من حرارة صحراء الربع الخالي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، تشعر منطقة الشرق الأوسط بوطأة تغيّر المناخ بشكلٍ حاد، ومع تزايد المخاطر البيئية تتحوّل الأنظار إلى أدواتٍ فعّالة لمكافحة هذه الظاهرة.

وفي حين يرى البعض ضرورة التخلي عن الوقود الأحفوري بأسرع ما يمكن للتغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري، لا يزال السؤال الكبير.. كيف نفعل ذلك؟

ومن بين الحلول المطروحة تأتي الأسواق الناشئة للكربون وأسعار الكربون، ففكرة ما يُعرف بـ(فرض سعر على الكربون) تكتسب أهمية متزايدة على المستويين العالمي والإقليمي، وهي آلية تبنتها أوروبا بالفعل منذ عام 2005.

وتسعير الكربون هي الطريقة التي يفضلها العديد من الاقتصاديين للحد من الانبعاثات، وتفرض على أولئك الذين يتسببون بانبعاث ثاني أكسيد الكربون من عملياتهم دفع مزيد من الأموال، وسعر الكربون هو المبلغ الذي يجب دفعه للحق في انبعاث طن واحد من هذا الغاز في الغلاف الجوي.

وفي هذا السياق استضافت «CNN الاقتصادية» عمدة حي المال في لندن، لورد مايكل مينيلي، في مقابلة كشف خلالها عن الدور الذي تلعبه أسواق الكربون وأسعار الكربون في التصدي لتحديات المناخ، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

بدايةً أكد اللورد مينيلي أهمية سوق الكربون كآلية لتحفيز خفض الانبعاثات، واصفاً إياها بـ«الجوهر الحقيقي» الذي سعى له مؤتمر الأطراف (كوب 28) الذي عُقد في الإمارات منذ أسبوعين، وقال مينيلي «صحيح أن صندوق الخسائر والأضرار وصندوق الإمارات مفيدان للغاية، لكنهما ليسا جوهر المؤتمر، المؤتمر نفسه يدور حول سعر الكربون، وعندما يتعلق الأمر بمساعدة الدول النامية والبلدان الأخرى في الحصول على الأموال اللازمة للتحول المستدام، فإن تلك الأسعار مهمة لأن الناس سيدفعون لتجنبها».

في بداية عام 2023، كان 23 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية مغطاة بسعر للكربون، ارتفاعاً من 5 في المئة فقط في عام 2010، وتعليقاً على ذلك قال اللورد مينيلي إنه لا يوجد سبب يمنع العالم من مضاعفة ذلك إلى 46 في المئة، وصولاً إلى 69 في المئة خلال فترة من سنتين إلى أربع سنوات قادمة، ووفقاً لصندوق النقد الدولي توجد 49 دولة لديها مخططات لتسعير الكربون، و23 دولة أخرى تفكر في ذلك.

النموذج الأوروبي

في الأول من أكتوبر تشرين الأول، أطلق الاتحاد الأوروبي سياسة «آلية تعديل حدود الكربون» (CBAM)، وبحلول عام 2026 ستبدأ هذه الآلية فرض سعر للكربون على جميع واردات الاتحاد.

وأكدت آنا ماري سلوت، عضو مجلس المستشارين في شركة كاربونيرز، أهمية دور وإمكانات أسواق الكربون الطوعية، مضيفة أنه توجد فرص ضخمة لهذه الأسواق في تسهيل وتسريع استخراج الكربون من البيئة، والتركيز على الانتقال إلى عالم خالٍ من الكربون.

وأشارت سلوت إلى أن سوق الكربون الطوعي قد يصل إلى ما بين 100 و150 مليار دولار بحلول عام 2030.

وتناولت الفروق الكبيرة بين تسعير الكربون وأسواق الكربون الطوعية، حيث تسعر بعض الشركات مثل مايكروسوفت الكربون بين 150 و170 دولاراً للطن، في حين تقوم الأسواق الطوعية بتسعيره بين سبعة دولارات و70 دولاراً للطن.

وأضافت سلوت أن الأسواق المنظمة، مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، وكاليفورنيا والصين، تحدد أسعار الكربون من قبل المنظمين، في حين تتطور الأسعار في الأسواق الطوعية وفقاً لآليات السوق الحرة، متوقعة أن تتوحد الأطر الخاصة بالأسواق الطوعية على مستوى العالم، ما سيسهم في زيادة الشفافية والمقارنة في هذه الأسواق.

وفي هذا السياق، أوضح اللورد مينيلي كيف يُشجّع ارتفاع سعر الكربون الشركات والأفراد على الحدّ من انبعاثاتهم لتجنّب تكاليف إضافية، واستشهد بتجربة أوروبا الناجحة، إذ أدى فرض أسعار مرتفعة لسنوات عدّة إلى انخفاض ملحوظ في انبعاثات الكربون، ويأمل اللورد مينيلي في توسيع نطاق هذه الآلية لتوفير تمويل أساسي للدول النامية التي تبذل جهوداً مكثفة للتخفيف من آثار تغير المناخ.

ولم يغفل الإشارة إلى دور مدينة لندن نفسها كلاعب رئيسي في سوق الكربون العالمي، فقد أكد اللورد مينيلي الالتزام التاريخي لمدينة لندن بقضايا البيئة منذ إقرار قانون الهواء النظيف عام 1953، مشيراً إلى دورها في إنشاء أسواق الكربون لأوروبا، ولم يقتصر حديث اللورد مينيلي على سوق الكربون الإلزامي، بل تطرق أيضاً إلى سوق الكربون الطوعي الذي لا يزال في مراحله الأولى من التطور، وأشار إلى أهميته في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

أسواق وأسعار الكربون في الشرق الأوسط

رحب اللورد مينيلي بالخطوات التي بدأتها دولٌ في الشرق الأوسط نحو إنشاء أسواق خاصة بها للكربون، بما في ذلك إطلاق السعودية سوقها في عام 2022، وبورصة أبوظبي للكربون الطوعي (ACX) التي افتُتِحت العام الماضي، وأشاد بدور هذه المبادرات في تعزيز التنمية المستدامة وتشجيع الاستثمار في مشاريع خفض الانبعاثات.