تنمو طاقة الرياح بوتيرة سريعة في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة الرائدة في العالم خلف الطاقة الكهرومائية، وتلعب توربينات الرياح دوراً حيوياً في مساعدة البلدان على الابتعاد عن طاقة الوقود الأحفوري، التي تتسبب في انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وتعلو أجسام توربينات الرياح شفرات طويلة من الألياف الزجاجية، يصل طول بعضها إلى طول نصف ملعب كرة قدم، وهي مصممة لتحمّل أقسى الظروف وأشد رياح، لكن هذه المتانة تنطوي على مشكلة كبيرة، فما الذي يجب فعله بهذه الشفرات عندما تصل إلى نهاية حياتها؟

رغم أن نحو 90 في المئة من التوربينات قابلة لإعادة التدوير بسهولة، فإن شفراتها ليست كذلك، وتُصنع هذه الشفرات من الألياف الزجاجية المرتبطة مع راتنجات الإيبوكسي، وهي مادة قوية ومكلفة جداً يصعب تفكيكها، وتكون الشفرات كذلك الأكثر عرضة للتلف بسبب العوامل الجوية مثل الرمال المحمولة بالهواء والبرق والمطر، ما يقلل من كفاءتها ويحد من عمرها الافتراضي.

وتنتهي دورة حياة معظم الشفرات في مكب النفايات بينما تلجأ شركات أخرى لحرقها، ومن المتوقع أن يصل عدد الشفرات الزائدة على الحاجة إلى نحو 43 مليون طن على مستوى العالم بحلول عام 2050، وفي الولايات المتحدة من المتوقع أن تصل نفايات الشفرات إلى 2.2 مليون طن بحلول عام 2050.

وتنطوي عملية إعادة تدوير مواد شفرات التوربينات على صعوبات كبيرة، منها تعقيد عملية فصل المواد المركبة المستخدمة في صناعتها، التي تشمل ألياف الزجاج أو الكربون والراتنجات الرابطة، حيث ينتج عنها ألياف أضعف من الألياف الجديدة وأغلى ثمناً، بالإضافة إلى وصول الجيل الأول من توربينات الرياح إلى نهاية فترة خدمتها واستبدال البعض الآخر في وقت مبكر لإفساح المجال لتكنولوجيا أحدث، بما في ذلك شفرات التوربينات الأطول التي يمكنها كنس المزيد من الرياح وتوليد المزيد من الطاقة.

حلول مبتكرة لمشكلة كبيرة

باتت صور مقابر شفرات التوربينات في الولايات المتحدة رمزاً للجانب المظلم في قطاع صناعة الطاقة المتجددة، ففي عام 2019 فجرت صورة من مكب نفايات كاسبر الإقليمي في ولاية وايومنغ الأميركية، تُظهر أكواماً من الشفرات البيضاء الطويلة التي تنتظر الدفن، انتقادات لاذعة لقطاع طاقة الرياح باعتباره يلجأ لممارسات للتخلص من نفاياته تتعارض مع مبادئ الاستدامة.

لكن هناك حلول مبتكرة قيد البحث والتطوير لمعالجة هذه المشكلة وتعزيز الاقتصاد الدائري في صناعة الطاقة الرياح.

ففي فبراير شباط 2023، قالت شركة الرياح الدنماركية فيستاس إنها تمكنت من حل المشكلة عن طريق «حل مبتكر» يسمح بإعادة تدوير شفرات توربينات الرياح دون الحاجة إلى تغيير تصميمها أو موادها.

وقالت الشركة إن «التكنولوجيا الكيميائية المكتشفة حديثاً» تعمل على فصل الألياف عن الراتنجات بطريقة تتيح استرجاع المواد بجودة عالية، يمكن عندها استخدامها في النهاية لصنع شفرات جديدة.

وقالت كلير بارلو، مهندسة الاستدامة والمواد في جامعة كامبريدج، لشبكة «CNN» إنه إذا كان من الممكن توسيع نطاق هذا النوع من التكنولوجيا، فإنه «يمكن أن يغير قواعد اللعبة».

وإلى جانب ذلك، تعمل الشركات والعلماء على أساليب مختلفة منذ سنوات، على الرغم من أن العديد من الحلول المحتملة لا تزال في الطور الأول، أحد تلك الأساليب هو طحن الشفرات واستخدام المواد في صناعات أخرى.

وتقوم شركة فيوليا، وهي شركة لإدارة الموارد مقرها في فرنسا، بتحويل الشفرات القديمة إلى مكون لإنتاج الأسمنت، وتقوم الشركة بتمزيق وفرز ومزج مواد الشفرات قبل إرسالها إلى مصانع الأسمنت لاستخدامها كوقود.

ويؤدي استخدام هذا المزيج إلى تقليل التلوث الناتج عن صناعة الأسمنت بنسبة 27 في المئة، وفقاً لشركة فيوليا، وحتى منتصف مايو أيار 2023 قام البرنامج بمعالجة 2600 شفرة.

نحو اقتصاد دائري

تقدم الحلول المبتكرة لإعادة تدوير شفرات توربينات الرياح فوائد كبيرة لقطاع صناعة الرياح، من خلال تعزيز الاستدامة وتقليل الأثر البيئي، بالإضافة إلى إعادة استخدام شفرات التوربينات في تطبيقات بديلة مثل مواد البناء والبنية التحتية لتقليل كمية النفايات وتوفير موارد قيمة لصناعات أخرى​​، كما تُسهم البحوث في تطوير شفرات من مواد جديدة يمكن إعادة تدويرها بشكل أسهل في تحسين دورة حياة المنتج وتقليل الحاجة إلى مواد خام جديدة​​.

ويُعد توسيع نطاق هذه الحلول وتطبيقها على مستوى الصناعة خطوة حيوية نحو تحقيق اقتصاد دائري في قطاع طاقة الرياح، ما يدعم استمرارية نموه بطريقة مستدامة ومسؤولة بيئياً.