يلعب القطاع الخاص في الدول العربية وجميع أنحاء العالم دوراً محورياً في التحول نحو بيئات أكثر استدامة، ومع ذلك، فإن الخطوات الفعلية التي تتخذها الشركات الخاصة لا تزال بطيئة وغير كافية لتحقيق أهداف المناخ المرجوة.

تظهر فجوة كبيرة بين أداء الدول العربية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، إذ حققت ست دول فقط هي؛ الإمارات والأردن وتونس والمغرب وعُمان والجزائر، نحو 60 في المئة فقط من أهداف التنمية المستدامة، وفقاً لتقرير القمة العالمية للحكومات 2022.

وكشف تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) لأهداف التنمية المستدامة 2023، أن المنطقة العربية هي المنطقة النامية الوحيدة التي تسجل صافي استثمارات أجنبية مباشرة سالبة (أي أن التدفقات الخارجة منها تتجاوز التدفقات الداخلة إليها).

وقدر تقرير الإسكوا أن الفجوة في التمويل اللازم لتحقيق أهداف الاستدامة في اثني عشر بلداً عربياً بنحو 660 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

وتشير هذه الأرقام إلى أنه على الرغم من رأس مال القطاع الخاص الكبير والجهود الحكومية، فإن حصة صغيرة من الاستثمارات توجه إلى المشاريع المتعلقة بالاستدامة، ما يعزز الحاجة إلى رفع الاستثمارات الخاصة والعامة في المنطقة بمعدل أسرع مما هي عليه حالياً.

جهود الحكومات العربية والاستدامة

جمعت حكومات المنطقة العربية 14.4 مليار دولار من عائدات السندات الموجهة نحو الاستدامة بين عامي 2015 و2022، بحسب تقرير الإسكوا، أي نحو 0.5 في المئة من إجمالي السندات العالمية، ما يضعها في آخر قائمة جميع المناطق النامية باستثناء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وشكلت السندات الخضراء نحو 84 في المئة من إجمالي السندات الموجهة للاستدامة في هذه الفترة، بقيادة الإمارات والسعودية وقطر، إذ مثلت هذه البلدان الثلاث معاً نحو 91 في المئة من إجمالي إصدار السندات الموجهة للاستدامة في المنطقة.

وبلغت قيمة سندات الاستدامة في المنطقة العربية في عام 2022 وحده 1.5 مليار دولار، واستحوذت الإمارات على 51 في المئة من إجمالي هذه السندات، يليها السعودية بنسبة بلغت 33 في المئة.

ومع ذلك، يرى صندوق النقد الدولي أن الدول النامية، ومن بينها دول المنطقة العربية، ستحتاج إلى استثمارات ضخمة في القطاعين الخاص والعام لمعالجة التحدي المناخي، خاصة أن الدعم العالمي الحالي، البالغ 630 مليار دولار لقضايا المناخ لا يذهب منه إلا جزء قليل للغاية إلى البلدان النامية.

القطاعان الخاص والعام في وجه التحديات

تؤكد الزيادات الأخيرة في تكلفة الوقود والغذاء -وما ينجم عن ذلك من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية- أهمية الاستثمار في الطاقة الخضراء وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات، وتقاسم المخاطر بين القطاعين العام والخاص من شأنه المساعدة على الصمود أمام التحديات.

ويختلف دور تمويل القطاعين العام والخاص باختلاف البلدان، والسياق الاقتصادي، ولكن يرى صندوق النقد الدولي أن مزج تمويل القطاعين العام والخاص مفيد لإزالة مخاطر الاستثمار في مشروعات الاستدامة.

على سبيل المثال، يمكن للقطاع العام أن يستثمر في الأسهم الخضراء، أو يقدم تحسينات ائتمانية لتحسين الجدارة الائتمانية للاستدامة، وكلاهما من شأنه خفض تكلفة الاستثمار عن طريق الحد من المخاطر التي يتعرض لها القطاع الخاص.

ومن خلال اتخاذ مركز أسهم في الاستثمارات المناخية، سيتحمل القطاع العام قدراً كبيراً من مخاطر الاستثمار، لكنه سيشهد أيضاً فوائد إيجابية عندما تنجح هذه الاستثمارات.

وخلال السنوات القليلة الماضية، خصصت بلدان عربية عديدة وحدات للشراكة بين القطاعين الخاص والعام داخل الكيانات الحكومية بهدف تعزيز مشاريع الاستدامة، التي بلغت قيمتها نحو 20 مليار دولار في الفترة بين 2015 و2021، بحسب الإسكوا.

ولكن في ظل قلة المشاريع المقبولة مصرفياً، وقصور خطط الاستثمار وضعف مستوى الإقراض من البنوك التجارية، فإن تزايد الاستثمارات والشراكات بين القطاعين يواجه تحديات عديدة تُبطئ من وتيرته، بحسب صندوق النقد الدولي.

ومن المقرر أن تكون هذه القضية ضمن جدول مؤتمر كوب 28 للمناخ، الذي ينعقد في نهاية نوفمبر تشرين الثاني الجاري في مدينة إكسبو دبي بالإمارات، آملين أن تسفر المفاوضات عن حلول فعلية تهدف لزيادة الاستثمارات المتعلقة بالاستدامة من قبل القطاعين الخاص والعام في الدول النامية.