ينزح الملايين سنوياً بسبب الحروب والنزاعات وأسباب متنوعة.. ليأتي تغير المناخ ويسهم بدوره في اقتلاع شعوب بأكملها من مواطنها التاريخية في جميع أنحاء العالم بمتوسط 20 مليون نازح داخلي سنوياً منذ عام 2008، استناداً إلى أحدث بيانات المنظمة الدولية للهجرة ولهذا السبب حرص المجتمعون في كوب 28 على إدراجه في نقاشاتهم على مدى الأيام الماضية.

وقالت المؤسسة والمديرة التنفيذية لمنظمة لاجئي المناخ، أمالي تاور، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن الحجم الحقيقي للنزوح الناجم عن المناخ من المحتمل أن يُقَلَّل منه بسبب القيود المفروضة على جمع البيانات، علماً أن معظم عمليات الترحيل القسري تتم في بلدان تعاني بالفعل من صعوبات اقتصادية واجتماعية مقترنة بالعوامل المناخية.

وأوضحت تاور أن «البيانات التي نحتفظ بها إلى حد كبير هي حالات نزوح داخلي».

وأضافت «لا نعرف شيئاً عن الأشخاص الذين يعبرون الحدود الدولية بناءً على المناخ، وفي معظم حالات النزوح الناجمة عن المناخ، بينما نتتبع النزوح الداخلي فقط، يبدو أننا نتتبع الكوارث المفاجئة مثل الأعاصير والعواصف والفيضانات إلى حد كبير».

وزاد عدد الكوارث المسجلة خمسة أضعاف على مدى الخمسين عاماً الماضية، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية مدفوعاً جزئياً بتغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية.

وهذا الاتجاه آخذ في التسارع.

إذ تشير تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أن أكثر من 300 مليون شخص يعيشون في مناطق معرضة لتغير المناخ في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أن إفريقيا تمثل بين 2 و3 في المئة من الانبعاثات العالمية، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن بيانات المنظمة الدولية للهجرة كشفت أن القارة تعد موطناً للدول الأكثر ضعفاً التي تواجه آثار تغير المناخ، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى والصومال وجنوب إفريقيا والسودان وتشاد.

ففي كل عام، تدمر الفيضانات المنازل والمحاصيل والطرق في العاصمة بانغي والمناطق المحيطة بها، وتكون الفيضانات مسؤولة عن نزوح نحو 44 ألف شخص.

وعانى الصومال مؤخراً من أسوأ موجة جفاف خلال الأربعين عاماً الماضية، ليشهد في الآونة الأخيرة أمطاراً غزيرة وفيضانات أدت إلى نزوح نحو 700 ألف شخص حتى أواخر نوفمبر 2023، وفقاً للأمم المتحدة، مع عبور أكثر من 100 ألف الحدود إلى كينيا.

أما في عام 2022، فقد واجهت تشاد أسوأ فيضانات منذ عام 1961، ما تسبب في التهجير القسري لأكثر من مليون شخص وتدمير أكثر من 465 ألف هكتار من الأراضي الزراعية وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.

الماء: السيف ذو الحدّين

وفي مقابلة مع «CNN الاقتصادية» على هامش فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28 في دبي، أوضحت المديرة العامة المعينة حديثاً للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، أن المياه هي المحرك الرئيسي للنزوح المناخي، مثل ندرة المياه، وعدم كفاية البنية التحتية لإدارة المياه الزائدة، وملوحة المياه.

وشدّدت بوب على أهمية دعم المجتمعات لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الناجمة عن المناخ، وقالت «عندما تكون هناك كارثة أخرى ناجمة عن المناخ، يكون من الصعب للغاية التعافي منها، لذا فإن شيئاً مثل العواصف يمكن أن يعوض الناس لسنوات وسنوات، ويؤخر أهدافهم التنموية».

ولفتت إلى الفيضانات التي حدثت في ليبيا مؤخراً في سبتمبر أيلول من هذا العام «حيث كانت المجتمعات المحلية معرضة للخطر بالفعل، ومن ثم فإن ذلك يعيدهم سنوات إلى الوراء فيما يتعلق بتحقيق أي نتائج إنمائية ذات معنى».

