يأتي الأمن الغذائي والمائي، على رأس أولويات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني من نقص حاد في موارد المياه والأراضي الصالحة للزراعة، فضلاً عن الطقس الجاف والارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
وتستهلك هذه الدول ما يقدر بـ29.5 مليار دولار من الموارد الغذائية سنوياً، بينما تستورد 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وفقاً لتقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز العالمية للمحاسبة والاستشارات.
وبسبب طبيعتها الصحراوية، فإن 1.7 في المئة فقط من إجمالي أراضي دول مجلس التعاون الخليجي صالحة للزراعة، هذا فضلاً عن ندرة موارد المياه العذبة.
لذلك تبادر دول المنطقة بالاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة لزيادة إنتاجها الزراعي وتعزيز أمنها الغذائي.
الأمن الغذائي الإماراتي
وتعتمد دولة الإمارات العربية المتحدة على الاستيراد لتلبية أكثر من أربعة أخماس إمداداتها الغذائية؛ ومع تفاقم أزمات سلاسل الإمداد في السنوات الماضية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وما سبقها من جائحة كورونا، بدأت الدولة النفطية في البحث عن حلول تقنية مبتكرة لزراعة أراضيها ذات الطبيعة الصحراوية الجافة، مثل تحلية مياه البحر لاستخدامها في أغراض الري.
وفي عام 2018، أعلنت الدولة عن إطلاق (الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051)، وهي منظومة وطنية شاملة لتمكين إنتاج الغذاء المستدام.
وتهدف الاستراتيجية لأن تصبح دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051، فضلاً عن زيادة الإنتاج المحلي من المواد الغذائية الاستراتيجية بمقدار 100 طن، وتقليل إمدادات المياه المخصصة للزراعة.
وتحتضن الإمارات حالياً أكثر من 35 ألف مزرعة، يعتمد العديد منها على تقنيات الري الحديثة وممارسات الزراعة المائية لتقليل استخدام المياه إلى أقل قدر ممكن، ويشمل ذلك تقنيات المزارع العمودية والرأسية والزراعة الملحية.
المزارع الهوائية.. مبادرة جديدة نحو الأمن الغذائي
من بين التقنيات المبتكرة التي لجأت إليها الإمارات لتعزيز أمنها الغذائي المزارع الهوائية، وهي مزارع متنقلة وقابلة للنفخ.
وبالفعل، افتتحت جامعة (أبوظبي)، في أكتوبر تشرين الأول الماضي، أول مزرعة هوائية داخل الحرم الجامعي بالتعاون مع شركة (ميدبار) الكورية الجنوبية المتخصصة في تقنيات الزراعة الذكية.
ويدمج المشروع أكثر من 15 حلاً تقنياً مبتكراً، من بينها إنترنت الأشياء و الذكاء الاصطناعي لخلق بيئة مستدامة للأمن الغذائي والزراعة.
وتعزز حلول الزراعة الذكية المتقدمة إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 30 في المئة، بالإضافة إلى خفض تكاليف العمالة بنسبة 80 في المئة وتقليص الحاجة إلى المستلزمات الزراعية مثل المياه والأسمدة.
مزايا المزارع الهوائية
أوضح موسيس سيو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة (ميدبار) الكورية الجنوبية، أن المزرعة الهوائية هي مزرعة ذكية تعمل بحقن الهواء وتدمج تكنولوجيا (أيروبونيكس)، وهي تقنية حديثة لا تحتاج إلى تربة زراعية، إذ تعتمد على زراعة النباتات عن طريق رش جذورها بمحلول غني بالمغذيات.
وأضاف سيو في تصريحات خاصة لـ«CNN الاقتصادية» عبر البريد الإلكتروني، أن تقنية المزارع الهوائية تتمتع بمميزات عديدة، من بينها إمكانية التركيب الفوري للمزرعة داخل المساحة الداخلية المحددة، وخفض استخدام المياه بنسبة 99 في المئة، ما يقلل الطلب على المياه في النظام بأكمله بنسبة 90 في المئة مقارنة بالزراعة المائية.
وأشار إلى أن تقنية المزارع الهوائية تسمح بالاستفادة من الرش الضبابي للنباتات ما يزيد معدل النمو بنسبة 30 في المئة، وتطبيق تكنولوجيا التقاط المياه من الهواء ما يتيح الزراعة في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة، بالإضافة إلى التثبيت السريع للنظام خلال يوم واحد أثناء الأزمات كالحروب والأوبئة، ما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي.
وقال موسيس إن التعاون مع جامعة (أبوظبي) في إنشاء المزرعة الهوائية داخل الحرم الجامعي، يهدف إلى تمكين الزراعة في المناطق التي تعاني من شح المياه أو التي تعاني من استنزاف المياه الجوفية وتلوثها، وذلك عن طريق احتجاز المياه من الهواء.
وبفضل كل هذه المزايا، يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغذاء والسماح بإنتاج المحاصيل على مدار العام حتى في الطقسين الحار والرطب.