على بُعد 45 دقيقة إلى الشرق من أبوظبي وفي منطقة صحراوية قاحلة، تنبت فكرة مبتكرة لتحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى مصدر واعد للأمن الغذائي في دولة الإمارات وربما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتعمل شركة «كوكب مستدام»، المتخصصة في التقنية الزراعية، على تسخير التكنولوجيا لمكافحة انعدام الأمن الغذائي والتغيرات المناخية، ويعمل حلها المبتكر على زراعة بروتينات نباتية على أراضٍ متصحرة.
وفي الإمارات، تستخدم الشركة أراضي غير زراعية ومتأثرة بالأملاح من أجل زراعة أصغر النباتات الزهرية على كوكب الأرض وهي عدس الماء.
ما هو عدس الماء؟
عدس الماء نبات مائي صغير يتميز بسرعة نموه الفائقة ويزدهر في مستوى معين من الملح، والذي يسرّع عملية نموه، وبفضل الصفات التجديدية لعدس الماء، وبعد مرور سنوات قليلة، فإن عدس الماء بالفعل سينظّف التربة الملحية التي يوجد فيها ليجدد التربة من أجل الاستخدام المستقبلي للمحاصيل التقليدية.
ويقول سفين كاوفمان مؤسس الشركة، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن زراعة عدس الماء في الإمارات يمكن أن توفّر الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال كاوفمان «نقوم بذلك لأن سكان العالم سيبلغون عشرة مليارات نسمة قريباً وسيحتاجون إلى ما بين 50 و60 في المئة غذاء أكثر.. المزيد من الغذاء يعني المزيد من البروتين.. عدس الماء نبات مميز للغاية فهو يتضاعف في الحجم كل 24 ساعة، ويحتوي على نسبة 45 في المئة بروتين».
وتابع قائلاً «البروتين الرئيسي اليوم هو البروتين الحيواني ومن ثم نحتاج إلى أن نعلف الحيوانات و90 في المئة من علف الحيوانات يأتي من فول الصويا.. وهذا يعني أننا نحتاج إلى زيادة وتيرة زراعة فول الصويا بما بين 50 و60 في المئة.. لا توجد أرض زراعية متاحة لزراعة 50 أو 60 في المئة أكثر من فول الصويا، ولهذا يتطلع الناس لبدائل مثل الزراعة العمودية وبروتين الحشرات، لكننا نعتقد أن المستقبل سيكون للبروتين النباتي».
وذكر أن الشركة ابتكرت عدة منتجات منها ما سيُستخدم لعلف الحيوانات ومنها ما سيُجفف ويُحول إلى مسحوق يمكن استخدامه مكملاً غذائياً يُضاف إلى مشروبات أو كمنكّه للطعام.
الأهمية البيئية والاقتصادية لعدس الماء
إلى جانب أهميته كمصدر للبروتين، يحتوي عدس الماء على نسبة عالية من النشاء، ما يجعله مرشحاً مثالياً لإنتاج الإيثانول، وهو نوع من الوقود الحيوي، وقد أظهرت الدراسات أن عدس الماء يمكن أن ينتج كميات من الإيثانول تفوق تلك التي يمكن الحصول عليها من المحاصيل التقليدية مثل الذرة، وذلك بدون الحاجة إلى استغلال الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء.
بالإضافة إلى ذلك، يُعرف عدس الماء بقدرته الفريدة على تنقية المياه من النيتروجين والفوسفور، ما يجعله أداة مفيدة في إدارة جودة المياه، وهذه الخصائص تجعل من عدس الماء مكوناً مهماً في الأنظمة المائية المستدامة، خاصة في مناطق مثل الإمارات، حيث تُعد إدارة الموارد المائية تحدياً كبيراً.
ويقول كاوفمان «هنا يكمن جمال هذا المنتج.. نحن نستخدم ماءً أقل بعشرين مرة مقارنة بإنتاج فول الصويا.. وهذا مهم جداً، ولا سيّما أيضاً هنا للمنطقة، ولكن أيضاً في إفريقيا، هذه النبتة تنتج المزيد من الأكسجين مقارنة بالمانغروف على سبيل المثال، أعلم أن المانغروف في هذه المنطقة مهم جداً، لذا يمكننا أن ننتج من ذلك رصيد الكربون الذي يمكننا أيضاً بيعه هنا في المنطقة.. إذاً نحن ندعم التخفيف من تداعيات تغيّر المناخ».