ولفتت بوب إلى أن الوجه الآخر للمحرك الرئيسي، أي المياه، هو انعدامها، أي الجفاف، الذي يبدأ بشكل أبطأ، ما يتيح التدخل بشكل أفضل لمنعه قبل أن يؤدي إلى نزوح الناس.

وأوضحت «لذلك، ينتشر الجفاف خلال فترة تمنحنا نافذة للاستجابة، من الصعب جداً الاستجابة للعواصف، فهي تبدأ بسرعة فائقة، لكن يمكننا أن نساعد على بناء القدرة على الصمود، يمكننا المساعدة على بناء البنية التحتية، ولكن بالنسبة للجفاف، ليس هناك عذر لعدم مكافحته، هذا هو المجال الذي يتعين علينا جميعاً أن نعمل فيه».

نزوح الشعوب الأصلية مثالاً

يعترف اتفاق باريس للمناخ بالعلاقة بين تغيّر المناخ وهجرة الشعوب وخصوصاً الجماعات الهشة التي تعاني بالأصل من صعوبات معيشية واقتصادية، وأشارت مسؤولة الأمم المتحدة إلى أن كيفية الاستجابة لهذه القضية لم تكن كافية.

وبالمثل، صرحت سالوت سوكو مديرة حشد التأييد في قسم النزوح العالمي في لجنة الخدمة الشمولية التوحيدية للشعوب الأصلية في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» على هامش فعاليات كوب 28 أنه لم يُحْرَز تقدم يذكر في حشد الدعم لصمود الشعوب الأصلية، وهي المجموعات البشرية الأكثر عرضةً للخطر، في مواطنها التاريخية.

وقالت سوكو «أدرك أنه أُحْرِز تقدم تدريجي على مر السنين، لكن إذا قارنا ذلك بعدد الأشخاص النازحين، وعدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب تغير المناخ، وعدد الأشخاص الذين تأثرت منازلهم، فسنجد أنه لا يتناسب مع الإجراء الذي نشهده هنا في كوب 28».

واعتبرت بوب، رئيسة المنظمة الدولية للهجرة، أن دمج مكافحة الهجرة في سياسات التخطيط تتيح للحكومات تمكين المجتمعات التي تواجه التحديات الناجمة عن المناخ للوصول إلى مستقبل لا تعتمد فيه المجتمعات على المساعدة الخارجية بل تصبح قادرة على خلق مستقبل مستدام من خلال الهجرة الاستراتيجية.

وسلطت سوكو الضوء على التحديات الفريدة المشتركة التي تواجهها الشعوب الأصلية، وخاصة تلك الموجودة في جزر المحيط الهادئ حيث يؤدي ارتفاع منسوب سطح البحر وغيره من الظواهر الطبيعية المتطرفة إلى غمر مواطنهم التاريخية، ما يؤدي إلى تآكل أراضي أجدادهم ومدافنهم التاريخية وتلاشي روابطهم وممارساتهم الروحية والثقافية.

وقالت سوكو إن «هذا أمر فريد بالنسبة للشعوب الأصلية؛ لأن لديهم ارتباطاً روحياً وثقافياً بأراضيهم.. وكل هذا يتأثر نتيجة لأزمة المناخ، وهي أزمة لم يتسببوا فيها».

وشددت سوكو على أهمية إشراك مجتمعات السكان الأصليين في عمليات صنع القرار بدلاً من تحميلهم المسؤولية عن بلدان شمال الكرة الأرضية التي تنبعث منها معظم الغازات الدفيئة.

ودعت إلى مراجعة وإصلاح سياسات الهجرة الحالية مع المشاركة في حوارات إقليمية بين الدول المجاورة «للحديث عن الأسباب الجذرية للهجرة وتوفير الموارد لمساعدة المجتمعات التي ترغب في البقاء في موطنها وتحسين سبل عيشها وحماية نفسها».