تعتبر التكنولوجيا النظيفة نقطة تحول في مسار التغيير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة وعليه تجتهد الدول، لا سيما بعد كوب 28 واتفاق الإمارات التاريخي، لتكثيف الاستثمار في التقنيات المبتكرة وتعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص والشركات الكبيرة والمتوسطة والناشئة.
ورغم مخاطر سيناريو الانبعاثات، والتي -وفق وكالة الطاقة الدولية- زادت العام الماضي بنسبة 1.1% لتصل إلى 37.4 مليار طن، فإن ارتفاع مستويات تغطية أو التعويض عن الانبعاثات خلال العقد الماضي من 7 في المئة إلى 24 في المئة من الانبعاثات العالمية من خلال أنظمة ضرائب الكربون وأنظمة الاتجار في الانبعاثات وفق البنك الدولي يدعو للتفاؤل.
وقال كريس إدموندز رئيس الدخل الثابت وعلوم البيانات في إنتركونتيننتال إكستشينج NYSE: ICE لـ«CNN الاقتصادية» إن أسواق الكربون توفر هيكلة مثالية لتعويض الكربون، وإنها تشكل بالنسبة للشركة أصول سيستمر الاستثمار فيها مع مرور الوقت، خاصة بعد حيازتهم بورصة شيكاغو للمناخ.
نقلة نوعية في التمويل
قدرت وكالة الطاقة الدولية بلوغ الإنفاق العالمي على تكنولوجيات الطاقة النظيفة والبنية التحتية بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والطاقة النووية والشبكات والتخزين والوقود منخفض الانبعاثات وتحسين الكفاءة والحرارة إلى تريليوني دولار في عام 2024 حتى مع ارتفاع تكاليف التمويل التي تعوق المشاريع الجديدة، لا سيما في الاقتصادات الناشئة والنامية.
الأمر الذي يدل على اهتمام متزايد من قبل المستثمرين والحكومات في دفع عجلة اقتصاد الطاقة العالمي الجديد قدماً، وذلك من تكثيف الاستثمار في التقنيات الحديثة والشركات الناشئة للتكنولوجيات النظيفة.
وتعرف التكنولوجيا النظيفة بالمنتجات والخدمات والعمليات التي تستخدم تقنيات مبتكرة لتحقيق أداء بيئي وخلق قيمة مضافة للحد من التأثير السلبي على البيئة والذي تسببه التكنولوجيات القديمة التي تعتمد على الطاقة الأحفورية كالفحم والغاز، وهي تقوم على تقنيات متنوعة تشمل إعادة التدوير والطاقة المتجددة والتنقل الأخضر والمحركات الخضراء وغيرها.
وتهدف هذه التقنيات إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال تحسين كفاءة الطاقة استخدام الموارد وتقليل الانبعاثات والتلوث.
وقال إدموندز نحن بالتأكيد نستثمر في تلك الشركات الناشئة الجديدة، سواء كان ذلك من منظور البيانات، للتأكد من أن الأشخاص لديهم مقاييس شفافة للغاية يمكنهم استخدامها لإحداث تأثير أكثر فاعلية، مشدداً على أهمية أن تكون الشركات قادرة على استخدام هذه الأسواق بطريقة تجعلها تتمتّع بثقة أكبر في معايير الشفافية المعتمدة.
مختبر الذكاء والتعاون
واعتبر يسار جرار الشريك الإداري والمدير العام لمعهد بوستريتي كثفت الشركات الكبيرة من استثماراتها في التكنولوجيا النظيفة إنما بدأ اهتمام هذه الشركات بالمبتكرين والخرجين الجدد لا سيما في الذكاء الاصطناعي يتزايد.
وعزا جرار ذلك إلى حاجة هذه الشركات إلى المزيد من الحلول المبتكرة، مستشهداً بشركة إي أند E& التي أعلنت استقبالها لخريجي الذكاء الاصطناعي الجدد للبحث في حلول داخل الشركة والقيام بالاختبارات الضرورية لذلك، وبرأي الجرار أن السرعة التي يشهدها العام لا تسمح بإطالة الوقت في البحث والتفكير في الحلول بل بالتعاون بين الشركات الكبيرة والصغيرة والناشئة، لما يزخر به هذا التعاون من فرص مهمة.