التحديات والفرص
مع ذلك، تواجه زراعة عدس الماء في الإمارات تحديات مثل الحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة للزراعة المائية وتحلية المياه، وكذلك الحاجة إلى تطوير أساليب فعّالة للحصاد والمعالجة، لكن توفّر هذه التحديات فرصاً للابتكار والتطوير في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.
من المتوقع أن تستمر الإمارات في استكشاف إمكانات عدس الماء وغيره من الموارد المائية المستدامة، مع التركيز على تطوير أساليب زراعية تحافظ على الموارد الطبيعية وتعزز الاستدامة.
ومن خلال الجمع بين الابتكارات التكنولوجية والممارسات الزراعية التقليدية، يمكن للإمارات أن تتبنى نهجاً متكاملاً يسهم في تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية على حد سواء.
وكانت وزارة الاقتصاد الإماراتية قد توقعت أن ينمو استهلاك الغذاء في الدولة بمعدل سنوي يبلغ 3.5 في المئة بواقع نحو 10.3 مليون طن عام 2023.
ندرة المياه والأراضي الزراعية في الشرق الأوسط
وفقا لتقرير صدر عن البنك الدولي في يناير كانون الثاني 2023، تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نقصاً حاداً في المياه اللازمة للحياة وكسب العيش، وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، لا تزال بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه شحاً غير مسبوق في المياه بسبب تغيّر المناخ والنمو السكاني ومتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية
ويقول التقرير «يدرك واضعو السياسة في أنحاء المنطقة كافة عدم استدامة حصص توزيع المياه وأن زيادة الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيات الحديثة الجديدة لزيادة إمدادات المياه تفرض عبئاً مالياً متزايداً على كاهل الحكومات».
وشهدت المنطقة زيادة في تعداد سكانها من أكثر قليلاً من 100 مليون نسمة عام 1960 إلى ما يزيد على 450 مليون نسمة عام 2018، ومن المتوقع أن يزيد متوسط عدد السكان عام 2025 إلى 720 مليون نسمة.
وأشار التقرير إلى أنه بحلول 2030 سينخفض متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتاحة في المنطقة إلى ما دون الحد المطلق لشح المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً.
كما تتسم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنها تتكون إلى حد كبير من أراضٍ قاحلة، وأشار تقرير للبنك الدولي صدر في أبريل نيسان 2023 إلى أن أكثر من 84 في المئة من مساحة الأراضي في المنطقة تُصنَّف على أنها صحراء، في حين أن 3.5 في المئة فقط من مساحة الأراضي عبارة عن أراضٍ محصولية.
كما تواجه عملية إعداد الأراضي لأغراض الزراعة قيوداً شديدة بسبب الجغرافيا والمناخ، ووفقاً للتقرير، تُعدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أدنى منطقة من حيث نصيب الفرد من الأراضي المحصولية ولديها هامش ضئيل للغاية للتوسع، إذ من بين 62 مليون هكتار من الأراضي المحصولية، فإن لدى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصغر مساحة من الأراضي المحصولية على مستوى العالم، ومن هذا المجموع، يخصص عشرة ملايين هكتار للمحاصيل الدائمة، و52 مليون هكتار من الأراضي صالحة للزراعة.
ويقول كاوفمان إنه من هنا تبرز أهمية دمج عدس الماء في استراتيجيات إدارة الموارد الطبيعية للدول بهدف تحقيق التوازن البيئي ودعم المجتمعات المحلية، ومن خلال البحث والتطوير يمكن تحسين طرق استخدام هذا النبات وتعزيز فوائده البيئية والاقتصادية، ما يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال النظم البيئية المائية في المنطقة.
وقال «جئت إلى هنا لإقناع جهات مثل هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية لإنتاج هذا البروتين على هذه الأرض، لأنهم يستوردون 100 في المئة، فبدلاً من استيراد 100 في المئة، يمكنهم إنتاج ما يحتاجون إليه.. لكنهم يريدون الذهاب لما هو أبعد من ذلك.. يريدون أن ينتجوا هذا البروتين للعالم.. وهم لديهم كل شيء، لديهم الماء، ولديهم الشمس، ولديهم العمالة، ولديهم الأرض».