جفاف، فيضانات، حرائق مدمرة، محاصيل تالفة، حرارة حارقة لم يشهدها العالم في تاريخه.. هذه بعض مظاهر التغيّر المناخي التي لم تترك شعباً على وجه الأرض إلّا وطالته هذا الصيف.

في يوليو تموز الماضي، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن العالم تجاوز مرحلة الاحترار العالمي إلى مرحلة الغليان العالمي، بينما حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن في سبتمبر أيلول من أن التغيّر المناخي أصبح «أشد خطراً على البشرية من الحرب النووية».

وهذه ليست أوصافاً مبالغة في ظل موجة الحرارة التاريخية التي ضربت العالم هذا الصيف وتسببت في هلاك آلاف الأشخاص والماشية و المحاصيل في أجزاء متعددة من العالم.

فليس هناك شخص على وجه الأرض لم يكتوِ بهذه الموجة، ولم يعُد الحديث عن دور كل فرد في مكافحة التغيّر المناخي مجرد دعوات جوفاء للاستهلاك الإعلامي، بل أصبح ضرورة حتمية ترتبط بشكلٍ مباشر بصحتك وسلامتك ورفاهيتك.

وفيما يلي بعض التغييرات البسيطة التي يمكنك اتباعها في أسلوب حياتك للمساهمة بصورة فعّالة في مكافحة تغيّر المناخ

تناول لحوماً أقل

تسهم الماشية بنسبة 14.5 في المئة من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، وفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).

ووجدت دراسة أجرتها (منظمة السلام الأخضر) أن الماشية التي تتم تربيتها بهدف إنتاج اللحوم والألبان في دول الاتحاد الأوروبي تُنتج انبعاثات أعلى من الانبعاثات الصادرة عن جميع السيارات والشاحنات بدول الاتحاد.

في المقابل، تُنتج اللحوم النباتية انبعاثات أقل بنسبة 90% مقارنة بمصادر البروتين الحيواني.

ويمكنك المساهمة في خفض تلك الانبعاثات من خلال تغييرات بسيطة في نظامك الغذائي مثل الاستغناء عن تناول منتجات اللحوم والألبان ليوم واحد في الأسبوع، فكل يوم تتوقف فيه عن تناول اللحوم يؤدي إلى خفض بصمتك الكربونية بنحو 3.6 كيلوغرام (أي ما يعادل 6437 كيلوغراماً سنوياً)، وفقاً لمقالة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية.

تجنب العبوات ذات الاستخدام الواحد

ارتفع استخدام المواد البلاستيكية على مستوى العالم بنحو أربعة أمثال خلال الثلاثين عاماً الماضية، بينما تضاعف الإنتاج العالمي من البلاستيك في الفترة من 2000 حتى 2019 ليقترب من 500 مليون طن، وتمثّل المواد البلاستيكية 3.4 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أوسيد).

على النقيض من الزجاج والمعادن، يتسم البلاستيك بصعوبة إعادة تدويره دون أن يؤثّر ذلك في جودته، لذلك ينتهي به الحال إلى مكبات النفايات والمحيطات.

يتم إلقاء ما لا يقل عن 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية في المحيطات سنوياً، أي ما يمثّل 80 في المئة من إجمالي النفايات البحرية.

فاحرص على تقليل الاعتماد على العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد كلما أمكن، فكل عبوة تستغنى عنها تُعد مكسباً لكوكب الأرض.

استبدل الأطعمة التقليدية بالعضوية

هناك دائرة شائكة بين التغيّر المناخي والمبيدات الحشرية التي تعتمد في 99 في المئة من مكوناتها على الوقود الأحفوري، فاستخدام المبيدات يرفع درجة حرارة الأرض وهذا الارتفاع يؤدي إلى زيادة تكاثر الحشرات ما يزيد الحاجة لاستخدام المبيدات.

في عام 2022، ارتفع حجم سوق المبيدات الزراعية بنحو 10 في المئة إلى 78.7 مليار دولار، ما زاد القلق حول دورها في رفع درجة حرارة العالم، خاصةً أن بعض أنواع المبيدات يتسبب في انبعاثات هائلة من الغازات الدفيئة.

