يتطلب تغيُّر المناخ ضخ استثمارات هائلة للانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، لكن تبقى فجوة التمويل هي الشغل الشاغل لتحقيق مستهدفات الاستدامة والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية.

والجدلية المطروحة في مؤتمر المناخ كوب 28 هي مدى استفادة الحكومات من الثقل المالي لصناديق الثروة السيادية بهدف دفع عجلة العمل المناخي وتحقيق التنوع الاقتصادي المطلوب.

وقالت منى مصطفى الشلقامي، الأستاذ المشارك في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، «إن الصناديق السيادية هي الأذرع الاستثمارية لفائض العائدات، ويتمثل هدفها الرئيسي -وإن لم يكن الأوحد- في تحقيق التنوع الاقتصادي».

وكشفت أن «الصناديق السيادية العربية تتربع على عرش أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم، وهي تسهم بنحو 60 في المئة من استثمارات الصناديق السيادية العالمية بالتغيير المناخي».

وأفاد تقرير منتدى الصناديق السيادية الدولي للعام الماضي بأن المستثمرين السياديين واصلوا العام الماضي تسييل الأصول المحلية والدولية لديهم، سعياً إلى تحقيق عوائد عالية والتنويع الاقتصادي، مسجلين نحو 48 مليار دولار في 60 عملية تخارج (بزيادة 33 في المئة على عام 2021)، وكانت «مبادلة أكبر بائع واظب على التخلص من استثماراته في النفط والغاز»، وفق التقرير.

من «السرية» إلى الشفافية

وأضافت الشلقامي أن الكلام عن الصناديق السيادية كان منذ عدة عقود محدوداً بسبب طابع «السرية» التي كانت تتمتع به هذه الصناديق لجهة غياب آليات المساءلة والمحاسبة، ولكن مع نمو هذه الصناديق وتوسيع الأنشطة التي تحقق الربحية التجارية بدأ الاهتمام بها يتزايد، خصوصاً بعد اتفاقيات باريس المناخية، والتي سلطت الضوء على فجوة التمويل الهائلة التي تعوق مسار التنمية المستدامة.

وكانت اتفاقيات باريس أسست الأرضية لإنشاء «مجموعة عمل صندوق الثروة السيادية لكوكب واحد» (شبكة OPSWF) من أجل تسريع الجهود الرامية إلى دمج المخاطر والفرص المالية المتعلقة بتغير المناخ.

ويُعنى هذا الصندوق الذي يضم العديد من الصناديق السيادية العربية، بإدارة أصول كبيرة وطويلة الأجل نظراً لتأثيرها وآفاقها الاستثمارية طويلة الأجل.

وتضم المجموعة التي تلتزم التعاون لتنفيذ مبادئ الصافي الصفري والاستدامة نحو 46 عضواً و18 صندوقاً للثروة السيادية، و18 مديراً للأصول و10 شركات استثمارية خاصة، وهي تمتلك أصولاً تحت الملكية والإدارة تزيد قيمتها على 37 تريليون دولار.

وقالت الشلقامي إن صناديق الثروة السيادية تتمتع بوضع فريد يُمكنها من تعزيز خلق القيمة على المدى الطويل وتحقيق نتائج مستدامة في السوق نظراً للمرونة والسرعة التي تميزها مقارنة بمشاريع الموازنات العامة التابعة للحكومات، فسرعة الاستجابة لحاجات السوق تجعلها أكثر قدرة وكفاءة على الحفاظ وجذب الفرص المتوفرة في الأسواق.

ووصفت الصناديق السيادية العربية بالمستثمر الذكي والمرن والرشيق، مشددة على أن الصناديق السيادية الخليجية تحديداً تتمتع بميزة تفاضلية من حيث قيمة الأصول التي تديرها، ما يمكنها من قيادة التغير المناخي.

وأشادت بالتطور الكبير والملحوظ الذي شهدته الصناديق العربية في العقد الأخير، في امتثالها لمعايير الشفافية والحوكمة وفق معايير سان دييغو لمنتدى الصناديق السيادية العالمي الذي يتضمن نحو 26 معياراً ومؤشراً شاملاً لرفع التقارير والإفصاح.

وكشفت الشلقامي أن الصناديق السيادية العربية تتميز بكثافة نشاطها الاستثماري من خلال عقد شراكات فيما بينها أو مع القطاع الخاص كطرف ثالث منفذ أو مسرع للاتفاقيات التجارية والاستثمارات المهمة، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والأزرق، وذلك بهدف تحقيق الربحية والاستثمار الكفء للموارد سواء في البلد الأم أو في الدول المستضيفة، الأمر الذي يساعدها في تفعيل مكانة الدبلوماسية الاقتصادية لدولها.

قيود وتحديات

تتعرض استثمارات الصناديق السيادية إلى ضوابط وقيود في استثماراتها في بعض الدول المستضيفة، وتعزو الشلقامي تردد بعض الدول المستضيفة إلى تأثير استثمارات هذه الصناديق على آليات السوق ومؤشرات اقتصادية حيوية كالعمالة والبطالة وتوظيف الموارد النادرة، «فتكون الدول المستضيفة قلقة من طبيعة هذا الأثر فتلجأ إلى وضع ضمانات على هذه الاستثمارات لتوفير الدخول والخروج الآمن لها، وكلما زاد حجم الاستثمارات زادت هذه التساؤلات، وهذا أمر تواجهه غالبية الصناديق السيادية».

ويتمثل التحدي الثاني في الاستثمار المسؤول ومدى قدرة هذه الصناديق على قياس العائد من الاستثمارات في ثلاثة مجالات مهمة هي البيئة والحوكمة والمجتمع.