزيلندا.

دول تقرر مواصلة دعم الأونروا

قررت كل من النرويج وإسبانيا مواصلة دعم الأونروا، وقالت إنها لن توقف المساعدات المقدمة للمنظمة الدولية، في حين قررت جهات أخرى مثل سويسرا وفرنسا والاتحاد الأوروبي انتظار نتيجة تحقيق يجري في الاتهامات الموجهة للأونروا.

وأوصت الدول التي تنتظر نتيجة التحقيق بسرعة اتخاذ إجراءات التدقيق من قبل الأونروا حتى تتمكن من تحديد موقفها حيال الدفعات المستقبلية المقدمة للوكالة الأممية.

كيف جاء رد فعل الأونروا؟

قالت الأونروا في بيان على موقعها الرسمي «قدمت السلطات الإسرائيلية معلومات حول المشاركة المزعومة لعدد من موظفي الأونروا في غزة في الهجمات المروعة على إسرائيل يوم 7 أكتوبر تشرين الأول».

وأوضحت الأونروا أنها «اتخذت قراراً بفصل هؤلاء الموظفين فورا وفتح تحقيق دون أي تأخير للكشف عن الحقيقة، وذلك حفاظاً على قدرة الوكالة على الاستمرار بتقديم المساعدات الإنسانية».

وأكدت الوكالة أن «أي مشاركة من أي موظف في الأونروا في أعمال إرهابية تعرضه للمساءلة بما في ذلك المحاكمة الجنائية».

وأضافت في بيانها الصادر في أعقاب هذه الاتهامات «تؤكد الأونروا إدانتها بأشد العبارات الممكنة للهجمات البغيضة التي وقعت يوم 7 تشرين الأول أكتوبر، وتناشد الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين كافة وعودتهم إلى عائلاتهم بسلام».

وأكد المتحدث الرسمي باسم الأونروا، كاظم أبوخلف أن جهة التحقيق التي تقوم بالتدقيق في الاتهامات الإسرائيلية هي جهة مستقلة ومقرها نيويورك، وتعد أعلى هيئة تحقيق في نظام الأمم المتحدة.

وقال إن ما حدث من فصل الموظفين المتهمين بشكل استباقي قبل البدء في التحقيق وإعادتهم لمناصبهم حال ثُبتت براءتهم من التهم الموجهة من الجانب الإسرائيلي يعد إجراءً «أقل ضرراً من إبقاء هؤلاء الموظفين لحين استكمال التحقيقات».

ما هي الأونروا؟

أسست الجمعية العامة للأمم المتحدة الأونروا عام 1949 وفوضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئين الفلسطينيين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.

وتعمل الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا.

ووفقاً للمتحدث باسم الوكالة كاظم أبوخلف، فقد تعرضت «نحو 140 منشأة تابعة للأونروا داخل قطاع غزة لأضرار إمّا بشكل مباشر وإمّا بغير مباشر»، وأشار إلى أنه هناك الآن نحو 4 مرافق صحية فقط تعمل من أصل 22 من المراكز الصحية فضلاً عن تعطيل التعليم بشكل كامل بسبب تحول المرافق التعليمية إلى مراكز إيواء.

وبالنسبة للعاملين في الأونروا، فقد أشار المتحدث الرسمي للأونروا إلى أن الوكالة فقدت نحو 156 من موظفيها جراء حرب غزة.

وفي ختام حديثه لـ«CNN الاقتصادية»، وجّه المتحدث الرسمي باسم الأونروا رسالة للمجتمع الدولي مؤكداً أهمية دور الوكالة داخل القطاع، وقال «لا يوجد في قطاع غزة من بإمكانه أن يسد مكان وكالة الغوث»، وتابع «نحن المؤسسة الأممية الأكبر الآن التي تمد اللاجئين وغير اللاجئين داخل القطاع بالمساعدات نتيجة للنزوح الهائل الذي يحدث بسبب الحرب».

وقال «الآن هو الوقت لتقوية وكالة الغوث من أجل أن يقف قطاع غزة على قدميه من جديد».