تقف إفريقيا عند نقطة محورية في رحلتها إلى الطاقة المتجددة لمكافحة تغيّر المناخ، ومع وجود أكثر من 650 مليون شخص لا يزالون يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الطاقة، ووسط النمو السكاني السريع، تواجه هذه القارة -المنسيّة حتى وقت قريب- التحدي المزدوج المتمثل في تلبية احتياجاتها التنموية مع ضرورة الانتقال إلى مستقبل طاقة أنظف وأكثر استدامة.
هذا التحول التاريخي لمصادر الطاقة في القارة الإفريقية يتطلب إيجاد توازن دقيق بين الأولويات المختلفة للدول هناك، بما في ذلك الوصول العادل إلى الطاقة، والتنمية الاقتصادية، والاستدامة البيئية، مع افتقار ما يقرب من 70 في المئة من الناس في إفريقيا إلى القدرة على الوصول إلى الطهي النظيف، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، في حين يفتقر 43 في المئة إلى القدرة على الحصول على الكهرباء.
وشددت المديرة الإقليمية والمستشارة الخاصة لأبطال تغير المناخ رفيعي المستوى بوغولو جوي كينويندو في حوار خاص مع منصة «CNN الاقتصادية» خلال فعاليات مؤتمر الأطراف كوب 28 في دبي على أن التحول لا ينبغي أن يأتي على حساب الاقتصادات والمجتمعات المحلية الإفريقية.
ونبّهت كينويندو إلى الفارق الحالي الذي يبلغ تسعة أضعاف في الاستثمار بين مصادر الطاقة النظيفة والقذرة، مشكّكة في جدوى مشاريع الوقود الأحفوري على المدى الطويل.
وشدّدت على أهمية تعزيز قدرة التحميل الأساسية لشبكات الطاقة كخطوة أولى تمهد بعدها للانتقال إلى مصادر أنظف لتجنب الانهيار الاقتصادي وضمان أن تؤدي العملية إلى مستقبل أفضل للجميع.
تمويل الانتقال ليس خياراً
يلعب التمويل دوراً أساسياً لتحقيق تحول عادل في مجال الطاقة في إفريقيا، بحسب كينيوندو.
«لكي نرى العمل المناخي الصحيح والانتقال العادل، هذا كله يحتاج إلى تمويل.. ويتعين علينا أن نرى تدفقاً متسارعاً للاستثمارات في مشاريع الطاقة، والتخفيف من آثارها، والتكيف معها».
وأوضحت كينويندو «إذا أردنا أن نرى استيعاباً حقيقياً للاستخدام المتجدد في القارة، فيجب أن يتناسب التمويل مع الطموح».
وتعمل إفريقيا بالفعل على تحقيق التنمية الإيجابية للمناخ، بحسب ما قالته كينيويندو، مشددة على حتمية أن تشارك دول العالم كشريك ممول للاعتراف بهذا التطور وتحقيقه وللمساهمة بنشاط في تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية.
وأشارت إلى أن إفريقيا أسهمت بأقل قدر من الانبعاثات العالمية تاريخياً -ما بين 2 و3 في المئة وفقاً للأمم المتحدة- لكنها الأكثر تضرراً في الوقت الذي تعاني فيه أغلبية بلدانها من ثقل الديون المتراكمة عليها بفعل فقر الموارد ومحاولتها في الوقت عينه تمويل التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود من الميزانيات الوطنية عبر الاستدانة ومن ثم الاستدانة من جديد لتغطية الديون.
وشددت كينويندو على أن «تمويل المناخ حالياً يتم من خلال الديون على أي حال، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم مشكلة الديون؛ لذلك نحن هنا لنتحدث الآن على وجه الخصوص عن تمويل المرحلة الانتقالية وبالعملة المحلية».
الطاقة المتجددة.. ليست الحل الوحيد
وفي حين تعتبر مصادر الطاقة المتجددة أمراً بالغ الأهمية في مسيرة التحول لمستقبل مستدام، حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، فرانشيسكو لا كاميرا في لقاء مع «CNN الاقتصادية» من إهمال مصادر الطاقة الأساسية.