وأشار إلى أن الشركات العملاقة مثل غوغل ومايكروسفت وميتا وضعت إدارات كاملة هدفها البحث عن شركات صغيرة إما للتعاون معها أو الاستثمار فيها أو حيازتها كمايكروسوفت وOpen AI، وتبقى الشركات الكبيرة ضرورة لخلق سوق للشركات الناشئة.
ويعتقد جرار أن التعاون سيكون عنوان المرحلة القادمة إلى حين وضوح الرؤية في عالم الذكاء الاصطناعي، فغياب الرؤية التنظيمية والقانونية الواضحة دفع الشركات الناشئة الأوروبية إلى البحث عن دول تتمتع بوضوح أو مرونة في القوانين موضحاً أن عالم يعيش اليوم في مختبر للذكاء الاصطناعي ويحتاج إلى القوانين والأسواق والأفكار المبتكرة.
اتجاهات الاستثمار
وتوقعت ستاندرد آند بورز ارتفاع الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة في 2024 بنسبة 10%-20% مقارنة بعام 2023، وأن يصل حجم الاستثمار في الطاقة النظيفة هذا العام إلى نحو 800 مليار دولار ليتجاوز عتبة التريليون بحلول عام 2030.
وحدد تقرير الشركة الاتجاهات الأساسية لهذه الاستثمارات التي يجب متابعتها من المنافسة بين الطاقة الشمسية والتخزين إلى مزادات الشركات المصنعة في الخارج بهدف تسجيل قدرة الرياح وصولاً إلى الاهتمام المتنامي بالهيدروجين منخفض الكربون ومواد الخام.
وبرأي فرناندو غوماز رئيس برنامج نظم الموارد والمرونة في مركز الطبيعة والمناخ التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي أن بعض الاتجاهات التي نشهدها في التكنولوجيات النظيفة لا تزال ترتكز في أغلبيتها على التخفيف من آثار التغير المناخي، ولا يزال نزع الكربون المهمة الرئيسية التي تشغل الاهتمام الأكبر خلال العقد أو العقدين القادمين قبل أن تصل بعض هذه التقنيات إلى مرحلة النضج.
وأضاف «نحن نرى الكثير من التركيز على تقنيات التخفيف من آثار التغيير المناخي، ولكننا نرى حاجة هائلة إلى مناهج أخرى لإدارة المخاطر، إذ ستكون الحاجة إلى التكنولوجيا واضحة بالقدر نفسه، لا سيما في حالة التكيف وبناء القدرة على الصمود.
لذا، هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به لتحقيق التوازن قليلاً في كيفية استجابتنا لتحدي المناخ الذي لا يقتصر على تقليل الانبعاثات فحسب، بل على دعم المجتمع ودعم تحول النظم الاجتماعية والاقتصادية من خلاله».
تكلفة الاستثمار
يتسم مشهد الطاقة النظيفة في عام 2024 بالابتكارات التكنولوجية، والدعم السياسي، وزيادة التزامات الشركات بالاستدامة، ومع ذلك تجب معالجة التحديات مثل التكاليف الأولية العالية، وقيود الشبكة، والعقبات التنظيمية لتسهيل اعتماد واسع النطاق، من خلال تنفيذ الحوافز المالية المستهدفة، وتوفير المساعدة التقنية، وتبسيط اللوائح، وتشجيع التعاون، وزيادة الوعي، يمكن تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبرى دوراً حيوياً في هذا التحول، ومشاركتها الفعالة ستكون حاسمة في تحقيق مستقبل طاقة مستدام ومرن.
إنما وفق تقرير ستاندرد آند بورز فإن اتجاه تكلفة التكنولوجيا النظيفة مرشح للاستمرار في الانخفاض على الرغم من ارتفاع تكاليف الرياح البحرية والهيدروجين، وزيادة العرض وانخفاض المواد الخام، وتوقع التقرير انخفاض متوسط النفقات الرأسمالية للطاقة النظيفة بين 15% و20% بحلول عام 2030.
