حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الحكومات بضرورة الاستعداد للمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة ودرجات الحرارة القياسية في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي أعلنت فيه عن بدء ظاهرة «النينيو».

ظاهرة «النينيو» هي نمط مناخي طبيعي في المحيط الهادئ الاستوائي يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر عن المتوسط ولها تأثير كبير على الطقس في جميع أنحاء العالم، ما يؤثر بدوره على مليارات الأشخاص.

وقال الأمين العام للمنظمة، بيتيري تالاس، «بداية ظاهرة النينيو ستزيد بشكل كبير من احتمالية تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة والتسبب في مزيد من الحرارة الشديدة في أجزاء كثيرة من العالم وفي المحيط».

للظاهرة تأثير واسع على الأحوال الجوية لمدة تصل ما بين تسعة أشهر و12 شهراً، لكن هذه ليست الآثار الوحيدة المتوقعة، فإلى جانب تغير المناخ، يمكن أن تؤثر ظاهرة «النينيو» هذا العام على النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، الأمر الذي قد ينعكس على كل شيء بدءاً من أسعار المواد الغذائية إلى مبيعات الملابس الشتوية.

وقال كريستوفر كالاهان، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة «دارتموث» والمؤلف الرئيسي في دراسة في مجلة (Science)، «هناك عواقب سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي في حالة وجود طقس قاسٍ»، وعزت الدراسة خسائر بنحو 5.7 تريليون دولار من الدخل العالمي إلى ظاهرة «النينيو» بين عامي 1997 و1999، وخسائر بنحو 4.1 تريليون دولار إلى الظاهرة نفسها بين عامي 1982 و1983.

وأشار كالاهان إلى أن آثار هذه الأحداث «تدوم لفترة طويلة، وهي أعلى تكلفة بكثير مما كنا نظن»، إذ وجدت الدراسة أن التأثيرات السلبية لأنماط المناخ يمكن أن يكون لتداعياتها أصداء على دول العالم بعد سنوات عديدة من انتهائها.

تأثير على الصناعات

يقول كالاهان إن الطقس المتطرف المرتبط بظاهرة «النينيو» يتسبب في حدوث فيضانات وحرائق الغابات والأعاصير وكوارث طبيعية أخرى.

يمكن أن يؤثر ذلك على أسعار الأطعمة، إذ تُتداول العقود الآجلة للسكر والكاكاو بأعلى مستوياتها منذ عدة سنوات بناء على تنبؤات لنقص المعروض، في حين يجري تداول عقود قهوة روبوستا الآجلة عند أعلى مستوياتها على الإطلاق.

يمكن أن يترجم ذلك إلى ارتفاع أسعار الشوكولاتة والقهوة وغيرها، ويعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية موضوعاً شائعاً خلال فترة حدوث ظاهرة «النينيو»، وفقاً لتقرير «دويتشه بنك» الأخير.

وقال المحلل في «بي ام أو كابيتال ماركتس»، سيميون سيغل، «الآثار تتجاوز المزارع، فالتقلبات غير المتوقعة في الطقس يمكن أن تؤثر سلباً على قطاع التجزئة».

وأضاف «يتعين على تجار التجزئة أو العلامات التجارية ألّا يتوقعوا ما يريده المستهلكون فحسب، بل يتعين عليهم كذلك التنبؤ بما ستلقي به الطبيعة عليهم».

وقد يتأثر قطاع السفر والسياحة أيضاً بلسعة «النينيو»، ففي دراسة أجريت عام 2021 في مجلة «أتموسفير»، حلل الباحثون عدد الزيارات إلى 48 منطقة جذب طبيعية في الولايات المتحدة لاختبار استعدادات السفر خلال أحداث «النينيو»، وخلص البحث إلى أن هذه الظاهرة أدت إلى «انخفاض كبير» في عدد الزيارات السياحية.

وبحسب تقرير لدويتشه بنك، فقد شهد موسم الأعاصير في المحيط الهادئ 16 إعصاراً في عامي 2014 و2015، وهو أعلى رقم مشترك على الإطلاق.

لذا قد يكون تكرر الظاهرة مبعث قلق لشركات الطيران، التي تجد صعوبة بالفعل في التعامل مع الإلغاءات والاضطرابات المرتبطة بالطقس هذا الصيف.

ووفقاً لإدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، فإن الطقس العاصف هو «أكبر سبب لتأخير الرحلات الجوية إلى حد بعيد».

مصائب قوم

يمكن أن تعود ظاهرة «النينيو» بفوائد على بعض المناطق الأميركية، فكاليفورنيا مثلاً سترحب بموسم الأمطار بعد الجفاف في السنوات الأخيرة، وفقاً للمحامي في مكتب الزراعة في كاليفورنيا، كريس شورينغ، فإن «السنة الرطبة تضفي رونقاً على هذه المناظر الطبيعية؛ الخزانات تمتلئ من جديد، وطبقات المياه الجوفية تعود قليلاً، وتجمد الثلج هنا يكون رائعاً». وأضاف «إنه أمر جيد دائماً للزراعة، باستثناء الأشخاص الذين يعانون من آثار مرتبطة بالفيضانات».

في المرة الأخيرة التي حدثت فيها ظاهرة «النينيو» في عام 2018 حتى عام 2019، أطلقت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) عليها اسم «The Great Puny El Niño» أي النينيو الضعيف، نظراً لتأثيره المحدود نسبياً على الأحوال الجوية.

ومع ذلك، قال مركز التنبؤ بالمناخ التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي مؤخراً إن هناك احتمالات «كبيرة» بأن ظاهرة النينيو هذه ستشتد في ذروتها.

يقدر بحث جامعة «دارتموث» أن أنماط ظاهرة «النينيو» المتضخمة يمكن أن تنتج «تأثيرات اجتماعية اقتصادية مدمرة» في العقود القادمة، ويتوقع أن تتسبب أحداث «النينيو» في خسائر اقتصادية بنحو 84 تريليون دولار في القرن الحادي والعشرين.

(سامانثا ديلويا – CNN)