لا يختلف أحد على ضرورة التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة وأهميته في خفض الانبعاثات الكربونية والحد من تغيّر المناخ، لكن ما قد نتناقش حوله هو إمكانية تحقيق هذه الخطوة في ظل التحديات الراهنة.
قالت منال الشهابي مديرة شركة SHEER للأبحاث والاستشارات والأكاديمية في جامعة أكسفورد في مقابلة مع شبكة «CNN الاقتصادية»، «بالفعل الانتقال الطاقي ضروري، وحتى لو لم يكن ممكناً، علينا كمجتمع دولي من أكاديميين وصناع قرار وأصحاب صناعات ومستهلكين، أن نعرف كيف نحقق دورنا في تقليل الانبعاثات الكربونية، وأن نسهم في جعل الانتقال الطاقي ممكناً».
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء استحالة التحول الكامل إلى الطاقة النظيفة «لا الآن ولا في المستقبل»، بحسب ما قاله ممدوح سلامة، خبير النفط العالمي لشبكة «CNN الاقتصادية»، وهو ما أرجعه لعدد من التحديات التي سنستعرضها في هذا المقال.
كيف يمكن التحول إلى الطاقة النظيفة؟
شرحت منال الشهابي، مديرة شركة SHEER للأبحاث والاستشارات والأكاديمية في جامعة أكسفورد، أوجه التحول إلى الطاقة النظيفة، ومنها تقليل استخدام الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، وإزالة الكربون المنبعث أثناء العمليات الصناعية باستخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.
وقالت، «لتحقيق ذلك، نحتاج إلى عدة عوامل منها استخدام أنواع الوقود البديلة، والتكنولوجيا، وهي عوامل إما سعرها مرتفع، أو غير موجودة بوفرة، فضلاً عن حاجتنا إلى التشريعات الحكومية».
وتقع مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والوقود الحيوي وغيرها، في قلب التحول إلى أنظمة طاقة أقل كثافة للكربون وأكثر استدامة.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها، أنه قد نمت قدرة توليد الطاقة المتجددة بسرعة في السنوات الأخيرة، مدفوعة بدعم السياسات والتخفيضات الحادة في تكاليف الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح على وجه الخصوص.
إجراءات حاسمة لبدء تحول الطاقة
اقترحت الأمم المتحدة تحت قيادة الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، خمسة إجراءات حاسمة لتسريع التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة، ومنها تعميم التكنولوجيا عالمياً، من خلال إزالة عقبات نقل التكنولوجيا وقيود الملكية الفكرية.
وثانياً، تأمين إمدادات المواد الخام والمكونات لتكنولوجيات الطاقة المتجددة، وثالثاً، التعاون والتنسيق العالميان وإصلاح أطر السياسات المحلية لتحقيق تكافؤ الفرص، بالإضافة إلى تحويل الدعم المالي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
وأخيراً، زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة بثلاثة أضعاف، أي ما لا يقل عن أربعة تريليونات دولار سنوياً في الطاقة المتجددة حتى عام 2030، بحسب الأمم المتحدة.
التحديات التي تواجه عملية التحول إلى الطاقة المتجددة
في غضون ذلك، يظل قطاع الكهرباء هو النقطة المضيئة لمصادر الطاقة المتجددة مع النمو القوي للطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح في السنوات الأخيرة والتوقعات الرئيسية لعامي 2023 و2024.
لكن الكهرباء لا تمثل سوى خُمس استهلاك الطاقة العالمي، بحسب وكالة الطاقة الدولية، لذا يظل إيجاد دور أكبر لمصادر الطاقة المتجددة في النقل والتدفئة أمراً بالغ الأهمية من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة.
فضلاً عن ذلك، فإن استمرار تزايد سكان العالم المتوقع وصوله إلى 9.7 مليار نسمة عام 2050، من 7.9 مليار نسمة حالياً هو تحدٍ آخر أمام التحول الكامل للطاقة النظيفة، وفق ما أشار إليه الخبير ممدوح سلامة.
لذلك يرى سلامة أن التعاون بين الطاقة المتجددة والنفط والغاز والفحم، سيؤدي إلى تلبية الطلب العالمي على الطاقة، خاصة في ظل المتطلبات الاقتصادية، إذ يتوقع ارتفاع حجم الاقتصاد العالمي من نحو 144 تريليون دولار، إلى 245 تريليون دولار عام 2050.
كما لفتت منال الشهابي في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إلى التكنولوجيا اللازمة لإزالة الكربون باعتبارها أحد التحديات التي تواجه التحول إلى الطاقة النظيفة، بسبب عدم توافرها الكافي وارتفاع سعرها، بالإضافة إلى تحدي تمويل هذه العملية ومشاريع التحول الطاقي عامة وتوفير البنية التحتية لها.
وأضافت، «التحدي الآخر الذي تواجهه الدول النامية مثل الهند هو اعتمادها على الوقود الأحفوري مثل الفحم في إنتاج الكهرباء والتصدير، ومن ثم فإن تقليل استهلاك الوقود الأحفوري قد يسبب لها عجزاً مالياً، ويتسبب في إلغاء عدد كبير الوظائف داخل البلاد».
ماذا يعني تحول الطاقة للمستهلك؟
لا يتعلق التحول إلى الطاقة النظيفة فقط بالعاملين في قطاع الطاقة، بل أيضاً سيكون لهذه الخطوة انعكاس مباشر على المستهلكين، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم إلى تحقيق التنمية الصناعية والاجتماعية والاقتصادية من بين أهداف التنمية المستدامة.
وفي النهاية تبقى السياسات وجهود الحكومات والشركات العالمية المحرك الرئيسي نحو التحول إلى الطاقة النظيفة، وبخاصة في الدول النامية، والتي هي المتضرر الأكبر من تغيّر المناخ.
وتقول منال الشهابي، «الدول النامية هي نفسها لم تسبب التغيّر المناخي، بل كان التغيّر المناخي من آثار التنمية الاقتصادية والصناعية في الدول الغنية، وهو ما يلقي الضوء على التحول الطاقي العادل، إذ إننا لا نستطيع الطلب من الدول الفقيرة دفع ثمن تحول الطاقة».
وتابعت «هنا نحتاج إلى توجيه بعض التمويل المخصص من الدول الغنية للدول الفقيرة من أجل التحول الطاقي، وهو ما سيكون ضمن المفاوضات في مؤتمر كوب 28 بدبي في نهاية الشهر الجاري وبداية الشهر المقبل».
وينتظر العالم مؤتمر الأطراف كوب 28 المقرر انعقاده في مدينة إكسبو دبي بالإمارات في الفترة من الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني حتى الثاني عشر من ديسمبر كانون الأول، على أمل مشاهدة خطوات فعلية تجاه التغيّر المناخي ومجالات الطاقة المتجددة.