هل تعلم أن لعبة (بوكيمون غو) الشهيرة التي أثارت هوس العالم وأحدثت الكثير من الجدل حول سلامة اللاعبين كانت نقطة الانطلاق الحقيقية لتقنيات الواقع المعزز.

على عكس ما يظن الكثيرون، فإن تقنيات الواقع المعزز ليست وليدة القرن الـ21، بل تعود لستينيات القرن الماضي حينما اخترع عالم الحاسوب الأميركي إيفان سذرلاند -الملقب بالأب الروحي للجرافيك- أول جهاز يعمل بتلك التقنية، وهو جهاز أشبه بخوذة مزودة بنظارة تتيح للمستخدم رؤية البيئة الواقعية المحيطة به مع إسقاط بعض العناصر ثلاثية الأبعاد على تلك البيئة.

لكن نقطة التحول الحقيقية في تاريخ الواقع المعزز جاءت في عام 2016 مع إطلاق لعبة (بوكيمون غو) الشهيرة التي خلقت حالة من الهوس العالمي وجذبت ما يقرب من 45 مليون مستخدم في الشهر الأول من إطلاقها، وفقاً لمقال نشرته مجلة (هارفارد بيزنس ريفيو).

وبغض النظر عن الجدل المُثار حول المخاطر المحتملة لتلك اللعبة، إلّا أنها لفتت أنظار العالم للتأثير الهائل لتقنيات الواقع المعزز على المستخدمين، ليس فقط في مجال الألعاب لكن عبر كل المجالات الأخرى كالتعليم، والرعاية الصحية، والسياحة، والهندسة المعمارية، والتصميم، ومؤخراً التغير المناخي.

فما تلك التقنيات وكيف تسهم في إنقاذ كوكب الأرض؟

كسر الحواجز بين الحقيقة والخيال

تقدم تقنيات الواقع المعزز تجارب تفاعلية مثيرة تمزج بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي.

فعلى عكس تقنيات الواقع الافتراضي التي تعتمد بشكل كامل على العناصر الخيالية فقط، فإن الواقع المعزز يوفر للمستخدم تجربة ديناميكية تعتمد على البيئة الحقيقية المحيطة به مع إضافة بعض العناصر الخيالية للمزيد من المتعة والتأثير.

ويمكن استخدام مزيج من تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لمكافحة التغير المناخي بعدة طرق.

زيادة الوعي العام

من أكبر التحديات التي يواجهها العالم في حربه على التغير المناخي هو إقناع المواطن العادي بالمساهمة في هذه الجهود.

ويمكن لتقنيات الواقع المعزز والافتراضي سد هذه الفجوة، وفي ما يلي بعض الأمثلة الحية على ذلك.

أطلق (معهد ماساتشوستس للتقنية) بالولايات المتحدة برنامجاً يتيح للمستخدمين معايشة الظواهر البيئية القاسية الناجمة عن التغير المناخي عبر سلسلة من الأفلام القصيرة بتقنية الواقع الافتراضي، ويشمل ذلك الحرائق والمجاعات وذوبان الجليد وغيرها من الظواهر المناخية الحادة. ويرى علماء النفس أن معايشة الشخص للحدث تزيد فهمه للتداعيات المحتملة واستعداده للمساهمة في تغييرها.

وفي إيطاليا، أُطلق مشروع مشابه يستهدف طلاب المدارس، إذا يصحبهم في رحلة افتراضية إلى المناطق الأكثر تلوثاً حول العالم لمشاهدة ما ارتكبته يد الإنسان في تدمير موارد الكوكب. ويهدف المشروع لخلق أجيال أكثر وعياً ومسؤولية تجاه البيئة.

وفي عام 2017، أعلن (متحف الفن والعلوم) في سنغافورة عن مبادرة مبتكرة قائمة على الواقع المعزز لإنقاذ الغابات المطيرة، وذلك بالتعاون مع (الصندوق العالمي للطبيعة) وعمالقة التكنولوجيا (غوغل) و(لينوفو) و(باناسونيك) و(كوالكوم). وبموجب المبادرة، تم تحويل أكثر من 1000 متر مربع من المتحف إلى نموذج افتراضي للغابات المطيرة يتم استكشافها عبر الأجهزة الذكية، مع ربط هذا النموذج بالواقع الحقيقي؛ فمقابل كل شجرة يزرعها المستخدمون في النموذج الافتراضي تتم زراعة شجرة حقيقية في الغابات المطيرة في إندونيسيا، بحسب الموقع الرسمي لشركة (لينوفو).

