بإعلان تاريخي حفلَ بالكثير من المبادرات غير المسبوقة، اختتم المشاركون في مؤتمر الأطراف للتغير المناخي ( كوب 28) المنعقد في دبي أعماله وأعلنوا، وفق وصف الأمم المتحدة، «بداية النهاية لعصر الوقود الأحفوري» ضمن « اتفاق الإمارات» الذي أجمعت الوفود على تحقيقه التوازن الصعب بين المطالبين بالتحول العادل والتدريجي باتجاه الطاقة النظيفة والمنادين بالتحول التام عن الوقود المنتج للانبعاثات المسببة للتغير المناخي الكارثي.
«حققنا الكثير في زمن قصير، وخلال الأسبوعين الماضيين، عمِلنا بجد وإخلاص لبناءِ مستقبل أفضل لشعوبنا وكوكبنا، وبإمكاننا أن نفخر بهذا الإنجاز التاريخي»، بهذه الكلمات خاطب سلطان الجابر، رئيس (كوب 28)، الحضور في الجلسة الختامية للمؤتمر بعد أيام من النقاشات الماراثونية المتصلة بجميع الوفود والأطراف، والتي انتهت فجر الأربعاء، قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي.
وقبل ذلك، تبنَّى الجابر، بصفته رئيساً للمؤتمر، في الجلسة الختامية نصَّ الاتفاق الذي توصَّل إليه 198 طرفاً بالإجماع، ويتضمن خطة عمل مناخية طموحة للحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.
يدعو الاتفاق الأطرافَ إلى تحقيق ما يصفه بانتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من كل مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي، ويشجعهم على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل كل القطاعات الاقتصادية، كما يستهدف زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030، ويبني زخماً لتأسيس هيكل جديد للتمويل المناخي.
وقال الجابر في بداية جلسة الإعلان عن إقرار مسودة الاتفاق النهائي «قدمنا استجابة شاملة لنتائج الحصيلة العالمية، وأنجزنا جميع المتطلبات التفاوضية اللازمة».
وتابع بالقول «قدمنا خطة عمل مُحكَمة للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، استناداً إلى الحقائق العلمية».
وأكّد الجابر أن الخطة الموضوعة هي «خطة عمل متوازنة، تسهم في الحد من الانبعاثات، ومعالجة الثغرات الموجودة في موضوع التكيف، وتطوير وإعادة صياغة آليات التمويل المناخي العالمي، وتحقيق متطلبات معالجة الخسائر والأضرار».
النقاط الرئيسية لاتفاق الإمارات
- استجابة عالمية طموحة: يهدف الاتفاق إلى تمهيد الطريق لاستجابة عالمية طموحة وشاملة لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف اتفاق باريس.
- تحقيق الحياد المناخي: يدعو الاتفاق إلى انتقال منظم ومسؤول وعادل إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي غير المخفف، بهدف تحقيق الحياد المناخي.
- زيادة الطاقة المتجددة: يستهدف الاتفاق زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
- تمويل العمل المناخي: تم جمع وتحفيز تعهدات تفوق 85 مليار دولار لتمويل العمل المناخي.
- معالجة الخسائر والأضرار: توصل المؤتمر إلى اتفاق بشأن معالجة الخسائر والأضرار الناتجة عن تداعيات تغير المناخ.
نتائج غير مسبوقة في اتفاق الإمارات
ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف للتغير المناخي، يُدرج الحديث عن الوقود الأحفوري ضمن الاتفاقات المقدمة، مع دعوة الأطراف للانتقال إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
يأتي «اتفاق الإمارات»، بعد عام من المشاركات الدبلوماسية الواسعة القائمة على احتواء جميع الأطراف الفاعلة، وأسبوعين من المفاوضات المكثفة في الدولة المضيفة، ليتماشى مع هدف رئاسة (كوب 28) المتمثل في تقديم استجابة طموحة وفعّالة وملموسة لنتائج الحصيلة العالمية لتقييم التقدم في تحقيق أهداف باريس.
كما تضمن (كوب 28) إعلانات بشأن الزراعة والغذاء والصحة.
ولأول مرة، بادرت مزيد من شركات الغاز والنفط إلى التعهد بالحد من غاز الميثان والانبعاثات الأخرى، وتمكَّن (كوب 28) من إدراج نص صريح عن الوقود التقليدي في الاتفاق النهائي للمؤتمر.
وأشاد الجابر بالعمل التوافقي الجماعي بين جميع الأطراف والوصول إلى أرضية مشتركة بفضل الجهود المتضافرة والحوار المفتوح بين الجميع، وقال مشيراً إلى الحوار الناجح بين الجميع، «لقد تواصلتم بفاعلية، وتجاوزتم الحواجز، بروح التعاون، وتحدثتم معاً بإخلاص وجدية، هذا هو ما حقق التغيير المطلوب».
كوب 28 ليس نهاية الطريق
أكدت رئاسة (كوب 28) عزمها على العمل لضمان تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها ومتابعتها حتى (كوب 29) و(كوب 30)، مع وضع آليات لتتبع التقدم المحرز مقابل مستوى التنفيذ المطلوب، وبالفعل، وقَّعت رئاسة المؤتمر مذكرة تفاهم مع البرازيل، الدولة المستضيفة لـ(كوب 30)، لتعميق التعاون ورفع سقف الطموحات المناخية.
وستدعم رئاسة (كوب 28) تنفيذ اتفاقها مع البرازيل من خلال التعاون البناء مع أذربيجان، الدولة المستضيفة لمؤتمر (كوب 29)، لضمان حضور الأطراف إلى (كوب 30) بعدد من خطط العمل المناخية الطموحة التي تواكب التغيرات في هذا العقد الحاسم، بالإضافة إلى تشجيع الأطراف على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل كل القطاعات الاقتصادية.
وفي إطار الترحيب الدولي للأطراف وللوفود وممثلي المنظمات الرئيسية باتفاق الإمارات، رأى فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، أنه يعكس الأسس الرئيسية التي طالما دعت إليها الوكالة، لافتاً إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود لتمويل الاقتصادات النامية.
كما شدّد المبعوث الأميركي للمناخ، جون كيري، على التعاون وتضافر الجهود الذي أدى إلى ذكر الوقود الأحفوري للمرة الأولى في أي اتفاق مناخي، في حين اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتفاق يحمل «أنباءً جيدة للعالم بأننا اليوم بات لدينا اتفاقية متعددة الأطراف تسرع تخفيف الانبعاثات باتجاه هدف صفر انبعاثات بحلول 2050».