على سبيل المثال، يُنتج مبيد «غلايفوسفات» المثير للجدل 31.29 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل كيلو يتم إنتاجه من المبيد.

في عام 2014، تم استخدام كميات عالية من «الغلايفوسفات» تكفي لتشغيل 6.25 مليون سيارة لعام كامل.

اختيارك للمنتجات العضوية يسهم في خفض تلوث المبيدات في مصادر المياه والأراضي الزراعية، فضلاً عن حماية صحتك وصحة أسرتك من هذه المواد الضارة.

قلل استخدام السيارة

كل سيارة تُنتج في المتوسط خمسة أطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وقد تزيد أو تنقُص هذه النسبة وفقاً لنوع السيارة، والوقود المستخدم، وأسلوب القيادة.

تسعى معظم دول العالم لتقليل انبعاثات السيارات بزيادة الاعتماد على أنواع الوقود الأقل ضرراً بالبيئة مثل الغاز الطبيعي والكهرباء، بل إن هناك مدناً حظرت استخدام المركبات الخاصة في شوارعها مثل مدينة غينت البلجيكية والعاصمة الهولندية أمستردام.

ويمكنك القيام بدورك في هذه المبادرات من خلال تقليل استخدام سيارتك والاعتماد بشكل أكبر على المشي والدراجات ووسائل النقل العامة كلما أمكن.

وعند قيادة سيارتك، حاول تقليص استخدام الوقود من خلال التحقق من ملء الإطارات بشكلٍ مناسب، وتقليل استخدم المكيف، وإجراء الصيانة الدورية للسيارة، وتجنب السرعة الزائدة التي قد ترفع استهلاك الوقود بـ40 في المئة وفقاً لبعض الدراسات.

لا تقع في فخ الموضة السريعة

يُنفق العالم مليارات الدولارات سنوياً على الملابس الجديدة، وينتهي الحال بملايين الأطنان منها إلى مكبات النفايات.

عند تحلل نفايات الملابس، فإنها تنتج غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة الأكثر ضرراً من ثاني أكسيد الكربون بنحو 80 ضعفاً، إذ يمكنه امتصاص الحرارة من الهواء بكميات أكبر كثيراً.

الميثان مسؤول عن أكثر من 25 في المئة من ظاهرة الاحترار العالمي، وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن خفض انبعاثات الميثان بـ45 في المئة بحلول 2030 يسهم في تحقيق أهداف اتفاقية باريس بعدم تجاوز ارتفاع حرارة الأرض لحد الـ1.5 درجة مئوية.

فلا تقع ضحية للموضة سريعة التغير، وحاول التقليل قدر الإمكان من كمية الملابس التي يتم إرسالها لمكبات النفايات سنوياً.

تجنّب إهدار الطعام

وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، يتم إهدار 40 في المئة من الطعام المُنتَج عالمياً، وهذا الطعام المُهدَر يشكّل نحو 10 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة.

لذا حاول تقليل إهدار الطعام من خلال التخطيط المسبق للوجبات، وتجميد الكميات المتبقية من الطعام لإعادة تناولها لاحقاً، وعدم الإفراط في مشترياتك عند التسوق.

قلل استهلاك الطاقة داخل المنزل

هناك تغييرات بسيطة للغاية يمكنك القيام بها في منزلك لتقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير، على سبيل المثال، استخدم المصابيح الموفرة للطاقة؛ فعلى الرغم من ارتفاع ثمنها نسبياً، فإنها تستهلك ربع كمية الطاقة وتعيش لفترة أطول بنحو 25 مرة مقارنة بالبدائل التقليدية.

أيضاً، احرص على فصل الأجهزة الكهربائية (كالتلفاز والجوال وأجهزة الكمبيوتر) عن مقابس الكهرباء عند عدم استخدامها، وحاول غسل الملابس عند درجة حرارة أقل، وتجفيفها بشكلٍ طبيعي في أشعة الشمس دون استخدام المجفف، كما يساعد ضبط غلاية المياه عند 50 درجة مئوية على توفير 250 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.