خفض انبعاثات النقل

وفقاً لوكالة (ناسا)، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 5.4 في المئة في عام 2020 عندما كان العالم يعيش تحت الحظر، ويعود أحد أسباب ذلك إلى تراجع معدل التنقل بالمواصلات خلال تلك الفترة، بما في ذلك التنقلات المرتبطة بالعمل والسفر والتسوق والترفيه.

وتسعى العديد من المبادرات لتوظيف تقنيات الواقع المعزز لخفض الانبعاثات الناتجة عن التنقل، على سبيل المثال، أطلقت شركة (أوكافو) الأميركية حلولاً تتيح لعملاء المتاجر الإلكترونية استعراض منتجات المتجر وتجربتها بشكل كامل وكأنهم يرونها أمام أعينهم، وذلك باستخدام التقنيات ثلاثية الأبعاد والواقع المعزز.

وبذلك يستطيع المستهلكون اتخاذ قرار الشراء دون الحاجة للانتقال للمتجر، كما يقلل احتمالات إرجاع المنتج التي تسهم أيضاً في زيادة عمليات الشحن والانبعاثات الكربونية، فوفقاً لموقع التسوق (شوبيفاي) قام المستهلكون بإرجاع 20 في المئة من إجمالي المشتريات الإلكترونية في عام 2021.

وبالمثل، تسعى شركات الترفيه أمثال (نتفليكس) لتقليل الحاجة لزيارة المسارح ودور السينما عن طريق بث العروض الترفيهية الغامرة على الأجهزة الذكية باستخدام تقنيات الواقع المعزز، ما يمنح المشاهدين تجارب ممتعة وهم في منازلهم.

تقليل الانبعاثات الصناعية

هناك اتجاه متزايد بين عمالقة الصناعة أمثال (بوينغ) و(لوكهيد مارتن) و(فورد) لاستخدام تقنيات الواقع المعزز لإعداد تصميمات أكثر دقة للطائرات والسيارات قبل البدء الفعلي في عمليات التصنيع.

فهذه التقنيات تتيح لها تحسين المواصفات وإصلاح العيوب المحتملة، ما يقلل احتمالات إعادة التصنيع وما يترتب عليها من زيادة في استهلاك الطاقة وحجم الانبعاثات.

تخطيط بُنية تحتية أكثر استدامة

المناطق الحضرية مسؤولة عن أكثر من 70 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية بسبب النشاط الصناعي وعوادم السيارات واحتياجات الكهرباء، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وتَبرُز المدن الصديقة للبيئة كحل مثالي لتقليل الانبعاثات الحضرية. ويعتمد المصممون بشكل متزايد على تقنيات الواقع المعزز لإنشاء تصميمات أكثر دقة وتعديل الثغرات المحتملة قبل البدء في المشروع، ما يساعدهم على تقليل إهدار الطاقة والخامات وخفض التلوث الناتج عن أعمال البناء.

مبادرات فردية مبتكرة

هناك مبادرات فردية تقوم بها الشركات حول العالم لتقليل بصمتها الكربونية باستخدام تقنيات الواقع المعزز.

على سبيل المثال، قررت سلسلة (برغر كينغ) استبدال الألعاب البلاستيكية المقدمة للأطفال في مطاعمها في جنوب إفريقيا بألعاب إلكترونية قائمة على الواقع المعزز للمساهمة في الحد من أطنان النفايات البلاستيكية التي تملأ محيطات العالم.

وتواجه سلاسل الوجبات السريعة -مثل برغر كينغ وماكدونالدز- اتهامات متصاعدة بالتسبب في زيادة نفايات البلاستيك حول العالم بسبب الألعاب البلاستيكية المجانية التي تمنحها للأطفال، ما دعا المطاعم للتفكير في حلول مبتكرة لمواجهة تلك الاتهامات، مثل استبدالها بالكتب والفواكه وغيرها من الخيارات غير الملوثة للبيئة.

بل إنها شجعت الأطفال على إعادة الألعاب البلاستيكية إلى المطعم لإذابتها وإعادة تصنيعها في شكل منتجات أخرى، وفقاً لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).