لم يحد عمره الماسي (73 عاماً) من عمله الإنساني الذي طالما اعتبره القضية الأساسية، فمنذ تعيينه رئيساً تنفيذياً لـ«دبي الإنسانية» في عام 2017 حول جوسيبي سابا منظومة العمل الإنساني إلى نظام بيئي متكامل مدعوماً برؤية الإمارات الإنسانية وبأهداف الاستدامة والتنمية البشرية.

ووصلت قيمة المساعدات الخارجية التراكمية للإمارات، وفق آخر الأرقام المنشورة على بوابة الإمارات الرسمية بين عامي 2020 و2022، نحو 9.31 مليار دولار، وبلغت قيمة المساعدات الخارجية المقدمة عبر دبي الإنسانية منذ بداية عام 2024 حتى تاريخه قرابة 56.1 مليون دولار.

الصراعات سبب الأزمات

وقال سابا لـCNN الاقتصادية إن الأزمة الإنسانية في كل من غزة وأوكرانيا تتصدر النقاشات والإعلام، لكن لا أحد يتطرق إلى الأزمات التي تشهدها باقي الدول كالسودان واليمن وأفغانستان وسوريا وباكستان، واللائحة تطول برأيه.

وتصدرت 3 دول عربية قائمة الدول الأكثر استفادة من المساعدات الإنسانية الخارجية، وفق بيانات دبي الإنسانية، هي مصر (مساعدات غزة مرت عبر مصر) والسودان واليمن نظراً للتوترات التي تشهدها هذه المناطق.

وشرح سابا أن السبب في تصدر مصر اللائحة هي كونها الممر الوحيد للمساعدات لقطاع غزة، واصفاً الأزمة في السودان بالأكبر من حيث عدد السكان الفارين إلى مصر أو التشاد، قائلاً “إن الأزمة تزداد حرجاً مع تدفق ملايين اللاجئين إلى المخيمات”، ووصل عدد إجمالي النازحين حتى أبريل الجاري إلى 8.5 مليون شخص.

وبرأي سابا أن اليمن تعاني من نقص المساعدات الإنسانية ويتفاقم الوضع سوءاً مع تحدي إيصال المساعدات في منطقة نزاعات ساخنة، وبتقدير الأمم المتحدة لا تتعدى نسبة إيصال المساعدات ثلثي الحجم الإجمالي منها بسبب النزاعات المسلحة التي تجعل نقل هذه البضائع مساراً محفوفاً بالمخاطر.

وفيما تبقى الصراعات التحدي الأبرز أمام العمل الإنساني، يرشح سابا أن التحديات الحالية والمستقبلية ستتمحور حول تداعيات التغير المناخي والمتمثلة بالكوارث الطبيعية التي تزايدت وتيرتها مؤخراً التي تلقي بأثقالها على العمل الإنساني.

المستقبل للاستدامة

خلال شهر أبريل الماضي أطلت المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بعلامة جديدة تحت اسم دبي الإنسانية، والسبب كما شرح سابا لا يقتصر فقط على تغيير المسمى بل على استراتيجية استشرافية للمستقبل.

وقال سابا “إن المستقبل هو للعمليات الإنسانية المستدامة وعمليات الاستجابة الإنسانية المستدامة، وعلينا معرفة كيفية تأمين أفضل الحلول من أجل تقليل انبعاثات الكربون لدينا، وعليه تعمل دبي الإنسانية على ثلاثة محاور رئيسية؛ الاستدامة والابتكار وبناء القدرات”.

فإلى جانب بنك البيانات اللوجستية للخدمات الإنسانية الذي أُطلق عام 2018 كأول منصة عالمية مشتركة لقاعدة بيانات عن مخزونات المساعدات الإنسانية وتدفّقها، من أجل تعزيز التأهب لحالات الطوارئ والاستجابة لها يربط مراكز العمل الإنساني كافة الأحد عشر المنتشرة حول العالم، تعمل دبي الإنسانية بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الباقية والموردين على استدامة المساعدات المقدمة، وذلك بهدف «إنشاء نظام بيئي من أجل دراسة دقيقة لمدى قدرتنا على إعادة تدوير مساعدتنا»، كما أعرب سابا.

وأضاف أن إدارة اللوجستيات تعد مساراً أساسياً في الاستدامة، لذلك تراعي عمليات نقل المساعدات الإنسانية موقع البلد والمركز الإنساني الأقرب لها لتفادي مسارات شحن طويلة وزيادة البصمة الكربونية، وتتعاون دبي الإنسانية مع كل من طيران الإمارات ودي بي ورلد للتحرك باتجاه الاستدامة

وأفاد سابا بأن التعبئة والتغليف تستحوذ على 10 في المئة من وزن الشحن، فضلاً عما تسببه من أعباء بيئية على الدول المستفيدة، لذلك تعمل دبي الإنسانية اليوم على توفير معايير جديدة للملاجئ والخيم والبطانيات وأدوات المطبخ، وكشف سابا أن دبي الإنسانية أطلقت -بالتعاون مع الجامعات في الإمارات- مسابقة لابتكار حلول في التعبئة والتغليف، التي ستعرض في قمة المناخ كوب 29 الذي سيعقد في باكو أواخر هذا العام.

وشرح أن الابتكار بات ضرورة، لا سيما في عصر الذكاء الاصطناعي، مناشداً بضرورة تكثيف التعاون مع الجامعات والشباب لابتكار حلول تتوافق والمعايير البيئية المستدامة.

ولتعزيز هذا التوجه افتتحت دبي الإنسانية مركز التطوير والمعرفة الخاص بها، وذلك من أجل الاستفادة من الخبرات الغنية للعاملين في الشركة، وبناء القدرات خاصة للشباب التي وصفها سابا بأنها ضرورية لإعداد الجيل القادم من العاملين في المجال الإنساني وقادة العمل الإنساني.

فجوة التمويل

تقدر قيمة الحاجات الإنسانية العالمية بنحو 51 مليار دولار وفق تقرير الأمم المتحدة لفجوة الحاجات والموارد لعام 2024 إلى لفت إلى نقص تمويل المساعدات الإنسانية.

ويرى سابا أن الممولين الأساسيين للعمل الإنساني هي الحكومات بالدرجة الأولى، مفاخراً بكرم الإمارات على هذا الصعيد.

وشدد سابا على أن الفجوة هي أمر واقع ومن المرشح بقاؤه، أما انخراط القطاع الخاص في منظومة العمل الإنساني فهو من الأهمية بمكان، لافتاً إلى ضرورة إيلائه حيزاً من الاهتمام، لا سيما أن القطاع الخاص أظهر رغبة في أن يلعب دور الشريك الذي يريد التأكد من أن المساعدات تصب لخدمة أغراضها والوصول إلى الأشخاص الأكثر عوزاً لها.

ويبقى العمل الإنساني رهان مبادرات الخيرين والناشطين لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، ورهناً بقدرة الدول على تحقيق السلام والأمن العالميين.