وسلط لا كامرا الضوء على الحاجة إلى نهج متوازن يضمن أمن الطاقة مع تعظيم فوائد مصادر الطاقة المتجددة بما يشمل تطوير البنية التحتية اللازمة لدعم تكامل الطاقة المتجددة ووضع إفريقيا كقارة رائدة عالمياً في إنتاج وتجارة الطاقة النظيفة.
وأوضح لا كاميرا أنه «يجب أن تحصل إفريقيا على موارد كافية لبناء البنية التحتية اللازمة لتجارة الهيدروجين محلياً وخارجياً، وتجارة الطاقة النظيفة محلياً وإقليمياً وخارجياً».
وأضاف «نحن نُصر على أن تكون المؤسسات المالية المتعددة الأطراف على استعداد لإصلاح الطريقة التي تعمل بها، فبالنسبة لهؤلاء المواطنين، فإن أولويتهم هي بناء البنية التحتية لنظام الطاقة القادم».
وشدّد المسؤول الدولي على أن توفير الطاقة لا يقتصر فقط على تأمين الضوء والكهرباء للمصانع والمنازل والمحطات، بل يتعلق أيضاً بإطلاق الفرص الاقتصادية وتعزيز التعليم والرعاية الصحية ودفع عجلة التنمية المستدامة.
نمو متفاوت
ولا يزال النمو متفاوتاً في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وفقاً للبنك الدولي.
وفي حين من المتوقع أن يسجل شرق إفريقيا معدل نمو قدره 1.8 في المئة في عام 2023، فقد يسجل نمو غرب إفريقيا نسبة 3.3 في المئة هذا العام.
وفي الإجمال، لا يزال الأداء الاقتصادي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا متخلفاً عن باقي الدول، بسبب الأداء الأقل من المتوسط لأكبر البلدان في القارة.
ومع تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي في أجزاء كثيرة من القارة، فإن الشركات الكبيرة باتت لديها إمكانات أكثر لخلق القيمة من خلال زيادة إنتاجيتها.
وتشير تقديرات مؤسسة ماكينزي العالمية للاستشارات المالية إلى أن الشركات الكبرى في إفريقيا يمكن أن تزيد إيراداتها مجتمعة بأكثر من 550 مليار دولار بحلول عام 2030 من خلال استراتيجيات طموحة للوصول إلى أسواق جديدة، وتعزيز الإنتاجية، وزيادة الكفاءة التشغيلية، ولعب دور في نمو المجتمع.
الفرصة في التنوع
يسعى المستثمرون المقبلون على القارة الإفريقية إلى خلق فرص تتآلف مع موارد كل بلد وبنيته التحتية وقوانينه.
وقالت كينويندو «من الضروري أن تفكر برامجنا في كل هذه الاختلافات في المنطقة»، وأضافت «إننا نرى ما يفعله برنامج (الطاقة المستدامة للجميع) لنيجيريا، وهو يختلف عمّا يفعلونه لكينيا».
ويؤكد كل من كينويندو ولا كاميرا الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها إفريقيا لكي تصبح رائدة عالمية في مجال الطاقة النظيفة؛ إفريقيا غنية بالموارد المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية.
ومن خلال تطوير هذه الموارد والتعاون لبناء بنية تحتية قوية للطاقة، لا تستطيع إفريقيا تلبية احتياجاتها من الطاقة فحسب، بل يمكنها أيضاً المساهمة في الجهود العالمية للطاقة النظيفة.
ففي جلسة التصنيع الأخضر لإفريقيا في كوب 28 في دبي، أكد رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني أنه ليس من العدل حرمان البلدان الإفريقية من موارد الطاقة الخاصة بها بسبب وجهات النظر التي يقدمها تحول الطاقة.
«إن تحول الطاقة هو تحول، وبينما ننتظر الوصول إلى هناك، سنبقى في المرحلة الانتقالية ونستعد للتحول في مجال الطاقة».
وأضاف: «لا يوجد تعارض بين تطوير موارد الغاز والهيدروجين».